رئيس حكومة متعاون
نسمع تصريحات بين يوم وآخر من فم مسؤولين وسياسيين بعضها يدعو لوقفة تأمل وبعضها الآخر مستفز.
البعض اعتبر أن لقاء رئيس الحكومة بطلبة ينتمون إلى حزبه في تركيا ودعوتهم للعشاء أمرا عاديا جدا، رغم أن رئيس الحكومة ذهب إلى تركيا في مهمة محددة هي تمثيل الملك في حفل تسليم السلط للرئيس التركي الجديد.
والحقيقة أن الأمر ليس عاديا تماما، فالطلبة أغلبهم أبناء قياديين في حزب العدالة والتنمية، وهم بدورهم ينتمون إلى شبيبة الحزب وإلى جمعية مقربة من الحزب الحاكم يرأسها ابن الشوباني وزير العلاقات مع البرلمان. وعليه فاللقاء شأن حزبي داخلي، ولو أن بنكيران أراد أن يقحم الملك مجددا في الموضوع لكي يغطي على هفوته الدبلوماسية، عندما أوحى إلى ملحقيه الإعلاميين أن يكتبوا أنه أوصى الطلبة بالملكية، وكأن الملكية بحاجة أن يوصي بها في كل مرة.
طيب، إذا كان لقاء بنكيران بطلبة مغاربة في تركيا عاديا، فلماذا لم يحرص سعادته على عقد لقاء مع طلبة أمريكا عندما ذهب يمثل الملك في القمة الأمريكية الإفريقية؟
ولماذا لم يلتق الطلبة المغاربة في فرنسا، على كثرتهم، عندما ذهب إلى فرنسا لكي يمثل المغرب في الاحتفال بذكرى «إنزال بروفانس»؟
هل تركيا هي الدولة الوحيدة التي يوجد بها طلبة مغاربة؟
الجواب هو أن بنكيران استغل سفره الدبلوماسي كرئيس حكومة يمثل الملك لكي يعقد لقاء حزبيا مع أفراد من شبيبة حزبه على حساب أموال دافعي الضرائب، وهو السلوك الذي سبق لوزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني أن قام به في الكويت عندما استغل وجوده في مهمة دبلوماسية لعقد لقاء مع قيادات من المعارضة الكويتية، الشيء الذي كلفه منصبه الوزاري واستدعاء السفير المغربي ابن الجنرال بناني إلى الرباط.
وعندما كشفنا قبل سنة أن شبيبة حزب العدالة والتنمية استغلت وثائق مجلس مدينة الدار البيضاء لكي تحجز لضيوف مهرجانها، اتهمونا بالكذب، وعندما نشرنا الفاكس الذي يثبت ما نشرناه أصيبوا بالخرس.
واليوم تستغل نفس الشبيبة الحزبية حافلة تابعة لمقاطعة الرباط حسان، التي يوجد بها ثمانية مستشارين للعدالة والتنمية، من أجل نقل أعضائها إلى الخمسيات لحضور حملة انتخابية سابقة لأوانها خطب فيها وزير الاتصال والكاتب العام لشبيبة الحزب الحاكم.
وحتى لا يسارعوا إلى اتهامنا بالكذب نشرنا الخبر معززا بصورة الوفد نازلا من الحافلة التي اشترتها مقاطعة حسان من أموال دافعي الضرائب.
سيقول قائل إن شبيبة العدالة والتنمية جمعية، والجمعيات من حقها الاستفادة من وسائل الجماعة، وهذا كلام مردود على أصحابه لكون شبيبة العدالة والتنمية قطاع حزبي تابع لحزب سياسي يوجد في الحكم، وليست جمعية من جمعيات المجتمع المدني التي لا تمارس السياسة.
ورب قائل إن حزب العدالة والتنمية لا يحكم ولذلك فلا داعي لانتقاده أو محاسبته، وإنما يجب البحث عن الحاكمين الحقيقيين الذين يوجدون في الظل لمحاسبتهم.
غير أن رئيس الحكومة قال بعظمة لسانه في لقائه مع الطلبة في تركيا، إنه هو من يسير الحكومة وليس الذين يوجدون في الظل، وإن كل القرارات والإجراءات التي اتخذت لم تفرض عليه وإنما هو من يتحمل مسؤوليتها.
ومن يقول التسيير يقول سلطة اتخاذ القرار وسلطة التنفيذ، أي ببساطة شديدة الحكم.
وهذا يتناقض مع ما قاله رئيس الحكومة لراديو «سوا» في واشنطن قبل أسابيع، عندما أكد أن الصلاحيات الأساسية للحكم توجد بين يدي الملك، وأن صلاحياته كرئيس حكومة محددة في الدولة. علما أن رئيس الحكومة هو الذي يحدد الميزانيات الممنوحة للجيش والقصر الملكي وسائر مؤسسات الدولة والحكومة.
نحن إذن أمام رئيس حكومة يقول في تركيا إنه هو من يسير الدولة، في حين يقول الرجل نفسه في واشنطن إنه مجرد «متعاون» مع الدولة من موقع الحكومة.
وإذا كان رئيس الحكومة يحصر سلطته في مجرد متعاون، وهو الوصف الذي أطلقه على نفسه عندما قال في البرلمان «حنا جينا غير نعاونو»، فيجب عليه أن يقبل براتب وامتيازات رئيس حكومة متعاون عوض راتب وامتيازات رئيس حكومة بصلاحيات كاملة كما أعطاه إياها الدستور.
والواقع أن رئيس الحكومة منذ ثلاث سنوات وهو لا يفعل غير تصغير وتقليص حجم مؤسسة رئاسة الحكومة التي أعطاها الدستور الجديد صلاحيات واسعة للتحرك، لم يكن يحلم الوزراء الأولون السابقون بربعها.
ولفرط تحقيره لمنصبه ووصفه لنفسه بالمتعاون، أصبح الرأي العام ينظر إليه كما لو كان «طالب معاشو» الحكومة. أي موظفا يشتغل من أجل الحصول على مرتب آخر الشهر ولا دخل له في القرارات المصيرية التي ترهن حاضر ومستقبل البلد، لأن ذلك، حسب ادعائه، لا يدخل في صلاحياته وإنما في صلاحيات الملك.
فالرجل غائب في المناسبات الكبرى والنكبات التي تصيب أبناء الشعب، وحاضر فقط في ولائم وأعراس ومسرات الأهل والعشيرة الحزبية. فلا هو واسى وزار عائلات ضحايا كارثة بوركون، ولا هو عزى وزار عائلة السككي شهيد الواجب الذي أنقذ أرواح العديد من المسافرين، مضحيا بحياته من أجل تغيير مسار القطار، ولا هو عزى وزار ضحايا فيضان تارودانت. فقط عندما يتعلق الأمر بالزرود تجد رئيس الحكومة «حاضر ناضر».
أما التصريح الذي أثار استفزاز كثيرين، فهو ذلك الذي نطق به الكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية، عندما طالب الدولة بالبحث عن طريقة لاستقبال المغاربة الذين يرغبون بالعودة إلى المغرب من جبهات القتال في صفوف «داعش»، لكونهم، حسبه، أبناءنا الذين لا يجب التفريط فيهم، هذا في الوقت الذي قررت فيه الدنمارك إسقاط الجنسية عن مواطنيها الذين يقاتلون في سوريا.
وأنا أقرأ صحيفة «إي بي سي» الإسبانية، طالعني تقرير نشرته الاثنين الماضي للخبير في شؤون الحركات الجهادية في معهد المجموعة الأوربية، خوسي ماريا جيل غاري، يكشف فيه نية أحد المغاربة المنضوين تحت لواء «داعش» العودة إلى المغرب لشن هجمات.
وقد كان رد المقاتل المغربي الشاب واضحا على سؤال الخبير، فعندما وجه له سؤالا حول رغبته في العودة إلى المغرب، أجاب أبو تنسيم المغربي «نعم أريد العودة، لكن ليس للعيش هناك بل لشن هجمات».
إلى حدود الساعة لم نسمع أن الكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية غير أو عدل أو تراجع عن موقفه الذي يطالب الدولة بفتح حوار مع هؤلاء المقاتلين الراغبين في العودة إلى المغرب من أجل احتضانهم.
قبل أربع سنوات كان مكتب محاماة وزير العدل من أكبر المدافعين عن معتقلي السلفية، وكان يطالب بالإفراج عنهم على ضمانته. وعندما أصبح وزيرا للعدل تراجع عن مواقفه وبدأ يطالب المعتقلين بتقديم ضمانات للدولة لأن ملفهم يتجاوزه، وما هي إلا شهور حتى أصبحت التنظيمات الجهادية تهدر دم الوزير وتصفه بوزير الظلم. فأصبح لا يتحرك إلا داخل سيارة مصفحة وتحت حماية أمنية مشددة.
فهل سننتظر حتى يصبح الكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية وزيرا في الحكومة المقبلة، لكي يكتشف حقيقة الأمور ويعيد النظر في مطالبته الدولة اعتبار العائدين المغاربة من «داعش» أبناءنا الوديعين الذين ضلوا الطريق ويجب احتضانهم؟
ساحة النقاش