“راي اليوم”
يقرع الأوروبيون والأمريكيون طبول الحرب بقوة هذه الأيام ضد روسيا ويزيدون في الوقت نفسه من شدة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بسبب تدخلها في الأزمة الأوكرانية لصالح دعم المتمردين في الشرق، واتهامها بطرق غير مباشرة بالوقوف خلف إسقاط طائرة الركاب الماليزية.
ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا والمقرب جدا من البيت الأبيض كتب مقالا صبح الجمعة في صحيفة “نيويورك ديلي نيوز″ قال فيه إن إسقاط طائرة الركاب الماليزية يجب أن يشكل عاملا محفزا لتغيير نهج روسيا وإنهاء الصراع في أوكرانيا.
رئيس الوزراء البريطاني يتحدث هنا بكل ثقة حول إسقاط الطائرة المذكورة كما لو انه يملك الأدلة الموثقة التي تدين موسكو بالوقوف خلف هذه الجريمة التي أدت إلى مقتل ما يقرب حوالي 300 شخص.
القاعدة الأساسية في التحقيق الجنائي تقول بأن اقصر الطرق للوصول إلى مرتكب الجريمة ابحث عن المستفيد منها، ولا نعتقد أن موسكو مستفيدة من جريمة إسقاط الطائرة، ولا حتى المتمردون في شرق أوكرانيا، أو الحكومة الأوكرانية نفسها، ومعظم المراقبين يعتقدون أن “خطأ ما” حدث، وغير مقصود، أدى إلى هذه الكارثة.
في عام 1914 اتهمت النمسا صربيا بالوقوف خلف عملية اغتيال دوقها فرانز ميردناند، وأعلنت الحرب على صربيا وتورط العالم في الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها الملايين من الأبرياء، وتبين لاحقا أن هناك من كان يبحث عن الذريعة للدخول في هذه الحرب لأسباب مختلفة كليا.
وإذا كانت الجهة التي أسقطت الطائرة الماليزية ما زالت غير معروفة لان التحقيقات لم تبدأ بشكل جدي بعد، فان الجميع يعرف أن من اسقط طائرة الركاب الإيرانية فوق الخليج عام 1984 هي الولايات المتحدة، وحاولت التنصل من هذه الجريمة لأكثر من ثماني سنوات، ولكنها اضطرت للاعتراف في نهاية المطاف ودفعت 62 مليون دولار تعويضات للضحايا، فهل جرى فرض أي عقوبات على الولايات المتحدة الأمريكية من الأمم المتحدة أو غيرها؟
تدخل روسيا في الأزمة الأوكرانية أمر غير مبرر ومدان لأنه هدد ويهدد استقرار هذا البلد، ولكن الم يتدخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أيضا منذ بداية الأزمة من اجل تحريض الشعب الأوكراني للثورة والإطاحة بنظام منتخب في انتخابات حرة نزيهة؟ الم يقبل الرئيس الأوكراني السابق باتفاق توصلت إليه بعثة الاتحاد الأوروبي ورفضه الثوار في حينها وواصلوا احتجاجاتهم؟
من حقنا أن نسأل عن التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان، والدعم الغربي اللامحدود للعدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة الذي أدى حتى كتابة هذه السطور إلى سقوط أكثر من 800 شهيد وخمسة آلاف جريح والرقم في تصاعد.
الخاسر الأكبر من جريمة إسقاط الطائرة الماليزية ليس روسيا ولا أوروبا وأمريكا وإنما دولة مسلمة هي ماليزيا، تواجه شركة طيرانها أخطار الإفلاس، فهذه هي ثاني طائرة تسقط للشركة في غضون ستة أشهر، وعنصر الأمان عامل أساسي في عالم الطيران التجاري.
روسيا ليست حملا وديعا، ولكن المؤكد أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين ليسوا كذلك أيضا، وتدخلاتهم في ليبيا والعراق وسورية أدت إلى خلق دول فاشلة تحولت إلى مرتع للجماعات الإسلامية المتشددة، وزعزعة استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
التدخل الغربي في أوكرانيا أدى إلى تقسيمها وخسارة أجزاء كبيرة من أراضيها، وفجر حربا أهلية عرقية فيها وأغرقها في ديون لا تستطيع تحمل دفع إقساطها.
أوكرانيا أول ضحايا الحرب الباردة الأمريكية الروسية التي تجددت وباتت تهدد العالم بحروب صغيرة أو كبيرة أو الاثنين معا.
ساحة النقاش