فلاش بريس = رشيد نيني
ترانات ديال الخليع نيت
هل يكفي أن يقول ربيع الخليع، المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، أنه مستعد لتقديم استقالته لكي يتم نسيان كارثة اصطدام قطارين من قطاراته ؟
هل يكفي أن يصدر المكتب الوطني للسكك الحديدية بلاغا يقول فيه أن المسؤول عن كارثة اصطدام القطارين هو سائق القطار وقائده اللذان لم يحترما الإشعار بالتوقف، لكي يغلق ملف النقل السككي بالمغرب ويحصل الوزيران الوصيان على القطاع، السيدان الرباح وبوليف، على شهادة إبراء الذمة ؟
هل يكفي أن يصدر المكتب بلاغات اعتذار للمسافرين على التأخر المتكرر لوصول القطارات وعلى النيران التي تشتعل في العربات، وعلى التيار الكهربائي الذي ينقطع ويترك المسافرين في الخلاء، لكي نعتبر أن الأمر مجرد أعطاب عابرة ؟
أعتقد أن مشكل النقل السككي في المغرب أعمق من كل ما يرد في هذه البلاغات بكثير.
فإذا كان السفر عبر القطارات في الدول التي يعتمد اقتصادها على عائدات السياحة متعة حقيقية، فإن السفر عبر قطارات المغرب يعتبر وبدون منازع قطعة من العذاب.
فنحن نسمع كل يوم عن مسافرين يتعرضون للسرقة وسط القطارات، وعن مسافرين في الدرجة الأولى يتعاركون مع المراقبين لأنهم وجدوا المقاعد التي اشتروا أرقامها محتلة من طرف مسافرين آخرين، ونسمع عن مسافرين يشتكون من انعدام شروط الراحة على متن القطارات وتحول المقصورات إلى صالات للصونا في الصيف وسيبيريا في الشتاء. أما المراحيض فيمكن أن تعثر بداخلها على كل شيء إلا الورق والماء.
وإذا أردت أن تجعل سائحا يقلع عن زيارة المغرب نهائيا فما عليك إلا أن تدعوه للسفر على متن قطاراتنا، فالمزابل «الخلابة» التي سيراها من النافذة ستجعله يشمئز، خصوصا عندما يخترق القطار وسط الدار البيضاء ويشاهد كيف لازال الناس يقضون حاجاتهم الطبيعية قرب سور القطار الذي لا يحجب البؤس الذي يوجد خلفه بسبب عوامل «التعرية» التي أصابته.
لذلك لا يكفي أن يقول المسؤولون بالمكتب الوطني للسكك الحديدية أن ما يحدث في قطاراتهم هو نتيجة فقط للأخطاء البشرية.
والذي لا يعرفه المغاربة هو أن المكتب الوطني للسكك الحديدية استثمر عدة مليارات في شراء جهازERTMS من فرنسا تجهز به القاطرات والسكة لمنع حدوث أي خطر، كعدم احترام الإشارات الضوئية مثلا. هذا الجهاز الباهظ الثمن يمكن من توقيف القطار بشكل أوتوماتيكي بلا حاجة إلى تدخل بشري.
وللإشارة فهذا الجهاز تم شراؤه من فرنسا بهدف حذف مهمة «رئيس القطار»، أي أنه من المفروض أن يكون المكتب الوطني للسكك الحديدية قد استغنى عن رئيس القطار والاكتفاء بالسائق، على الأقل في القطار الذي تسبب في الحادثة.
إذن أين هي فعالية هذا الجهاز، وهل تم شراؤه فعلا أم يوجد اسمه في الفواتير فقط ؟
سائق القطار الذي تعرض للاصطدام كان يوجد ابنه بالمستشفى وقد أخبر رؤساءه لتعويضه، لكن طلبه قوبل بالرفض وتم استدعاؤه للعمل. كيف إذن سيركز هذا السائق مع الإشارات الضوئية وهو يرى كيف أن الإدارة قطعت إجازته السنوية ؟
ثم كيف يعقل أن سائق ورئيس القطار مسؤولين عن 400 مسافر كأقل تقدير يشتغلان في هذا القيظ داخل قاطرة دون مكيف هوائي ؟
يبدو أن المكتب الوطني للسكك الحديدية منشغل فقط بصفقات النظافة والإكثار من أعوان النظافة بالقطارات التابعة لشركات خاصة هي في الأصل تابعة لبعض مديري المكتب.
وبعدما وقعت الحادث الأخيرة قام مسؤول بمحطة الرباط المدينة بإخبار مسؤوليه بأن مكتب رئيس الأمن بمحطة العاصمة متسخ وبه قنوات الصرف الصحي، فتم إبعاده لمحطة الرباط أكدال بدعوى أن هناك أعوان يمكن لهم الاشتغال في نفس المكتب.
وإذا كان هناك قطاع يعاني من خصاص في الموارد البشرية فهو السكك الحديدية، ولسد هذا العجز تلجأ الإدارة إلى شراء «كونجيات» المستخدمين.
غير أن شراء الإجازات لا يكفي لوحده لسد العجز، فهناك نقص في المعدات من عربات وقاطرات، كما أن برنامج سير القطارات تعرف ازدحاما شديدا. وعلى سبيل المثال، عربات وقاطرة القطار رقم 155 تؤمن خط البيضاء طنجة من التاسعة والنصف صباحا وتصل طنجة حوالي الساعة الثانية والنصف زوالا، ثم يعود نفس القطار إلى الدار البيضاء. ثم ينطلق من طنجة على الساعة الثالثة والنصف زوالا، لكي يصل إلى الدار البيضاء حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء، ثم ينظف نفس القطار وينطلق مجددا باتجاه وجدة على الساعة الثامنة والنصف ليلا.
فبسبب قلة العربات والقاطرات يلجأ المكتب الوطني للسكك الحديدية إلى نظام يسمى عند الفرنسيين «le systeme de repiquage des trains» . أي أن قطارا واحدا يذهب من مراكش إلى فاس ومن فاس إلى مراكش في اليوم نفسه، والقطار آخر يذهب من الدار البيضاء إلى وجدة ويعود منها في اليوم نفسه.
بعبارة أخرى فالطاقم لا يرتاح، وإذا أضفنا إلى ذلك نتائج التنقيط السنوي الأخيرة، خصوصا ذلك الذي مس «الأعوان المتنقلين»، وأضفنا إليه شراء الإدارة لإجازات المستخدمين وعطلهم الدينية والوطنية، خصوصا إجازات رئيس القطار وسائق القطار ورئيس الأمن، وهي المسؤوليات الخطيرة في القطار، فهمنا لماذا تكثر الحوادث بسبب العامل البشري، فالبشر محتاج إلى الراحة لكي يستعيد نشاطه البدني والذهني، وإلا فإن تركيزه يضعف وبالتالي يصبح غير متحكم في سلوكياته.
للإشارة فسائق القطار مازال يرقد بالمستشفى. وهذا الأخير كان في إجازة لمواكبة مرض ابنه الذي تعرض لحروق خطيرة، إلا أن رئيسه أمر بضرورة التحاقه بالعمل.
وعندما تريد إدارة السكك الحديدية تحميل مسؤولية اصطدام قطار زناتة لطاقم القيادة، أي السائق ورئيس القطار، بسبب عدم رؤيتهما للإشارة البرتقالية التي يتبعها أوتوماتيكيا الضوء الأحمر أي الوقوف، فإنها تريد أيضا تغطية جزء آخر من الحقيقة، فالجميع في الوسط السككي يعرف أنه من الممنوع منعا باتا تاما إرسال قطار البضائع أمام قطار للمسافرين إلا إذا كان الفرق بينهما يتجاوز 30 دقيقة.
وفي حالة حادثة الاصطدام فقطار البضائع توقف في محطة عين السبع إلا أن «عالما» من علماء مركز القيادة بالرباط أمر بذهاب نفس القطار لمحطة زناتة لكون قطار المسافرين سيتأخر عن موعد انطلاقه بعشر دقائق.
وما فات هذا «العالم» إدراكه هو أن القطار 125 ينطلق من البيضاء المسافرين ولا يتوقف لغاية الرباط أكدال. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالسبب الذي منع حدوث كارثة حقيقية فعلا هو المتعاون الذي توفي في عين المكان، والذي ضحى بنفسه في سبيل تجنب وقوع مذبحة حقيقة في حق المسافرين الأبرياء، وذلك بمسارعته لتغييره محول السكة والذي كان متجها للسكة الخاصة بقطارات البضائع.
أما السبب الثاني في عدم وقوع مجزرة في تلك الكارثة فهو نوعية القطار، إذ أن نفس الرحلة كانت تؤمن بقطار ذي طابقين من قطارات «بشكيطو» الإيطالية التي اشتراها غلاب وفاز مكتب نبيل بنعبد الله للترجمة بصفقة ترجمة دليل استعمالها من الإيطالية إلى العربية والفرنسية، إلا أن القدرة الإلهية شاءت أن يتم تغيير قطار «الكارتون» بقطار ثقيل وقوي من النوع القديم.
هذه يا سادة هي المشاكل الحقيقية والعميقة لقطاع النقل السككي بالمغرب، وهي المشاكل التي لم يفلح الوزير الوصي على القطاع الذي تنتمي إليه في حل أي واحد منها بعد مرور ثلاث سنوات على توليه هذه المسؤولية.
«وبقا مقابلني أنا وخلي الترانات يتصاطحو».
ساحة النقاش