كاتبة و صحفية
نحن أيضا لا نملك أجوبة
كنا نعتقد أن رئيس الحكومة مهموم بالتطورات الإقليمية التي جعلت الاتحاد الإفريقي يبحث له عن موطئ قدم في قضية الوحدة الترابية للمغرب، من خلال تعيين مبعوث خاص إلى الصحراء، أو أنه منشغل بتداعيات الأزمة المغربية- الفرنسية التي تهدد باستقطاب يتعارض ومصالح المملكة، أو أنه يدرس مخاطر إعلان «دولة الخلافة الإسلامية» من قبل أبو بكر البغدادي في أجزاء من سوريا والعراق، ومضاعفات ذلك على الاستقرار في منطقة شمال إفريقيا، خصوصا بعد مبايعة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لخليفة المسلمين الجديد.. لكن اتضح أن لرئيس الحكومة انشغالات أكبر، كشف عنها في اجتماع للجنة السلامة الطرقية، حين قال إنه لا يملك أجوبة لحوادث السير المتفاقمة، رغم أن المجتمعين كانوا ينتظرون منه تقديم اقتراحات حلول لوقف النزيف على الطرقات. لكن بنكيران استدرك قائلا «لا أجد أجوبة لأسئلة الملك حول حوادث السير».
وإذ نتفق على أن بنكيران ليس خبيرا في الطرقات ولا مهندسا في القناطر ولا طبيبا في قسم المستعجلات، لكنه من موقع مسؤولياته السياسية كان يفترض فيه أن يستعين بالخبراء الذين تعج بهم الإدارة المغربية، ليحضر للاجتماع حاملا مشروعا للتطبيق وليس أسئلة للطرح. فالرأي العام ليس بحاجة للتشخيص بقدر ما يحتاج للعلاج.
ولن نقسو إذا قلنا إن من لا يملك أجوبة حول حوادث السير، فكيف له أن يجنب البلاد وقوع حوادث أكبر. لن نتحدث عن الإجابة المفترضة لانتظارات الشارع، ولا عن تنزيل الدستور ولا عن صون الحريات والحقوق، ولا عن حماية الشهود وفاضحي الفساد، ولا عن إدانة المتهمين قبل الحكم عليهم كما حدث مع مغني الراب الحاقد،الذي أدانه الوزير المنتدب في النقل نجيب بوليف بتهمة برأته منها المحكمة. وعوض أن يبحث بوليف عن حلول لحوادث السير المميتة، ويساعد رئيس حكومته في تحسين أوضاع الطرقات المهترئة التي تزيد من مخاطر القتل، يفضل الإبحار على شبكة الإنترنت للبحث عن عمق يغرق فيه أمثال الحاقد.
النقاش حول حوادث السير على بساطته يشير إلى الخلل المزمن في رئاسة الجهاز التنفيذي، ولو لم يرفع بنكيران الراية البيضاء في وجه الفساد، ويقرر وزيره في العدل والحريات مصطفى الرميد عدم مطاردة الساحرات، لأمكن مواجهة اختلالات فوضى الطرقات بالقانون وليس بالاجتماعات الماراثونية والأسئلة التي لا يملك رئيس الحكومة أجوبة لها.
من المحزن أن نرى كيف تضعنا التصنيفات الدولية في مراتب متأخرة إن لم تكن مخجلة،إلا في أمرين اثنين نحتل فيهما الصدارة دون منازع، والصدفة وحدها جعلتنا نتبوأ المقدمة في ما يقتل وليس ما يحيي.
وهكذا أصبح تصنيف المغرب في الرتبة الأولى دوليا مقترنا بإنتاج الحشيش الذي لم تنفع كل الحملات الأمنية في وقت زراعته، حيث لا تزال أوراق القنب الهندي اليانعة تغطي مساحات شاسعة في مناطق الشمال تقدر بـ 52 ألف هكتار.
وبالإضافة إلى الحشيش،فنحن نحتل مراتب متقدمة في القتل على الطرقات، وفي هذه أيضا لم تنفع كل الحملات الأمنية والردارات المكشوفة والخفية في وقف الحرب المفتوحة التي تقتل وتعطب آلاف المغاربة سنويا.
وبعد تفكير وتدبير طويلين، اهتدت هذه الحكومة إلى إخراج إجراء من الرفوف تم وضعه قبل أربع سنوات، يتعلق بقياس نسبة الكحول لدى السائقين، والهدف محاصرة السكارى الذين يتسببون في 30 في المائة من حوادث السير..
لكن هل أفلحت كل هذه الإجراءات الزجرية في التخفيف من حرب الطرق التي تقتل سنويا نحو آلاف مغربي وتصيب بجروح ما يزيد عن 120 ألف آخرين، بينهم مصابون بإعاقات وعاهات مستديمة.
لا يبدو ذلك طالما أن وقود القتل موجود وبوفرة. فالحشيش يزرع تحت سمع وبصر الجميع، فيما بيع الكحول استلهم بشكل أفضل سياسة القرب. لذلك، فكل شيء يبدأ من التقيد بحرفية القانون، من حيازة رخص السياقة بأي ثمن إلى الغش في الطرق، وخير دليل أن الطرق السيارة ترقعها بقع إصلاحات عشوائية ولم يمض على إنشائها سوى شهور قليلة. زد على ذلك النظرة إلى العقوبات الزجرية، حيث يتم التعامل معها كمورد لإغناء الخزينة وليس كرادع لوقف حرب الطرق المشتعلة. والمحصلة أن الخزينة تمتلئ كما القبور.
ساحة النقاش