عبد العزيز الرماني
صحفــــــي
حاكم ظالم أم رعية سايبة ؟
من يقرأ العناوين الصحفية ليوم واحد فقط، سيتيه حتما بين أخبار الجرائم والممارسات الشاذة والغريبة عن مجتمعنا المغربي، الذي عرفناه جيدا ودرجنا على تربته منذ أن استنشقنا هواءه الجميل بعد لحظة الميلاد.
فمثلا إذا اخترنا بعضا من عناوين أول أمس (الأربعاء)، فسنجد ما يلي: «وفاة امرأتين أثناء السجود بسبب التدافع، أخ وزير سابق يهب كليته لمن يوفر له سكنا، فرار شخص مصفد على متن سيارة الشرطة، مسلحون بالسيوف يطاردون حافلة بسلا، الحرب على «التشرميل» تمنع حصول 100 جريمة قتل...».
أين اختفت إذن الأجهزة الأمنية التي تواجهنا بالوقوف بنقاط المراقبة في مداخل كل المدن والقرى، حيث يكتفي الشرطي أو الدركي بالنظر فقط إلى عيون السائقين وهو يشير إليهم بالمرور؟
لا يعقل أن تنتشر بالبلاد ظواهر إجرامية غريبة، تحول المواطنين إلى سمك السردين كي تتم «شرملتهم» بما يحلو لـ«المشرمل» ويشتهي، فرائحة الدم عنده أصبحت أقرب إلى رائحة العطر والرياحين.
إن الأمر أصبح شبيها بالفتنة «لعنها الله»، ورجال الدرك والأمن مشغولون برادارات السرعة ونقاط المراقبة بمداخل المدن، في حين تنقل الصحف يوميا عشرات الغزوات الإجرامية من داخل الأزقة والأحياء.
يبدو أن مفاتيح الأمن والتضامن الاجتماعي التي كنا نملكها ونتباهى بها أمام الأمم قد ضاعت منا اليوم، والأدهى من ذلك أننا أصبحنا نبحث عنها في الطرق السيارة ومداخل المدن.
يحكى أن رجلاً ضاع منه مفتاح في مكان ما، فأخذ يبحث عنه في كل مكان، إلى أن سأله أحدهم: هل ضاع المفتاح في هذا المكان الذي تبحث فيه؟
أجابه الرجل: لا يا سيدي، بل ضاع في مكان آخر؟
استغرب السائل وقال له على الفور: وكيف تبحث عنه هنا؟ أليس الأجدر أن تبحث عنه حيث أضعته؟
أجابه الرجل بهدوء: أعلم ذلك يا سيدي، لكن المكان الذي أضعته فيه كان مظلما، ففضلت أن أبحث عنه هنا، لأن المكان مضيء.
نعرف جميعا أن مهمة حماية الأمن الداخلي العام للبلاد كلف بها الملك الحسن الثاني شرطيا اسمه إدريس البصري، وما يؤاخذ عن المقاربة الأمنية لهذا الوزير أنه أهمل شيئا ما مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير. ولعله اكتفى بصفة «المخلص للعرش»، التي بوأته حظوة لم يسبقه إليها أحد، إلى درجة أنه انتصر على أحزاب المعارضة في الحفاظ على منصبه الوزاري أثناء تنصيب حكومة التناوب.
وسواء كان إدريس البصري حاميا للنظام والأمن الداخلي حينها أم حاميا لنفسه ومصالحه، فإن وثائق الصحافة سجلت له يوما قوله لصحفي في مجلة «جون أفريك» الفرنسية: «إن إخلاصي لملكي وضعته داخل رأسي، وأقفلت عليه بمفتاح سلمته للملك».
طبعا، لا يمكن أن يشدنا الحنين إلى مقاربة أمنية أساءت إلى صورة المغرب والتزاماته الدولية،ولكن بقدر ما نفاخر اليوم بأجواء الحرية التي بدأت ظلالها تعم البلاد، فنحن نطمح أيضا إلى استقرار أمني يعفي البلاد من العودة إلى زمن السيبة والتسيب، حين اضطر المغاربة إلى ترديد مقولة أصبحت حكمة فيما بعد: «اللهم حاكم ظالم، ولا رعية سايبة».
إن الفساد عدو كبير للاستقرار والأمن الداخليين، وما بين الفساد والخيانة شعرة رقيقة جدا قد لا يراها الحاكم أحيانا. لأن الفاسد مستعد في كل الأحوال أن يبيع وطنه، كما باع كرامته بقليل من المال أو الامتيازات غير المستحقة.
ويوم نجا الحسن الثاني من خيانة بعض أقرب الناس إليه، قرر إلغاء وزارة الدفاع، وخاطب شعبه قائلا بتأثر كبير:«إن من واجب رب الأسرة أن يكون صريحا، ولو أدت الصراحة إلى أن يبكي، لأن من أحبك أبكاك...لقد صارت القوات المسلحة الملكية التي كان يفتخر بها الشعب المغربي، هي الآن تسمع رجل الشارع وأم الشارع.. يقولون: ليس لنا ما نعمل بهذا الجيش الذي لم نعد نخاف إلا منه..وحاولت أن أصحح داخل الجيش،لكنني وجدت نفسي أمام هوة أقوى..وأمام طلاق، ربما يكون هو الطلاق الثلاث، وأرجو أن لا يكون الطلاق الثلاث بين الذين يرتدون الزي العسكري، وبين الذين يرتدون البذلة المدنية».
أثناء حرب أكتوبر لسنة 1973،قال السادات يوما للمشير أحمد إسماعيل علي، الذي كان يشغل وزيرا للحربية ورئيسا للمخابرات العامة: «لا أريد، يا عزيزي المشير، أن ينسيك العدو الخارجي عدوا آخر موجودا بالداخل لا يرحم أحدا أبدا: إنه التسيب والفتنة الداخلية».
ساحة النقاش