وزير السعد والسعود
إذا كان مصطفى الخلفي وزير الاتصال قد صرف الميزانية المخصصة للأسفار السنوية في الستة أشهر الأولى واستحق لقب وزير «التحواص»، فإن الوزير الأكثر حظا في تاريخ الحكومات المغربية، يبقى هو أنيس بيرو الوزير المكلف بالجالية المغربية.
فبالإضافة إلى الأسفار التي يستغل سعادته بعضها لعقد اجتماعات مع مناضلي حزب الأحرار في الخارج على حساب المال العام، مثلما صنع في بلجيكا مؤخرا، فقد فعل كل ما بوسعه لكي يلحق به صديقه القديم منذ وكالة محو الأمية، وجلبه وعينه إلى جانبه كاتبا عاما، على الرغم من أن السيد الكاتب العام لم يمض على تعيينه من طرف رئيس الحكومة سوى خمسة أشهر كمدير لوكالة محو الأمية، لكي يعينه نفس رئيس الحكومة كاتبا عاما لوزارة الهجرة. فهل سمعتم بمسئول يتم تعيينه مرتين في ظرف ستة أشهر في منصب سام؟
والغريب في الأمر أن السيد المدير قبل بمنصب كاتب عام لن يربح فيه أكثر من 43 ألف درهم، بعدما كان يحصل على راتب قدره 50 ألف درهم كمدير للوكالة.وبعد أن كان يتحكم في ميزانية خاصة بوصفه آمرا بالصرف أصبح اليوم يشتغل تحت سلطة الوزير. لكن يبدو أن القرب من الصديق القديم أنيس بيرو كنز لا يقدر بثمن.
أنيس بيرو نفسه يثير مسار ترقيه الوظيفي الكثير من الأسئلة، فالرجل بدأ رئيس مصلحة في وزارة التجهيز، وبعد تكوين بسيط في فرنسا في مجال التسيير جاء لكي يشتغل في ديوان زليخة نصري عندما كانت تتحمل حقيبة التنمية الاجتماعية. وبعد ذلك انتقل إلى ديوان الزروالي وزير التعليم وبعد ذلك أصبح كاتبا عاما في وزارة الوظيفة العمومية لكي يترقى إلى منصب وزير كاتب دولة في محو الأمية، وبعدها كاتب دولة في الصناعة التقليدية والآن وزير الهجرة.
الوزير بيرو لا ينسى أصدقاءه وأهله، فقد وظف «نسيبو» أي أخ زوجته بعقد يصل إلى 20 ألف درهم في وزارته، كما وظف في ديوانه مقربة منه، وشغل ابن إحدى كاتباته في دار الصانع عند صديقه العدناني القادم من المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، التي سيكشف تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات عن مفاجآت غير سارة بشأن تدبيره لبعض ملفاتها.
هذا طبعا دون أن نتحدث عن أخت بيرو التي تدخل لصالحها لكي يشغلها سعد العلمي في وزارة الوظيفة العمومية، (طردها مبدع عندما تسلم الوزارة)، مكلفة بالدراسات مقابل تشغيل بيرو لابن العلمي في «ماروك إكسبور» على عهد بنعبد الله عندما كان بيرو وزيرا للصناعة التقليدية.
والواقع أن صداقات«بيرو» لا حدود لها، حين كان بيرو يعمل رئيسا لديوان وزير التعليم العالي ارتبط بالصداقة مع محمد بوعبيد مدير الموارد البشرية والشؤون المالية، المعروف حينها في قطاع التعليم، وحين أصبح بيرو كاتبا للدولة في الصناعة التقليدية جلب ابن عم بوعبيد، واسمه جليل بوعبيد وعينه مديرا للموارد البشرية والشؤون المالية، علما أن الرجل كان مجرد مندوب بسيط في مدينة آسفي.
وتحت رعاية أنيس بيرو تعاقد جليل بوعبيد مع شركة يسيرها ابن محمد بوعبيد لتسهر على حراسة الوزارة ونظافتها، وكلف بعض العاملين فيها بحراسة فيلا بيرو، التي كانت في منطقة معزولة قرب المكتب الوطني للماء الصالح للشرب في الرباط. وبسبب «العزلة» ركب «بيرو» كاميرات في محيط فيلته من نفس ماركة الكاميرات التي تم اقتناؤها للوزارة.
وأمام كل هذه الانشغالات التي «تطوق» عنق الوزير أنيس بيرو وتحرمه حتى من قراءة الجرائد، نتساءل كيف «يشيط» له الوقت لكي يدبر أمور وزارة مهمة كوزارة الهجرة؟
الواقع أن اهتمام الدولة بالجالية جعلها تخلق مؤسسات كثيرة لمراقبة ومتابعة هذه الصناعة المغربية الثقيلة التي تعتبر أول مدر للعملة الصعبة على خزينة الدولة. وهكذا، خرجت إلى الوجود الوزارة المكلفة بالجالية المغربية، التي من بين مهامها الأساسية وضع برامج وطنية لمرافقة المهاجرين المغاربة خلال فترة وجودهم بالمغرب، وتسهيل قضاء مهامهم الإدارية وحصولهم على قروض السكن وغير ذلك.
وإلى جانب الوزارة، نعثر على مؤسسات أخرى لديها نفس أهدافها، وتقريبا نفس برامجها، ومنها مؤسسة الحسن الثاني للمهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج، التي يترأسها عمر عزيمان الذي أسندت إليه رئاسة المجلس الأعلى للتعليم، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن التي تسيرها مستشارة الملك زليخة نصري، والمجلس الأعلى للمغاربة المقيمين في الخارج الذي يوجد على رأسه الخالد في منصبه إدريس اليزمي. دون أن ننسى، طبعا، مرصد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، التابعة لمؤسسة الحسن الثاني للمهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج.
ومن غريب الصدف أن هذه الأهداف النبيلة لهذه المؤسسة هي نفسها الأهداف التي من أجلها خرجت إلى الوجود مؤسسة الحسن الثاني للمهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، والمجلس الأعلى للمغاربة المقيمين في الخارج، ومرصد الجالية المغربية المقيمة بالخارج. فجميع هذه المؤسسات ترفع شعار تلقي شكايات ومظالم المهاجرين المغاربة وحل مشاكلهم الإدارية والقضائية.
فكيف تستطيع كل هذه المؤسسات، التي خلقت من أجل سواد عيون المهاجرين المغاربة، أن تقوم بوظائفها التي من أجلها تم تأسيسها دون أن تتداخل أو «تتصاطح» سلطها ومهامها في ما بينها؟
المغرب لديه جالية مقيمة في الخارج يصل عددها إلى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة. وهؤلاء المهاجرون منتشرون في كل قارات العالم، ويمكن أن تعثر عليهم حتى في أصغر الجمهوريات التي لا وجود لها على الخارطة. ومع ذلك، لازالت كل هذه المؤسسات التي خلقت من أجلهم تخاطبهم بالفرنسية. ففي لاوعي القائمين على هذه المؤسسات لا توجد هجرة مغربية خارج فرنسا، ولذلك نجد أن أغلبية أعضاء المجلس الأعلى للجالية هم من مهاجري فرنسا، علما أن المغاربة يوجدون أيضا بكثرة، اليوم، في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وأمريكا وكندا، والدول العربية.
مشاكل الجالية كبيرة ومعقدة، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة ومخاطر التطرف التي تتربص بأبناء المهاجرين المغاربة في بلدان الإقامة.
إن هذه المؤسسات الكثيرة التي عهدت إليها الدولة مسؤولية خدمة الجالية، مدعوة اليوم للعب دورها بكل مسؤولية لأن الظروف تغيرت، وبالتالي فالوجوه والاستراتيجيات يجب أن تتغير أيضا.
فالظروف الحالية لم تعد تسمح باستعمال مؤسسات خدمة الجالية لخدمة الأغراض الشخصية وتحويلها إلى وكالات أسفار لحضور المهرجانات وندوات الثرثرة والمسامرات الفكرية في المطاعم حول الموائد والقناني الفاخرة.
أليس كذلك مسيو بيرو؟
ساحة النقاش