حسن البصري
صحفــــــــي
فتاوى رمضانية
لشهر رمضان في دول إفريقيا السوداء جاذبية خاصة، هناك يـمـكـنـك أن تـعـيش أجواء هذا الشهر الكريم دون أن يداهمك الجوع والعطش، بالرغم من التقلبات المناخية التي تجعلك تعيش الفصول الأربعة في يوم واحد.
في جميع رحلاتي الرمضانية إلى الأدغال الإفريقية، وقـفـت على زيف إفطار المسافر، فاللاعبون يصرون على الصيام ويعتبرونه جهادا، ضاربين عرض حائط مستودع الملابس بمواعظ رجال الإفتاء، رافضين العمل بالقول الكريم « من كان منكم على سفر »، غير مبالين بتعليمات مدربين أجانب يوصون لاعبيهم بالإفطار ويعتبرونه أساس الخطة وقوامها.
لكن المدرب البرتغالي خوصــي رومــــــاو، ذهب إلى أبعد من ذلك، فجرب يوما الصيام وعاش أجواءه ليكتشف مزاياه ويتأكد من جدواه، على غرار الراحل خوصــــي فاريا الذي دخل الإسلام عبر بوابة رمضان، وأصبح حريصا على برمجة الحصص التدريبية بعد صلاة التراويح.
عندما يهل شهر رمضان تجمع كل الفضائيات والأرضيات والإذاعات على مزايا شهر التوبة والغفران، لكن جـامـعـة الكرة ترفض إصدار عفو على المطرودين مهما بلغت توبتهم وتفاهة خطاياهم. تكتفي الجامعة بتـهـنـئة غير رسمية لعشيرة الـريـاضـيـيـن عبر موقعها الرسمي، بـيـنـمـا يشرع بعض رؤساء الفرق في تـنـظـيـم مـوائد الإفطار للفقراء وعابري السبيل، ولبعض اللاعبين الذين يعانون من سوء التغذية منذ أن أغلقت مطاعم الفرق أبوابها وأطفأت أفرانها.
يرى الراسخون في الإفــتــاء الرمضانـي أن المشاركة في الجموع العامة حرام، لأنها تحول المنخرط إلى شاهد زور يصادق على عمليات مالية لا علم له بها، وتجعله مجرد صوت انتخابي تنتهي صلاحيته بنهاية الجمع العام.
في شهر رمضان يتداول اللاعبون فتوى أطلقها رجــل ديــن إيــرانــي أجــاز من خلالهــا شرب الماء لأي لاعب صائم بعد شعوره بـ«عطش شديد»، مقدما تسهيلات كبيرة للرياضيين مصنفا ركضهم خلف الكرة بالجهاد. بينما ذهب واعـــظ سـعودي إلى أبعد من ذلك حين حرم بيع وشراء اللاعبين في هذا الشهر، مشبها سوق اللاعبين بالاتجار بالبشر، ومطالبا وكلاء اللاعبين بتبني «عقود ملائمة للشريعة».
لكن تبقى الكرة النسوية الأكثر استقطابا للفتاوى الدينية، فلا يجوز للمرأة أن تـخـوض مبـاراة يحكمها رجـل، ولا يجوز لها ركوب سيارة إسعاف إذا تعرضت لإصابة حتى لا يلمس جسدها طبيب أو ممرض، أو تتهم بالخلوة غير الشرعية مـع شخص غريب، ولا يحق للجمهور الذكوري أن يتابع مباريات النسوة من المدرجات لأن «العين تزني وزناها النظر».
قبل ساعات من انطلاق إحدى المباريات الرمضانية للمنتخب المغربي لكرة القدم، دعي اللاعبون لاجـتـمـاع طـارئ بإحدى قاعات الفندق، قرأ مسؤول إداري رسالة وصلته على بريده الإلكتروني من داعية إسلامي يأمر اللاعبين بالإفطار ويـحـذرهم من الصيام ويعتبرهم على سفر، رغم أنهم يقيمون في غرف مكيفة ويتنقلون في حافلة مكيفة وينفخون قبل الخلود للنوم في أنابيب نرجيلات مكيفة (بكسر الميم المشددة)، محشوة بمعسل حلال.
أوصى الداعية اللاعبين خيرا بالإفطار، ودعاهم إلى تسديد الدين الرمضاني بالتقسيط المريح في « الـمـيـركـاط و» الشتوي، حين تنزل درجات الحرارة إلى أدنى مستوياتها، وتتوقف الكرة عن الدوران، لكن غـالـبـيـة الـلاعـبـيـن اختاروا الصوم، وحين انهزموا مسحوا الخسارة في الملعب والجو والتحكيم والعشب ورمضان.
من كــومـاسي الغانية كتب لاعب عسكري رسالة نصية على موقع رسمي لداعية إسلامي، يسأله عن جدوى الصوم بسبب السفر في ظل رحلة مريحة وجو ممطر. انتظر اللاعب ردا مكتوبا كي يعرضه على زملائه، الذين انخرطوا في عملية إفتاء جماعي، لكن تبين أن صبيب الأنترنيت ضعيف لا يساعد على التواصل، فقال المدرب مازحا:
«إذا كان التيمم بتربة غانا جائزا، فإن الإفطار بسبب طول السفر وضعف الأنترنيت جائز أيضا».
في الجارة الشرقية الجزائر يدور جدل واسع حول صيام لاعبي المنتخب الجزائري خلال ما تبقى من أيام الـمـونـديــــال، فقد أفتى المدرب البوسني وحيد بتفادي الصيام في التداريب والمباريات، بينما أقر رئيس جمعية العلماء الـمسلمين الـجـزائـريـيـن بوجوب صيام لاعبي المنتخب الوطني لغياب الضرر، ناصحا المشجعين بعدم الإفطار لأن دعوة الصائم مستجابة. ولأن مـنـتـخبنا لم يسافر إلى البرازيل، فقد أعفى مشايخ الإفتاء في نازلة إفطار المسافر، لذا فمن كان من اللاعبين على سفر فـلـيـؤد ثـمـن التذكرة، ومن تأخر عن السفر فلا تقبل منه شكاية.
ساحة النقاش