محمد الأشهب
كاتب و صحفي
مأساة المرحلين من الجزائر
تقريبا يتساوى عمر المأساة التي حلت بالمواطنين المغاربة الذين رحلوا قسرا من الجزائر مع عمر مخيمات تيندوف التي أقامتها السلطات الجزائرية لإيواء وتأطير وتسليح انفصاليي بوليساريو. الفارق في ذلك أنها طردت مواطنين كانوا يقيمون بطرق شرعية، يمارسون مهنهم وتجارتهم وحياتهم في إطار الاحترام الكامل لضوابط وقوانين الهجرة، واستوعبت آخرين، عبر اختطافهم من بيوتهم ومحلاتهم للدلالة على وجود قضية مفتعلة اسمها الصحراء.
لا مجال إذن لفك الربط بين القضيتين. من حيث التوقيت جاء القرار التعسفي بترحيل المغاربة المقيمين في الجزائر ردا على المبادرة السلمية التاريخية بتنظيم «المسيرة الخضراء» لكسر الحواجز الوهمية بين أجزاء الوطن في الجنوب، وإعادة تصحيح تاريخ الظلم الذي أصاب المنطقة، في ظل الاستعمار الإسباني للساقية الحمراء ووادي الذهب، أي أن قرار الترحيل التعسفي اتخذ منحى سياسيا واجتماعيا له علاقة مباشرة بعزم المغرب على استرداد أجزائه المغتصبة. وهذه المرة الأولى التي يرد فيه بلد مجاور بهذه الطريقة، ثم يقول أن لا مطالب له في الصحراء وأنه ليس طرفا. فهل من ليس طرفا يعمد إلى ذلك الترحيل التعسفي لعشرات الآلاف من المغاربة، من دون أن يمهلهم حتى فرصة جمع حقائبهم، علما أن الطرد تزامن وسلب كافة ممتلكاتهم والإجهاز على جميع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
في الاتجاه المعاكس لعملية الترحيل، كانت الشاحنات العسكرية الجزائرية تحمل مواطنين مغاربة من الصحراء لتزج بهم في مخيمات تيندوف، إلى جانب لاجئين من بلدان الساحل. وسمح التواطؤ الإسباني ـ الجزائري بغض الطرف عن كل الانتهاكات التي طالت سكان الأقاليم الصحراوية. وتقدم وثائق الأمم المتحدة ذات الصلة، وضمنها رسائل موجهة من المغرب إلى مسؤولي المنتظم الدولي نماذج عدة باختطاف المواطنين المغاربة والذي لم يتوقف داخل الأقاليم الجنوبية، بل شمل المناطق غير المتنازع عليها، فيما أن تقارير إسبانية وغربية تحدثت عن الصفقة الإسبانية ـ الجزائرية التي سمحت بتشكيل ما يعرف بمخيمات تيندوف.
من حيث نوعية الممارسات والانتهاكات فإنها تظل واحدة. لا فرق بين المغاربة الذين رحلوا إلى الحدود الشرقية حفاة عراة، لا يستر بعضهم إلا لباس النوم للدلالة على اقتيادهم فجأة ودون سابق إنذار، وإخوانهم المغاربة الذين اختطفوا من بيوتهم ورحلوا لتأثيث مخيمات تيندوف في ظروف إنسانية كثيرا ما استغلتها الجزائر لأهداف تتعلق بمعاكسة شرعية الحقوق المغربية الثابتة في الصحراء. وكما أن لا ذنب لهؤلاء أو أولئك سوى أنهم وجدوا في المكان الذي انصبت عليه جهود السلطات الجزائرية للحيلولة دون انطلاق المسيرة الخضراء، بخاصة في ضوء إعلان الرئيس الراحل هواري بومدين أنها تهدد أمن بلاده، لكن هذا المسعى باء بالفشل، ولا يزال المغاربة الذين رحلوا من الجزائر قسرا يقدمون الدليل الساطع على تورط الجزائر الفاضح في قضية الصحراء. تماما كما تشهد على ذلك مخيمات تيندوف التي تعتبر امتدادا لخطوة تأسيس جبهة بوليساريو التي لم تكن بعيدة عن مطلب الجزائر.
التشابه وحده لا يختزل جوانب المشكل وإنما يعمقها، وما بين الترحيل في اتجاه المغرب والاختطاف في اتجاه تيندوف تكمن مأساة أكبر تتعلق بانتهاك أوفاق حسن الجوار التي لم تصمد، لا أمام الاتفاقات المبرمة ولا أمام الروابط المشتركة في الدين واللغة ووحدة المصير. فالخلافات إن كانت مستساغة ومفهومة بين الدول، لاعتبارات تخص تباين المواقف ووجهات النظر وخلاصات التحليلات، فهي مرفوضة وغير مقبولة عند انعكاسها على حياة الشعوب.
ما فعلته الجزائر من خلال إصرارها على طرد عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة أنها أرادت تحويل الخلافات إلى قضية شعبية، لكن من منطلق واهم يتصور أن المغاربة المطرودين إن غضبوا حيال الممارسات الجزائرية، فإنهم سيصطفون ضد نظام بلادهم، وهذا تحليل خاطئ توصل الرئيس الجزائري هواري بومدين إلى قناعة تعززه، عندما أوضح أنه لو كان يتصور أن المغاربة سيصمدون في قضية الصحراء سنوات عدة، لأعاد النظر في أفكاره وتحليلاته.
في لحظات الانفراج التي شملت العلاقات المغربية ـ الجزائرية، والتي تحسب على رؤوس الأصابع في مقابل السنوات الطويلة للنفور والتأزم، اهتدى البلدان إلى تشكيل لجان ثنائية قطاعية ومتعددة للبحث في أوضاع المغاربة المطرودين تعسفا من الجزائر. كان الغرض يتمثل في حصر ممتلكاتهم التي تركوها هناك، خصوصا المسجلة بأسمائهم في العقارات والمنقولات والحسابات البنكية، غير أنه بدل الاقتصار على دراسة الحالات المعروضة التي تعززها القرائن والدلائل، انبرت الجزائر لطرح إشكاليات لا علاقة لها بالموضوع، من أجل الابتعاد عن النفاذ إلى جوهر الموضوع.
في مناسبة تزايد الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان، تشكل قضية طرد عشرات الآلاف من المواطنين المغاربة مظهرا لانتهاكات جسيمة، لا تخضع لقانون التقادم، وقد نحت تنظيمات حقوقية دولية في اتجاه ملامسة البعد الحقوقي في هذه المأساة الماثلة أمام الأعين. لكن ما العمل وأقصى ما تطاله يد الجزائر في سعيها لمعاكسة المشروعية هو الحدود، تارة تطرد المغاربة وفي أخرى تغلق الحدود.
ساحة النقاش