شهادة جندي إسرائيلي عن الحرب: لهذه الأسباب رفضتُ الذهاب للقتال في غزة؟
أجرى الحوار بيير بوشوت. ترجمة سعيد السالمي
مديابارت/ القدس ـ اسمه جلعاد، ويعيش في تل أبيب. يبلغ من العمر 32 سنة، وهو جندي احتياطي في القوات البرية الإسرائيلية. فرّ إلى هولندا يوم الثلاثاء 22 يوليو، بعد خمسة أيام من رفضه الاستجابة للاستدعاء التي تلقاه من الجيش للانضمام إلى القوات التي تقاتل الآن في غزة. وأصبح بذلك محسوباً على الذين يطلق عليهم لقب “الروفزنك”، وهي ظاهرة تنامت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة. في حال عودته إلى إسرائيل، تتهدد جلعاد عقوبة السجن لسنوات عديدة. بعد أن وافق على طلبنا للمقابلة، بعثنا له أسئلتنا عبر البريد الإلكتروني يوم الأربعاء. وإليكم إجاباته.
س/ لماذا عصيان الجيش؟
ج/ هذا قرار كنت اتخذته في وقت مبكر جداً. لقد غادرت إسرائيل خمسة أيام بعد استدعاء الجيش. خمسة أيام حاولت خلالها أن أشرح للرؤساء لماذا أرفض أن أتورط في حملة عسكرية دموية كان من الممكن تفاديها بسهولة، ومعظم ضحاياها من المدنيين. وبشكل لا يدعو للاستغراب، لم يرقهم ذلك. ليس هناك جيش يتسامح مع العصيان. أنا على استعداد للذهاب إلى السجن، ولكني أتمنى أن غيابي أثناء الحرب، في انتظار أن أقدم للمحاكمة عندما تكون الروح العسكرية، التي تميز زمن الحرب، أكثر هدوءًا، سيكون (غيابي) في نهاية المطاف في صالحي. بكل صراحة، أنا حقا لا أعرف، يمكن أن تؤول الأمور إلى العكس تماما وأُعاقَب.
س/ عندما جاء الجيش إلى بيتك لاصطحابك، كنت قد طرت إلى أوروبا عشية تعليق الشركات الدولية رحلاتها إلى تل أبيب. حدثنا عن هروبك إلى الخارج.
ج/ ليس هناك الكثير لأقوله: وصلني الإنذار للالتحاق في غضون ساعة بثكنتي ووحدتي، وسافرت في آخر رحلة قبل انتهاء المدة المحددة (ولهذا، على ما أظن، لم يوقفوني في الحدود). جاء الجيش إلى بيتي بعد ساعات قليلة، ولكني كنت قد غادرت إلى أوروبا.
س/ في أي مكان وفي أي نوع من الوحدات أجريت الخدمة العسكرية (التي تستغرق في إسرائيل ثلاث سنوات)؟ وهل سبق أن ذهبت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة؟ إذا كانت الإجابة بنعم، ما هو شعورك، وما هو التحليل الذي بقي راسخا في ذهنك بعد تلك التجربة؟
ج/ أجريت خدمتي العسكرية في الفرقة المدرّعة المتمركزة في الضفة الغربية في أوج الانتفاضة الثانية. كنت شابّا في مقتبل العمر، وكان تحليلي غير واضح بالشكل الذي هو عليه اليوم. كنت مدركا أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين كانت ظالمة، وغير مبررة، ولكنني كنت أظن وقتها ـ وحتى خلال السنوات التي تلت خدمتي العسكرية ـ أنها كانت مجرد “وقفة استراحة” مؤقتة في مسلسل السلام. كنت أظن أنه من مصلحة إسرائيل إنهاء هذا الصراع الطويل الأمد. كما كنت أظن أنه بمجرد انتهاء المخاطر الأمنية، بإمكاننا أن نعطي للفلسطينيين استقلالهم وحقوقهم. مرّت سنوات على نهاية الانتفاضة، وهي فترة تميّزت بهدوء لم يسبق له مثيل من قبل الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبما أنهم لم يحصلوا على أي شيء في المقابل، اقتنعت أن المصلحة الوحيدة لإسرائيل هي تعميق الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وزيادة القمع في حق الشعب الفلسطيني، والاجتثاث الوحشي لكل أشكال المقاومة.
س/ ما هو تحليلك للصراع الحالي؟ هل تعتقد أنه ضروري؟
ج/ إن الصراع الحالي لم يكن ضروريا على الإطلاق. كانت لدى الحكومة الإسرائيلية عدة فرص لتخفيف حدة التوتر مع “حماس″. على الرغم من أي اتفاق نهائي يبقى غير قابل للتحقيق في الوقت الحالي، فمنذ سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والوضع غير المستقر لبشار الأسد في سوريا ـ الداعمان الرئيسيان لحركة حماس ـ ضعفت هذه الحركة بشكل كبير. ضعفت إلى درجة أنها وافقت على التعاون مع حركة فتح في حكومة وحدة وطنية، وذلك بتقديم تنازلات كبيرة (بما فيها، على سبيل المثال، أنها منحت التفويض لمحمود عباس لمواصلة المفاوضات مع إسرائيل). عوض أن تغتنم إسرائيل فرصة اعتدال حماس لتعزيز صفوف أنصار السلام داخل القيادة الفلسطينية، قامت بعكس ذلك حيث انسحبت من مسلسل السلام. وهذه ليست المرة الأولى التي تتصرف فيها إسرائيل على هذا النحو.
وبشكل عام، فقد برهنت حماس أنها حركة جديرة بالثقة، حيث احترمت كل اتفاقيات إطلاق النار السابقة. وكان من الممكن توقيع اتفاقية مماثلة بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الحالية، ولكن ذلك لم يكن ليتحقق إلا لو تم دعمه بمفاوضات دبلوماسية مع محمود عباس، الذي لا يطيقه نتنياهو. إن النظام الفلسطيني على الرغم من أنه ليس ديمقراطيا، فإن بقاء القيادة الفلسطينية من عدمه رهين بالرأي العام: عندما يدرك الناس أن الانفتاح على إسرائيل يعود عليهم بالنفع، تراهم يولون ظهورهم لحركة “حماس″. وعندما لا يوجد أي أفق، يلتفون وراء “حماس″. هذه هي قراءتي للوضع بكل بساطة
س/ ما الذي يمنعك اليوم من خدمة الجيش الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص الذهاب إلى غزة؟
ج/ ما يمنعني هو الزج باسمي في ممارسات وحشية، كما حاولت أن أشرح آنفا، كان من الممكن تجنبها بسهولة. وما يزعجني هو أن السياسة الإسرائيلية الوحيدة حيال غزة هي شن الهجمات عليهم كل سنتين، دون أن توفر لهم أي بديل. إن وفاة المئات من الأبرياء أمر فظيع، خصوصا عندما نستطيع تجنبها.
س/ هل تعتبر أن ما قمت به هو قبل كل شيء عمل سياسي؟
ج/ لا، إنه قبل كل شيء عمل أخلاقي، غير أنه لا يستطيع أن يفصل عن سياقه السياسي. لستُ من دعاة السلمية وأعتقد أن الحروب في بعض الأحيان ضرورية. ولكن الحروب التي تشنّ لتعويض سياسة تهميشية، على حساب الأبرياء، حروب غير أخلاقية.
س/ هل ترى نفسك في حركة “الروفزنك”، التي تعتبر أنت أول من يدلي بشهادته خلال هذه العملية العسكرية الإسرائيلية “الجرف الصامد” ؟
ج/ لا أنتمي إلى أي حركة “روفزنك”. ما قمت به مبادرة شخصية.
س/ ما هي المآلات التي تتصورها لهذا الصراع؟ وهل تعتقد أنه يمكن تسويته مع مرور الوقت؟
ج/ ليس لدي أي فكرة. كنت أظن أن “حماس″، مثلما هو الشأن بالنسبة لإسرائيل، ستضطران لإنهاء الحرب، لكن هذا التحليل اتضح على مدى 18 يوما الماضية أنه مجانب للواقع. ومع ذلك، مهما كانت النهاية، في غياب تقدم على الجبهة الدبلوماسية، سنجد أنفسنا بسرعة أمام حرب أخرى. إن ما يزعجني أيضا هو أن تكون هذه الحملة العسكرية غير فعالة على المدى البعيد.
س/ كيف تحلّل حصيلة الضحايا الفلسطينيين، أكثر من 600 إلى حدود الساعة، و80٪ منهم من المدنيين، وفي المقابل 28 جنديا اسرائيليا وثلاثة مدنيين؟
ج/ من الواضح أنه صراع غير متكافئ. إسرائيل مجهزة بإمكانيات متطورة للدفاع والعدوان، وهو ما لا يتوفر عليه الفلسطينيون. إن “حماس″ حركة عنيدة ومتطرفة تفضل القتال على أمن شعبها؛ تعتبر ارتفاع عدد الضحايا بمثابة تضحية، والجنود القتلى بمثابة انتصار. ومن المؤسف أن إسرائيل تعطيها في نهاية المطاف ما تصبو إليه.
س/ كيف تتصوّر عودتك إلى اسرائيل؟ وما هي المخاطر التي تواجهها؟
ج/ إن ردّ فعل الجيش غير خاضع للتوقعات. فمن ناحية، يمكن أن أقدّم للمحاكمة ويصدر ضدي حكم بالسجن. ولكن قيل لي بأن الجيش يريد بشكل غير رسمي أن يعطي أقل قدر ممكن من الدعاية لظاهرة “الروفزنك”، لا سيما بالنظر إلى الصدى الذي لقته هذه الظاهرة. من المرجح أنهم يفضلون ألا يفعلوا أي شيء
ساحة النقاش