حتى لا ننسى.. العالم تعب من إسرائيل
العدد :2473 - 09/09/2014
انقضت بضعة أسابيع على توقف هولوكوست غزة، وبدا أن الناس نسوا أو تناسوا ما جرى، لكنهم بالتأكيد ينتظرون مجازر أخرى قد تأتي في يوم ما من سنة ما.
إسرائيل بلد يشبه مصاص الدماء «دراغولا»، وهذا الكائن يحتاج باستمرار إلى امتصاص كميات كبيرة من الدماء حتى يبقى على قيد الحياة. والغريب أن دراغولا هو كائن بين الموت والحياة، مثله مثل إسرائيل تماما، التي لو كانت تدرك أنها كائن طبيعي وسيبقى على قيد الحياة لما تصرفت بهذه الطريقة الموغلة في الوحشية.
اليوم، يبدو أن العالم غسل يديه من جرائم إسرائيل التي استمرت على مدى شهرين وقتلت ثلاثة آلاف مدني، ربعهم من الأطفال. لا شيء يبرع فيه العالم أكثر من إخفاء جرائم إسرائيل وتبييض سيرتها؛ ففي الوقت الذي لاتزال فيه إسرائيل تبكي وتتباكى وتجبر العالم على تذكر المعسكرات النازية في الحرب العالمية الثانية، فإنها تجبر العالم على نسيان مجازرها في غزة بضعة أيام فقط بعد وقوعها.. هكذا يجب على الناس أن يتذكروا جرائم لم يروها وقعت قبل 80 عاما، لمجرد أن إسرائيل تريد ذلك؛ ويجب عليهم كذلك أن ينسوا مجازر حدثت قبل أيام، لمجرد أن إسرائيل تريد ذلك.
لكن المجزرة الإسرائيلية الأخيرة في غزة كشفت أشياء كثيرة، أشياء تثبت أن إسرائيل صارت كيانا متعبا، لقد تعب العالم من إسرائيل لأنها لم تتعب من الذبح، لكن هذا العالم لايزال مستعدا لممارسة كثير من النفاق في المراحل المقبلة، غير أن هذا النفاق لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.
منذ أن بدأت إسرائيل مجازرها قبل أزيد من 70 عاما، أي منذ مجزرة «دير ياسين» فما فوق، فإن العالم تواطأ معها بشكل رهيب.. لقد ظلت إسرائيل تفعل ما تشاء والعالم يصفق لها ويبكي من أجلها لأنها هي الضحية.. إنه أمر نادر في تاريخ البشرية أن يتعاطف العالم مع القاتل وليس مع القتيل، وهذا ما حدث طويلا مع إسرائيل.
خلال كل العقود الماضية، كانت إسرائيل تذبح وتسفك الدماء بينما الإعلام العالمي يصورها كضحية مسكينة للإرهاب. وفي سينما هوليود، تم تزوير تاريخ العالم بأكمله من أجل عيون إسرائيل، وتم اختلاق الكثير من الأكاذيب الفاقعة من أجل إرضاء تل أبيب، وتم وضع البشرية كلها على كفة وإسرائيل على كفة أخرى إرضاء لأنانية إسرائيل؛ وعندما احتج فنانون وسينمائيون، وهم يُعدّون على رؤوس الأصابع، فإنه جرى تهديدهم باستئصال جذور أسمائهم من ميدان السينما، فصمتوا.
اليوم، تبدو الأشياء وكأنها تتغير. صحيح أن التغيير بسيط، لكنه يكبر ويكبر مع كل مجزرة؛ ففي الأيام الماضية فوجئت إسرائيل نفسها بأن النفاق العالمي الذي تعتمد عليه في ارتكاب المجازر لم يعد كما كان، لذلك ستفكر مستقبلا أكثر من مرة قبل ارتكاب مجازر جديدة.
الغرب، الذي كان في الماضي كتلة متراصة مع إسرائيل صار الآن يتململ، والمظاهرات التي كانت تخرج خجولة لإدانة إسرائيل في عواصم أوربا صارت اليوم صريحة وتضم أمواجا بشرية، والفنانون والسينمائيون والإعلاميون الذين كانوا لا يجرؤون على نطق كلمة عتاب واحدة في حق إسرائيل صاروا اليوم يسخرون من جبروتها ويتقززون من قدرتها على ذبح كل هذا العدد من الأطفال.
اليوم، وفي الوقت الذي تغرق فيه البلدان العربية في مستنقعات الخيانة ويتعاون زعماؤها مباشرة مع تل أبيب، تستطيع بلدان كثيرة غير عربية أن تصف إسرائيل بكونها دولة إرهابية وتقطع علاقاتها بها مثلما فعلت بلدان من أمريكا اللاتينية.. هذا كان عصيا على التصديق في الماضي، لكنه صار ممكنا اليوم.
إسرائيل تدرك أنها بلد هش، فهي لم تنتصر في أي حرب حقيقية؛ ففي سنة 1948 واجهت بضعة مقاتلين فلسطينيين وعرب غير مدربين ويحاربون ببنادق فاسدة زودتهم بها أنظمة عربية فاسدة وتحت الاستعمار المباشر؛ وفي 1967، حاربت جيشا من الجنرالات المحششين والأنظمة العربية الخائنة؛ وفي سنة 1973 كادت تنهزم عندما واجهت بعض الجدية في الحرب فاضطرت إلى التفاوض.
وفي مواجهتها للمقاومة، تلقت إسرائيل نكسات لا تحصى، ولولا الخيانة المستفحلة في صفوف العرب لما حققت إسرائيل أي إنجاز، وحتى تصفيتها لرموز المقاومة الفلسطينية والعرب تمت بتواطؤ كبير مع جواسيس فلسطينيين وعرب؛ وفي مذكرات كتبها مسؤولون صهاينة هناك اعتراف صريح بأن تل أبيب كانت ولاتزال تتوفر على عملاء من أعلى المناصب القيادية في العالم العربي، ولولاهم لما حققت أبدا ما كانت تحلم به.
ساحة النقاش