محمد الأشهب
كاتب و صحفي
سؤال الوحدة
وزير خارجية الجزائر رمضان العمامرة يؤرقه سؤال عن الأطراف التي تسعى إلى إضعاف بلاده، على حد تعبيره. وبدل أن يجيب عنه باستقراء موضوعي للسياسة التي تنهجها الجزائر داخليا وإقليميا، على صعيد فهمها للتحديات الأمنية، رأى أن محاولة الإضعاف هذه ستكون لها عواقب وخيمة على المنطقة برمتها.
كلام جميل لا يخلو من وجاهة، لكن الجزائر التي تنتقد العواصم الغربية في دعوتها لرعاياها بالتزام الحذر وعدم السفر إلى الجزائر إلا عند الضرورة، هي نفسها التي تردد أن حربها على الإرهاب والتطرف لازالت متواصلة، وفي الآونة الأخيرة فقط كانت مسرحا لمواجهات وأعمال عنف مصدرها استشراء الظاهرة الإرهابية التي لم يتم تجفيف منابعها بالمرة. ولا مبرر في غضون ذلك يسمح بانتقاد الآخرين الذين من حقهم تحذير رعاياهم واتخاذ الإجراءات الاحترازية، ولن تكون الجزائر أول أو آخر منطقة يشار إليها بعلامات الحظر، طالما استمرت الظاهرة الإرهابية.
إذا كان من حق الجزائر ألا تقبل أي محاولة لإضعافها في المعركة التي تقول أنها تخوضها، قبل أن تصبح الحرب على الإرهاب التزاما دوليا على خلفية هجمات سبتمبر الأسود لعام 2001، من منطلق أن ذلك قد يقود إلى التشكيك ولا يساعد في بناء الاستقرار، فلا أقل من أن يكون الالتزام الجزائري صريحا وواضحا في هذا المجال. أقربه عدم انتقاد نفس السياسة التي تمارسها في محيطها الإقليمي، بخاصة في علاقاتها المتوترة أصلا مع المغرب. فقد بذلت الجزائر أكثر ما في وسعها لاستبعاد المغرب من جهود إقليمية همت تطويق مخاطر التهديدات الأمنية القادمة من بلدان الساحل جنوب الصحراء.
الواقع أن محاولة الاستبعاد تلك، إنما تدل على عدم جدية الجزائر، لأنه في الوقت الذي يدعو فيه العالم إلى تكثيف الجهود وتنسيق العمل وتبادل الخبرات وتشديد الخناق أكثر على مشاتل التطرف والإرهاب، تعمل الجزائر وفق منطق مغاير لهذا التوجه، أي أنها تجعل الخلافات السياسية عائقا وتضيف إليها ركاما جديدا من الحواجز.
صدور تصريحات رئيس الديبلوماسية الجزائري في ختام لقاء جمعه إلى وزير خارجية مالي، يفضح التناقض القائم. وإذا كانت هناك من دولة ساهمت بجدية ومسؤولية في مواجهة أزمة مالي فهي المغرب الذي لا ينتظر ضوءا أخضر من الجزائر أو غيرها في تأكيد التزاماته الإقليمية إزاء بلدان الجوار الإفريقي. وبالتالي فإن موقف الجزائر الذي يسعى إلى استبعاد المغرب لا يختلف عن محاولات سابقة ركزت على الرهان الخاطئ في محاولة إضعاف المغرب، أكان ذلك من خلال افتعال نزاع الصحراء أو اللجوء إلى إغلاق الحدود وصرف أموال الشعب الجزائري في غير ما يعنيه.
المفارقة أن الجزائر ترى في مجرد تحذير رعايا غربيين إضعافا لها، وتعوزها سلامة الرؤية في إبصار محاولات الإضعاف التي تمارسها، خصوصا وأنها تشمل إيواء ودعم حركة مسلحة وتسخير الدبلوماسية الجزائرية للدفاع عن قضية خاسرة. ومن أجل أن تتهرب من الواقع الذي يصعب إخفاؤه تحدث الوزير العمامرة عن كون الموقف من القضية الفلسطينية هو ما جلب على بلاده التهويل، ولا أحد يدري إن كان يمزح، طالما أن ما دفعته الجزائر من خزينتها لمعاكسة الوحدة الترابية للمغرب لا يقاس بأي نسبة ضعيفة مع ما تعتبره دعما للقضية الفلسطينية. والكل يعرف أن الدبلوماسية الجزائرية لا تتحرك إلا في مواجهة الحقوق المشروعة للمغرب، وكيف لمن يعاكس الشرعية في مسألة الوحدة أن يلتزم مواقف مناصرة للقضايا العادلة للأمة العربية والإسلامية.
يقول العمامرة أن الجزائر مع القضية الفلسطينية «ظالمة أو مظلومة»، وهذا وحده كاف للدلالة على فلتة اللسان التي توجه السهام السامة إلى الفلسطينيين وهم يواجهون حرب الإبادة التي تشنها قوات العدوان الإسرائيلية. أما كلامه عن تقرير المصير، فإن الجزائر نفسها أول من يخرق مبادئه. فهل تقرير المصير يقتضي أن تعترف السلطة الجزائرية بكيان وهمي انفصالي ضد وحدة بلد مجاور؟ أفلا يشكل الاعتراف بما يدعى «الجمهورية الصحراوية» استباقا لنتائج تقرير المصير، علما أن سكان الصحراء فعلوا ذلك بكل حرية، من خلال انضمامهم إلى البلد الأصل.
محاولات إضعاف الدول ليس سياسة مقبولة، مهما كانت حدة الخلافات، لكن القوة تكمن في الوحدة وليس التجزئة، وفي التضامن وليس خلق المشاكل. فهل الجزائر تنهج سياسة نموذجية في هذا المجال؟ نخشى القول أنها لا تحصد غير ما زرعته، لكن الغريب أنها تلوك الكلام عن خيار المصالحة في ليبيا وغيرها عبر ما تزعم أنه دعوة إلى الحوار. لولا أن للمصالحة في المفهوم الجزائري أكثر من وجه. بدليل أنها لا تقبل مصالحة الصحراويين الذين تحتجزهم قسرا مع وطنهم المغرب.
ساحة النقاش