كاتبة و صحفية
وزراؤنا في دولة الخلافة الإسلامية
كنا نعتقد أن لدينا وزيرا واحدا للداخلية في حكومة المملكة المغربية اسمه محمد حصاد، فإذا بالأخير يكشف لنا أن لديه سوزي سياسي في دولة الخلافة الإسلامية في بلاد الرافدين. فقد أعلن حصاد أمام مجلس النواب عن معلومات مثيرة حول مغاربة «داعش» الذين انضموا لدولة الخلافة الإسلامية التي يتزعمها أبو بكر البغدادي. وهكذا بات لدينا وزير مغربي للداخلية في دولة الخلافة يحمل اسم أمير الحدود الترابية، وهو ليس الأمير الوحيد لدى التنظيم، فهناك أيضا أمير اللجنة الإدارية والمالية على رأس وزارة المالية، وإلى جانبه وزير للعدل يطلقون عليه لقب القاضي الشرعي، كما تضم القائمة أسماء أخرى لمغاربة يحتلون مناصب عسكرية متقدمة، منها منصب أمير عسكري بمنطقة إدلب. ونال بعضهم الآخر حظوة الإشراف على محافظات بكاملها وأصبحوا ولاة ومنهم أمير منطقة جبل تركمان. ولم يغفل التنظيم حتى الشباب من المغاربة، فقد عين إلياس المجاطي ابن فتيحة المجاطي مشرفا على إعلام «داعش»، وهو ما يعني أن التنظيم يؤمن بقدرات هذا الصبي الذي ظل يقدم في صورة المختل نفسيا.
وليس هؤلاء الأمراء والولاة المغاربة سوى عينة مختارة بعناية لتقلد مناصب المسؤولية في دولة الخلافة الجديدة، فهم جزء من نحو 1112 مغربيا أغرتهم فكرة الهجرة لقتال «الكفار» في بلاد المسلمين، بينهم عشرون نفذوا عمليات انتحارية فيما لقي نحو مائتين حتفهم في أرض «الجهاد المقدس»، لكن من بين مئات المغاربة الذين انضموا طوعا لتنظيمات القاعدة في سوريا والعراق، هناك من قرر العودة إلى المغرب، وهم بعدد 128 مقاتلا استقبلتهم غرف التحقيق لتحديد أسباب عودتهم، خصوصا مع التهديدات التي كشف عنها حصاد خلال الاجتماع الحكومي الفارط، حيث قال إن بينهم من يعد لتنفيذ هجمات ضد أهداف وشخصيات مغربية.
لكن هل تكفي محاصرة المقاتلين العائدين في غرف تحقيق مظلمة لوقف موجة الهجرة نحو«بلاد الخلافة»،الأرجح أن التحقيقات لن تصد الراغبين في الالتحاق بجبهات القتال وإلا لكان مخزون القاعدة من المغاربة قد نفد. ولعل ما يؤرق أكثر ويستوجب إيجاد أجوبة هو هذا النزوح اللافت إلى جبهات القتال المشتعلة، حيث قدر حصاد عدد المغاربة الذين انضموا للتنظيمات المتشددة في كل من سوريا والعراق بما يقارب ألفي شخص تركوا أسرهم ودنياهم واختاروا الموت «في سبيل الله».
صحيح أن طرق إغواء هؤلاء كثيرة ومتعددة، والقاعدة لا تترك منفذا إلا واستغلته خصوصا مع الطفرة الرقمية التي فتحت الحدود وجعلتها مشرعة أمام «المستضعفين» الذين يسعون قبل الخلود في الجنة إلى إثبات أنهم يصلحون لشيء في الدنيا. وما تفخيخ المغاربة لأنفسهم سوى ترجمة درامية لما يمكن أن يصل إليه عنف الذات. ولو قدر لهؤلاء المقاتلين أن يتكلموا خارج التصنيفات التقليدية التي تحشرهم في الزاوية لأمكن فهم وربما استيعاب هذه الظاهرة المقلقة التي باتت تهدد البلاد والعباد. لأن التحقيق والاعتقال لن يفيد في ثنيهم عن معتقداتهم التي يجب أن تواجه بمعتقدات دينية بديلة ترجح العقل على العاطفة. وهذا دور العلماء والفقهاء والإعلام في إنارة طريق هؤلاء بدل تركهم يرحلون وكأن التخلص منهم أصبح هدفا في حد ذاته.
كنا نفخر بالمغاربة الذين استطاعوا تبوأ مناصب المسؤولية في أوروبا وغيرها من البلدان الغربية وحتى العربية، ونقتفي آثرهم لإبراز الوجه المضيء في التجربة المغربية. ولم يدر في خلدنا أنه سيأتي علينا يوم نحصي فيه مسؤولينا من الأمراء والوزراء والولاة والقضاة في دولة للخلافة الإسلامية يقدر باحثون عدد المنضوين تحت رايتها بنحو ستة آلاف في العراق وسبعة آلاف في سوريا. حتى أن وزراءنا في تنظيم «داعش» تفوقوا بتسجيلهم لأعلى مشاركة مغربية في حكومة عبر العالم.
اتصل بي قبل نحو خمس سنوات أحد المعتقلين السابقين في قاعدة غوانتنامو سائلا عن مخرج لوضعيته.كان قد قضى محكوميته في السجن بعد اعتقاله إثر عودته من القاعدة الأمريكية، وكان يبحث عن شغل ويقول أن لا أحد يثق فيه. وسأعلم فيما بعد أنه صار قياديا بارزا في تنظيم القاعدة في سوريا قبل أن يقتل هناك. إنها نهاية مأساوية لشباب ضائع فتحت لهم القاعدة الأبواب بعدما انسدت في وجوههم الآفاق.
ساحة النقاش