فلاش بريس = إقبال إلهامي
غزالة في بلد الفيلة
«صفقوا لهذه الوزيرة»، إنه التعبير الذي اختاره رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ليرد على الهجمة الشرسة التي استهدفت المغربية نجاة بلقاسم بعد توليها حقيبة التربية الوطنية والتعليم العالي في سابقة هي الأولى من نوعها في فرنسا. حيث سيكون عليها الإشراف على تعليم 12 مليون تلميذ وطالب فرنسي. ورغم أنها ليست المهاجرة الوحيدة التي تم تعيينها في حكومة فالس، إذ عينت المغربية خريجة جامعة السوربون مريم الخمري التي تنحدر من الرباط، في منصب كاتبة دولة مكلفة بسياسة المدينة، إلا أن بلقاسم كانت الأكثر عرضة للتشهير.
ولعل وقوف من حضروا كلمة فالس وتصفيقهم الطويل لم يكن تعبيرا فقط عن الدعم لهذه الوزيرة في منصبها الجديد الذي يتهرب منه الساسة الفرنسيون لصعوبة المهمة، ولكن أيضا إنصافا لمسار المهاجرة المغربية التي استطاعت بجهدها وكفاءتها أن تتخطى الصعاب وتضمن لها مكانا بين الكبار، بالانتقال من قرية بني شيكر بإقليم الناضور شمال المغرب إلى قصر الإليزي.
فقد غادرت نجاة بلقاسم وعمرها خمس سنوات قريتها الصغيرة رفقة والدتها وشقيقتها باتجاه فرنسا حيث كان والدها يعمل في البناء، لكنها تدرجت فيما بعد في مسؤوليات عدة كان أبرزها توليها في ماي 2012 منصب وزيرة حقوق المرأة الناطقة باسم حكومة جان مارك إيروليت إلى غاية 12 أبريل2014 ، حيث ستحمل حقيبة حقوق المرأة والمدينة والشباب والرياضة بعد تعديل حكومي تولى خلاله مانويل فالس رئاسة الحكومة. لكنها قبل ذلك قضت ثلاث سنوات تقدم استشارات قانونية لمكتب محاماة بمجلس الدولة وأيضا بمحكمة النقض قبل أن تصبح مستشارة في حزب الرئيس فرانسوا هولاند التي انضمت إليه في عام 2002.
وليس من السهل أن تقود مهاجرة مسلمة التربية والتعليم في بلد مثل فرنسا، زادت فيه الإسلاموفوبيا بنسب مثيرة للقلق، وحيث ينظر 64 بالمائة من الفرنسيين بعين الربا للمسلمين.
ولعل ما يخيف اليمين المتطرف الذي استل سيوفه لشن هجمات مسترسلة على الوزيرة المغربية الأصل، هو خوفهم من نجاحها حيث أخفق وزراء فرنسيون تعاقبوا على التربية والتعليم، ولأن أي نجاح لها فهو نجاح لاندماج المسلمين، فإن حملات التشهير بها أخذت سياقات هدامة جعلت رئيس الوزراء الفرنسي يخرج عن صمته ليدينها وينوه بوزيرته الجديدة التي لم تجد غير الدموع لمواجهة عاصفة التصفيق وسط القاعة.
لذلك، فتعيين تلك المهاجرة المسلمة والأم لطفلين من زوج فرنسي على رأس وزارة تعنى بتعليم أبناء الفرنسيين، في بلد لا يخفي فيه أكثر من 35 بالمائة من السكان عنصريتهم إزاء الأجانب، يعتبر أفضل رد على ظاهرة الإسلاموفوبيا. بعدما زادت مشاعر الكراهية التي قفزت بحزب اليمين المتطرف إلى مواقع متقدمة ليس فقط داخل فرنسا ولكن حتى خارجها في الفضاء الأوروبي.
ونجاة بلقاسم لا تحرج فقط اليمين المتطرف، بل إن منصبها الذي يجعلها الثالثة في ترتيب الوزراء يثير أيضا حساسية لدى المتوجسين من تأثير صورتها كوزيرة مسلمة على المواطنين الفرنسيين. خصوصا أنها نجحت في كسب ثقة الحزب الاشتراكي، بما يعني أنها قد تكسب ثقة الشعب الفرنسي لاحقا.
وقد استطاعت بلقاسم أن تقفز في ظرف عشر سنوات من مجرد مستشارة في الحزب الاشتراكي إلى وزيرة للتربية والتعليم، بفضل طموحها الجارف الذي يقابله تحدي ينهل من أصولها الريفية. وهو ما عرض له المؤلفان فيرونيك بيرنهايم وفالنتين سبيتز في الكتاب الصادر في 2012 بعنوان «نجاة فالو بلقاسم.. غزالة في بلد الفيلة»، والذي يحكي كيف تخطت هذه المغربية فقرها ونزحت من قريتها لتصبح ناطقة باسم حكومة بلد أوروبي هو فرنسا، مصممة ألا تدوسها أقدام الفيلة في بلد مسكون بالمآزق السياسة.
وحتى بعدما تهكمت عليها مجلة «مينوت»، وجدت بلقاسم جوابا على قدر الحمولة العنصرية، حيث أحالت سائليها للفكاهي الفرنسي الراحل بيار ديبروج، قائلة: «لا أعلم إذا كنتم تعرفون عبارة ديبروج، التي يقول فيها إن قراءة مينوت أرخص بكثير من شراء كتب الفيلسوف جان بول سارتر، فبسعر الصحيفة يمكنك أن تشتري في الوقت نفسه «الغثيان» و«الأيدي الوسخة»، وهما كتابان لسارتر.
ساحة النقاش