كاتبة و صحفية
الفقر.. ذلك الخزان الانتخابي
سيظل سؤال الثروة معلقا طالما استمر الجواب على الفقر مبهما. ولعل في إلحاح الملك محمد السادس على معاودة طرح السؤال في خطاب «ثورة الملك والشعب» وإن بصيغ أخرى بداية للجواب على الأسئلة المعلقة. فنادرا ما ينظر الرؤساء والملوك إلى نصف الكأس الفارغة، خصوصا في عالمنا العربي حيث لا يغادر القادة الحكم إلا بانقلاب أو ثورة أو بنهاية الأجل.
طوال السنوات الخمس عشرة الماضية، كان سؤال آخر يطرحه كثيرون حول خلفيات تدشين الملك لمشاريع قليلة الكلفة وتركه المشاريع الكبرى مع بعض الاستثناءات لوزراء الحكومات المتعاقبة. وعكس والده الحسن الثاني، يبدو محمد السادس منحازا للفئات الأكثر فقرا وهو ما تترجمه المشاريع البسيطة في كلفتها، الكبيرة في قيمتها بالنسبة لسكان القرى النائية في تلك المناطق المصنفة ضمن المغرب غير النافع. ولو كان المسؤولون الترابيون والمنتخبون يبدون نفس الانحياز لكانت أوضاع آلاف المغاربة إن لم نقل الملايين تغيرت للأفضل.
الفقر المراد محاربته ليس مستحيلا، لكن القضاء عليه صعب بعدما أصبحت تقف وراءه عوامل سياسية، فغياب الشفافية أثر على نتائج التنمية البشرية، فيما أصبحت النخب تبدو أقرب للراعي الرسمي للفقر الذي تحول لبرنامج انتخابي بأقل تكلفة. حيث لا تزال دور الصفيح والهشاشة الحاضن الأكبر للأصوات الانتخابية، وهي بذلك تعتبر البيئة المفضلة لكثير من المنتخبين الذين يتجدد انتخابهم كما وعودهم بإزالة مظاهر البؤس. لذلك طالما ظل الفقر يشكل خزانا انتخابيا، سيتعذر على الدولة بكل آلياتها محاربته، لأن في داخلها من ينميه ليقطف ثماره. وهذه هي الثورة التي يجب خوض غمارها، حتى يتوقف المتنافسون على الأصوات الانتخابية عن التباري على البؤس الاجتماعي، والانتعاش من ظروف العيش المأساوية للمواطنين. ولو عرضنا لوعود المنتخبين على مدى الاستحقاقات التي شهدها المغرب، لذهلنا لحجمها وطبيعتها، من القضاء على مدن الصفيح وتشغيل العاطلين إلى بناء المستشفيات وشق الطرقات، لكنها وعود تتبخر، ليعود المواطنون لبؤسهم، والمنتخبون لكراسيهم الوثيرة ومشاريعهم الخاصة. وهذا واقع يتحدث عنه الجميع، لكن لا أحد يبدو قادرا على تغييره.
وإذا كان الملك انتقد عهده وأشار إلى مكامن الخلل التي أدت إلى انفراط التوازن الاجتماعي بما يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، فلا أقل من أن يقوم المسؤولون في الحكومة والبرلمان ورجال الأعمال وباقي المؤسسات بنقد ذاتي استشعارا منهم للحظة المصارحة هاته. فالمنتخبون والبرلمانيون المفترض أن يقودوا التغيير يخلطون أوراقه. وعوض التركيز على مشاكل المواطنين الذين صوتوا عليهم، يقضون ولايتهم باحثين عن منافذ للثروة أو مناصب للأبناء والأحفاد كما حدث مؤخرا في مجلس المستشارين ويحدث في مؤسسات أخرى. لهذا يستحيل القضاء على الفقر دون القضاء على العقليات التي ترعاه، خصوصا أن الفئات المحرومة هي التي تقبل عادة على صناديق الاقتراع تحت إغراءات شتى. فيما تبدو الطبقة المتوسطة والأغنياء أبعد عن الإقبال على الصناديق الزجاجية. وهذا الوقود الانتخابي الذي يغذيه الفقراء يعتبر واحدا من بين أبرز العوامل التي شجعت على الاستغلال السيئ لحاجيات المواطنين الذين تحولوا لرهينة في يد النخب السياسية المتعاقبة على إدارة الشأن المحلي.
قال الراحل الحسن الثاني يوما إنه لا يرضى أن يكون ملكا لبلد نصفه فقراء، لكن ما تلا من سياسات لم يمح تلك الصورة. وحين أعوزته إمكانات التعاطي والأوضاع الاجتماعية الأكثر استفحالا، ذهب يبحث عن الحلول في معجم الإيديولوجيات، وتحدث للمرة الأولى عن تطبيق خيار الاشتراكية، ثم قال في مناسبة أخرى إنه لو كان لديه الحق في الترشح للانتخابات، لاختار بلديات إحدى المدن، وكان يعني أن الديمقراطية المحلية يمكن أن تلعب دورا محوريا، إلا أنها كانت أشبه ببطة عرجاء أفرغتها الانتخابات المزيفة من مضمونها العملي.
وإذا كان الملوك لا يحبون أن يوصف عهدهم أو يتسم ببصمات سلبية، فإن الإصرار على نقل الواقع كما هو دون مساحيق، يشكل بداية يفترض أن تلهم أكثر من طرف سياسي واقتصادي. وطالما أن المغاربة لا يستفيدون من ثرواتهم وأن الأغنياء هم الذين يزدادون غنى على حساب الفقراء الذين يزدادون فقرا، فها قد عرف جزء من المشكل، الذي لن يكون حله سوى بوقف الغنى الفاحش حتى نوقف الفقر المدقع ويتسنى لفقراء هذا البلد أن يضعوا أقدامهم على سكة التنمية التي لا يعرفون لها طريقا.
ساحة النقاش