بشرى الردادي
صحفية
بكري.. رمضاننا كان أحلى
بكري.. رمضاننا كان أحلى.
السهرات العائلية الحميمية، التي لم تكن تحلو دون حضور الجد.
براءتنا حين كنا صغارا بما يكفي، لنتبارى في ما بيننا من سيصوم اليوم كله في يوم.. دون أن يترك نصفه إلى الغد. مراقبتنا لبعضنا من سيفطر خفية في الساعتين الأخيرتين، خصوصا إن تركت الأم المطبخ.. بعد أن تنثر من يديها الطاهرتين الطيبة في كل صحونه. النوم الذي يغالبنا ونغالبه، لكي نبقى مستيقظين إلى أن نصلي الفجر في المسجد مع الكبار. الجارات اللواتي كن يمددن الأطباق للأطفال من النوافذ.. وهن ينطقن بتلك الجملة الصادقة جدا «خذ هذه لأمك». هذه الأخيرة التي كان يستحيل أن تعود لصاحبتها فارغة، دون أن تملأ بشيء بالمقابل. بكري.. رمضاننا كان أحلى.
قلوبنا التي كانت أكبر، وأنفسنا التي كانت أرق، ومذاق الصوم الذي كان في أفواهنا أشهى، وحياتنا التي كانت أبسط وأبسط وأبسط.. حين كنا نستطعم مذاق كل شيء، ونحس بقيمة كل شيء، ولا نبخس حق أي شيء.
أما الآن، فقد صار كل شيء أي شيء.. والسلام!
نصحو متأخرين.نجمع الصلوات.. حتى يخيل إليك أنها تبكي فرحا لأنها التقت أخيرا. نقضي ما تبقى من يومنا أمام «الفايسبوك»، أو أمام القنوات الفضائية. بمناسبة الحديث عن القنوات الفضائية، أيستطيع أحدكم أن يخبرني عما يحاول المخرجون والمنتجون العرب، أن يفعلوه بنا؟
فماذا يعني مثلا، أن تجد كل هذه المسلسلات تتنافس في ما بينها، حول من سيوظف أكثر مشاهد البارات وزجاجات الخمر والسجائر وطاولات القمار والألفاظ البذيئة والأراجيل، التي يتفنون جيدا في تعليمنا كيفية تدخينها بكل الطرق المغرية، والأرجل المكشوفة التي يجب أن تتتبعها الكاميرات ببطء من تحت إلى فوق، لكي تحقق الشروط الفنية المطلوبة؟!
أعرف بأن كثيرين ممن سيقرؤون هذا الكلام، سيسألونني لماذا اهتممت بهذا الجانب فقط.. دون أن أرى النصف الممتلئ من الكأس؟ وهذا في ما يخص البرامج الدينية.
هنا، سأقول لهم ما يقوله إخواننا المصريون «يا خويا بلا وكسة! برامج دينية إيه؟ أتقصدون تلك التي يأتونك فيها.. بشاب وسيم لا يتجاوز العشرينات من عمره، يلبسونه لباسا أنيقا يجمع بين الموضة والاحتشام، يشذبون لحيته وشاربه ولسانه.. ليصير مثل أي ممثل جديد، يعرف كيف يتحرك أمام الكاميرات. يعرف متى يبتسم، ومتى يتظاهر بأنه حزين، ومتى يغمز لك..وهو يعلمك كيف تطبق الإسلام «لايت»؟! متشكرين».
أتعرفون ذلك الإحساس، الذي يتملكنا حين نكتشف لدى عودتنا إلى البيت.. بأن ذلك الذي اشترينا منه شيئا للتو، قد غشنا حين أعطاه لنا ناقصا في الوزن والجودة، فقط لأننا ظننا أنه لن يفعلها في هذا الشهر بالذات، فلم ننتبه له؟
بطريقة أخرى، وفي سياقات مغايرة.. نفعل نفس الشيء مع الله.
ساحة النقاش