كاتبة و صحفية
بطاريات الصواريخ وخضرة بين الويدان
في الوقت الذي كان فيه المغاربة ينتظرون أن تجتمع الحكومة وتصدر بيانا يوضح لهم حقيقة المخاطر المحدقة بهم، وطبيعة الاحتياطات الاحترازية التي تم اتخاذها لضمان أمنهم، فضل رئيس الحكومة أخذ عطلة ينزوي خلالها رفقة عائلته على ضفاف سد بين الويدان، تاركا وراءه هموم السياسة وصداع الصحافة، خصوصا في هذه الفترة الحرجة التي يعيش فيها المغرب حالة استنفار في صفوف قواته المسلحة ترجمها الانتشار غير المسبوق لبطاريات الصواريخ والمنصات المنصوبة في أبرز المواقع الإستراتيجية بالمدن التي يمكن أن تشكل هدفا لعمليات انتحارية بواسطة طائرات ليبية لا يزال مصيرها مجهولا بعدما اختفت من مطار طرابلس الدولي. وقد انضافت للهواجس الداخلية، أخرى خارجية بعدما اتسع نطاق نيران القصف ليصل الحي الذي تستقر فيه الممثلة الدبلوماسية للمغرب في طرابلس، وهو ما يعني أن حياة المشتغلين في السفارة والقنصلية على حد سواء في خطر، لا يوازيه سوى التهديد الذي يتعرض له آلاف المهاجرين المغاربة العالقين هناك.
وإذا كان لا أحد يعترض على حق بنكيران في التمتع بعطلته السنوية وأخذ قسط من الراحة على غرار كل الموظفين في القطاعين العام والخاص، فإن توقيت تلك العطلة حتى وإن كان مبرمجا من قبل يظل مثيرا للاستفهام. إذ يتعذر إيجاد تفسير لتزامن العطلة الحكومية مع استنفار الجيش وتعرض الممثليات الدبلوماسية الخارجية للتهديد، خصوصا أن رؤساء الحكومات وكبار المسؤولين يقطعون عطلهم، كلما حدث طارئ، حتى وإن كان من قبيل فواجع حوادث السير أو مقتل مواطنين في انهيارات أو كوارث. والحال أن بنكيران في عطلة، بينما الجيش في حال طوارئ ومدينة تارودانت تتنفس تحت الماء بسبب الفيضانات.
ومن فرنسا التي زارها رئيس الحكومة أخيرا، صدرت توجيهات تلزم الوزراء بألا يبتعدوا عن العاصمة باريس لأكثر من ساعتين، ليس لأن الطائرات الليبية المختطفة تهدد باقتحام المجال الجوي الفرنسي، ولكن لأن الأزمة الاقتصادية والمالية تلقي بظلالها على أوضاع البلاد. ومن أمريكا التي زارها أيضا بنكيران، قطع الرئيس باراك أوباما عطلته لبحث الوضع في ليبيا والعراق وفلسطين وأوكرانيا.
ولعل بنكيران بـ«هروبه» إلى ذلك المكان الجميل الذي تحيط به الخضرة وسط جبال الأطلس المتوسط، يريد أن يتخلص من حجم الأسئلة التي لم تجد لها جوابا حتى صحيفة «التجديد» الناطقة باسم حركة التوحيد والإصلاح التي يقودها عبد الرحيم الشيخي مستشار بنكيران نفسه حول دواعي نصب بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات. خصوصا أن الصحافة الدولية حين تريد الاستفسار، تتجه مباشرة للحكومة. وحين سئل وزير الاتصال حول الموضوع، كان جوابه قاطعا بألا علم له.
لكن توقيت العطلة قد يكتسي دلالات سياسية لا علاقة لها بجمال سد بين الويدان وشلالات أوزود والخضرة المحيطة بهما، سيما إذا استحضرنا التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة والتي قال فيها إن الملك هو من يحكم وأنه ليس هناك حزب حاكم في المغرب. وإذا كان بنكيران سيغيب في ظروف استثنائية حين تواجه البلاد مخاطر محتملة، وينحاز لراحته الشخصية على حساب الانضباط إلى مقتضيات الفترة الدقيقة، فهذا يبدو أقرب للتملص من أي مسؤولية قد تفرضها تطورات الأوضاع الحالية، كما أن مثل هذا السلوك يبتعد عن التقليد الديمقراطي الذي يجعل المسؤولين أكثر التصاقا بهموم وانشغالات المواطنين.
وإذا كان بنكيران قد اختار بين الويدان للاستجمام، فإن وزيره في السكنى نبيل بن عبد الله فضل شد الرحال نحو فلسطين، حيث سيقود بعد غد السبت وفد حزبه التقدم والاشتراكية لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة وبينها قطاع غزة للتضامن مع أهله، رغم أن الوزير التقدمي لم يكلف نفسه لزيارة حي بوركون القريب في الدار البيضاء، حيث قتل ثلاثة وعشرون مواطنا بعد انهيار ثلاث عمارات دفعة واحدة. لكن التضامن مع غزة لا يكلف شيئا ولا يتطلب دفع الحساب كما هو الحال في بوركون وغيرها من الأحياء المتضررة حين يوضع الوزراء وأحزابهم أمام اختبار صناديق الاقتراع. لذلك تفضل الحكومة الابتعاد عن كل ما يذكرها بفشلها، وربما يتمنى لها بعض المغاربة بدورهم عطلة أكبر لأن مجيئها وحضورها ارتبط في الأذهان بسياسة التشقف التي تفرغ جيوب البسطاء.
ساحة النقاش