عبد الله الدامون
فتوحات الحشيش
العدد :2415 -
هناك حقيقة فاقعة في المغرب لا يكاد ينتبه إليها أحد، رغم خـطـورتـها الـشـديـدة على البلاد، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وهي وصول أشخاص من قاع المجتمع، لم يكونوا يملكون ثمن ركوب حافلة، إلى الدرجات العلا من الـغـنـى الـفاحش، وصاروا يلعبون بالملايير.
هؤلاء الأشخاص لا يمثلون نموذجا للمجتمع لأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بالكد والاجتهاد، ولا بالدراسة وسهر الليالي، ولا بمواهب خارقة حباهم بها الله دون غيرهم، بل وصلوا لأنهم ركبوا موجة الحشيش وتاجروا فيه وفهموا لعبته وكواليسه فتحولوا إلى أشخاص فاحشي الثراء،وشيئا فشيئا صاروا أعيانا«محترمين»،وتحولت حقارتهم الطبقية إلى مجد اجتماعي، وهكذا أصبحوا نماذج يـقـتدى بها بالنسبة إلى الأجيال الصاعدة التي ترى أن الطريق السوي لا يوصل أبدا إلى الغنى، وأن الدراسة والكد والجهد مجرد خرافة.
هؤلاء « الحرافيش » لم تـتـوقـف مسيـرتهم عند الرقي المادي والاقتصادي والاجتماعي، بل قرروا أن يدخلوا السياسة، ليس من أجل خدمة الوطن والمواطنين، بل من أجل خدمة مصالحهم وحماية ثرواتهم من يوم «الحساب والعقاب»، فكان الباب الكبير الذي دخلوا منه هو الانتخابات.. وهي انتخابات يعرف جميع المغاربة مبناها ومعناها، لأنها لم تفعل، منذ كانت، ســوى إيصال الناهبين واللصوص والمنافقين وتجار المخدرات وناهبي الأراضي إلى البرلمان والمجالس المنتخبة، وهكـذا عوض أن تكون الديمقراطية نعمة على المغاربة، فإنها صارت نكبة حقيقية لأنها لم تكن سوى وسيلة لخدمة لوبيات الحشيش والفساد.
ماذا عسانا أن نقول، إذن، لمواطنين يرون تجار حشيش ومبيضي أموال وهم متكئون على أرائك البرلمان ويدافعون عن مصالح الأمة؟ إنها الغمة.. غمة ديمقراطية الحشيش.
وماذا عسانا أن نقول للناس عندما يرون عائلات بأكملها تتاجر في الحشيش وتبيض الأموال وقد صارت تتوارث مقاعد البرلمان والمناصب الوزارية والقيادات الحزبية؟
وماذا بوسعنا أن نفعل أمام تلميذ يمر يوميا أمام مقهى يملكها المهرب فــلان، وعمارة يـمـلـكـها تاجر مخدرات آخر، ومطعم فاخر يملكه مسؤول فاسد مرتبط بالمخدرات؟ هل سنقول له إن الدراسة تقود إلى ما هو أفضل من كل هذا؟
الحشيش لم يقد فقط إلى صنع أعيان ومسئولين ومنتخبين، بل خلق أيضا جيشا من الـمـومـيـسـات.. فتيات في عمر الزهور لفظن الدراسة، أو لفظتهن، وخرجن للبحث في المواخير والنوادي الليلية عن زبائن يدفعون بلا حساب، زبائن يحصلون عـلـى الملايير في العملية الواحدة والليلة الواحدة، وليست لديهم أية مشكلة في دفع كل ما تطلبه فتيات مورقات.وفي كثير من الأحيان،وفي نواد ليلية شهيرة، يتنافس بائعو المخدرات مع بائعي البخور القادمين من بلدان الخليج، وتنافـُسهم يشبه تنافس فيـَلــة، حــيــث يـكون العشب هو الضحية، وحين تتنافس الذئاب على لحوم طرية، فالنتيجة يعرفها الجميع.
الفساد المتعلق بمجال الحشيش خلق نكبة حقيقية في أوساط قطاعات عريضة أخرى، مثل قطاع الأمن والدرك والجمارك، وصار البعض يحصل على شقة وسيارة وأرصدة ضخمة في بضعة أيام، وهناك مسؤولون صاروا أكثر غنى من تجار الحشيش.
«الإنجاز»الآخر للحشيش هو أن المغرب تحول إلى طريق رئيسي لمخدر الكوكايين القادم من أمريكا اللاتينية،فقد اختارت شبكات الكوكايين طريق المغرب لأن فيه توجد طريق قوية وفعالة يعبر منها الحشيش، والطريق الذي تـعـبـره مـنـتـجات حقول كتامة هو نفسه الذي صارت تعبره منتجات حقول أمريكا الجنوبية. واليوم، صارت شـحـنـات الـحـشيش التي تغادر المغرب تختلط بكثير من شحنات الكوكايين،وهناك حكمة شائعة في مجال التهريب تقول إن المكان الذي تعبر منه إبرة بطريقة غير شرعية يمكن أن يعبره جمل... والمعنى واضح جدا.
الذين كانوا يقولون إن الحشيش المغربي عادي وطبيعي وليس مدمرا مثل باقي المخدرات، أبانوا أنهم جهلة وأغبياء حـقـيـقيون، لأن الحشيش هو الذي فتح الباب على مصراعيه لكي يتحول الكوكايين إلى «مخدر وطني»، لأن جزءا مـهما من الكوكايين العابر يبقى في المغرب ويتم ترويجه في الأسواق المحلية، والنتيجة اليوم ظاهرة في كل مكان، وتـتـجـسـد فــي هذا الجيش العرمرم من المدمنين، حيث إن ظاهرة الإدمان لم تعد اليوم معزولة في المجتمع، ففي كل بيتٍ مغربيٍّ، تقريبا، مدمنُ مخدراتٍ، إن لم يكن على الحشيش فعلى الأقراص المهلوسة، وإن لم يكن على الكوكايين فعلى الهيروين.. إنها كارثة حقيقية.
الحشيش، بملاييره و»فتوحاته» في كل المجالات، نكبة... نكبة بكل الـمـقـايـيـــس.
ساحة النقاش