الشهر اللي ما نشد كراه
يعيش المغرب فترة معقدة وحساسة ستفضي بعد أشهر إلى انتخابات جماعية ستعطي مفاتيح أولية لقراءة خريطة الانتخابات التشريعية لسنة 2017.
لذلك فكل واحد يستعمل الأسلحة التي في يده، بنكيران يهدد بقلب الطاولة إذا شعر بأن الانتخابات ستكون مزورة، ويصنع ذلك على لسان حامي الدين مكلف بوظيفة «حامي السوق». شباط يهدد بالتحالف مع العدالة والتنمية ويشهر أسلحته في وجه «البام» الذي يريد أن يقصي الاستقلال من مضمار السباق الانتخابي، ويذهب إلى حد مقاطعة الانتخابات. وكذلك يصنع إدريس لشكر الذي وضع «الاتحاد» في جيبه.
الداخلية من جهتها واستعدادا للانتخابات أصدرت مرسوما جديدا ينص على رفع يد رؤساء الجماعات عن الموظفين المرتبين في سلك المتصرفين ووضعهم تحت سلطة الوالي مباشرة، مما يعني حرمان رؤساء الجماعات من التحكم بصفة مباشرة في فئة مهمة من الموظفين يقدرون بأكثر من عشرة آلاف متصرف، يتقاضون رواتبهم من صندوق الجماعة وليس من الوزارة، وهي رواتب تبقى أقل بالنظر إلى سلالمهم، كما يمنح المرسوم الولاة سلطة تنقيل هؤلاء المتصرفين للعمل في أي مدينة في المغرب.
وبما أن الشيوخ والمقدمين هم الفئة التي تكون على اتصال مباشر بالناخبين نظرا إلى طبيعة عملهم المرتكز على القرب من المواطنين وجمع المعلومات عنهم وقضاء أغراضهم الإدارية فإن الجميع يطلب ودهم. والحقيقة أن مطالبهم مشروعة، فهم يوجدون في أسفل السلم علما أن عمل القياد والاستعلامات العامة يعتمد بشكل كبير على معلومات المقدمين والعريفات بالنسبة إلى النساء.
ووضعية المقدمين والشيوخ المتردية إداريا لا تختلف كثيرا عن وضعية عمال الإنعاش الوطني الذين يتجاوز عددهم 44 ألف مستخدم موزعين على مختلف الإدارات العمومية كالمقاطعات وولايات وعمالات الأقاليم ومستشفيات ومندوبيات الإنعاش وبعض الأوراش الموزعة عبر التراب الوطني.
هذه الفئة محرومة من أبسط حقوقها كالحد الأدنى للأجور والتقاعد والإجازة السنوية وما إلى ذلك من الحقوق العمالية المتعارف عليها دوليا، والتي وقع عليها المغرب.
ولذلك نفهم لماذا دعا فريق العدالة والتنمية في البرلمان وزير الداخلية إلى عقد اجتماع للجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة من أجل مناقشة الوضعية المادية لهذه الفئة.
فالحزب الحاكم يريد أن يعطي الانطباع بأنه يدافع عن مصالح الشيوخ والمقدمين، في وقت يعرف الجميع أن الداخلية خصصت 84 مليارا لتغطية أجور هذه الفئة من أعوانها.
ويبدو أن وضعية المقدمين والشيوخ والعريفات بدأت تعرف احتقانا خصوصا بعد الوقفة الاحتجاجية التي نظمت أمام مقر وزارة الداخلية يوم الأحد 25/05/2014 حيث تم استدراج المحتجين من طرف رئيس قسم الشؤون الداخلية بعمالة الرباط إلى مكتبه واستمع إلى مطالبهم ووعدهم برفعها إلى الدوائر المسؤولة بوزارة الداخلية، غير أنهم فوجئوا في اليوم الموالي بقرارات عزلهم لأسباب اعتبروها واهية كاتهامهم بإغلاق هواتفهم النقالة ومغادرتهم مقرات عملهم.
وأحد الذين لا يحملون فئة المقدمين في قلوبهم هو رئيس قسم الشؤون الداخلية بعمالة الرباط، رغم أنه لا يتوانى في استغلال أعوان السلطة ومستخدمي الإنعاش الوطني لقضاء مصالحه الشخصية. فهو يشغل عون سلطة كسائق لأطفاله بسيارة الدولة متناسيا أن مهمة العون المذكور تتمثل في خدمة مصالح المواطنين وليس مصالحه الشخصية. كما يشغل بمنزله عون إنعاش كسائق لاقتناء حاجيات المنزل، وقد اختار اللجوء إلى خدمات هؤلاء الأعوان لكون السائقين العاملين بالعمالة رفضوا الاشتغال معه نظرا لتسخيرهم في قضاء مصالحه الشخصية خارج مدينة الرباط وخاصة بالعرائش التي يتوفر فيها على عقارات وأملاك توفرت له حين كان يعمل هناك، وهذه حكاية أخرى.
دون أن ننسى إحدى العريفات التي تشتغل لديه كطباخة. وللإشارة فأحد المقدمين الذين شغلهم في البداية كمقدم قروي بالتحاقه للعمل بمنزل الرئيس تمت ترقيته إلى مقدم حضري مما أثار السخط لدى باقي الأعوان ودفع بمقدم قروي إلى تقديم استقالته .
والذين يعرفون رئيس قسم الشؤون الداخلية بعمالة الرباط يعرفون أنه آخر من يحق له التحدث عن مغادرة المقدمين لمقرات عملهم قبل الوقت، ببساطة لأن سعادته يتستر على زوجته الموظفة الشبح التي ظلت مختبئة مدة سبع سنوات منذ التحاق زوجها بمدينة الرباط قادما من العرائش، ولم تظهر إلا خلال التحاق الوالي الجديد بالرباط حيث التحقت بمصلحة المعلوميات لمدة أسبوع لتتوارى بعد ذلك عن الأنظار من جديد.
والغريب في الأمر أن نفس الواقع يسري على زوجة مستشاره خليفة قائد رئيس مصلحة الانتخابات الذي تستفيد زوجته من نفس الغياب والتي لم تظهر هي الأخرى إلا خلال نفس التاريخ وبنفس المصلحة، ولعله من مكر الصدف أن يكون هذا الأخير واحدا من ضمن أعضاء المجلس التأديبي الذي اتخذ قرار عزل أعوان السلطة المحتجين.
الفريق البرلماني للعدالة والتنمية يعرف هذه التفاصيل، ولذلك قام باستدعاء وزير الداخلية إلى البرلمان لمناقشة وضعية هؤلاء الأعوان لاستغلال الأمر كورقة انتخابية، ولذلك على الداخلية أن تصلح بيتها الداخلي عوض أن تفسح المجال أمام الاستغلال السياسي لأعطابها.
فالجميع يعد العدة لهذه الانتخابات المقبلة، كل حسب طاقته. ولعل عملية «تسخين الزيت» التي تكلف بها بنكيران والعثماني في حملتهما الانتخابية السابقة لأوانها، خصوصا التشكيك في نزاهة هذه الانتخابات والتلويح بسيناريو 2009، تدل على أن الحزب الحاكم يريد إحداث الصدمة منذ الآن لاستباق نتائج الانتخابات الجماعية التي يعرف بداهة أنه لن يحتل فيها المراتب الأولى. ولذلك بادر من تلقاء نفسه، ودون أن تفرض عليه الداخلية ذلك كما حدث في السابق، إلى تقليص مشاركته في هذه الانتخابات. وفي الوقت ذاته سارع رئيس الحكومة إلى الإعلان عن قرب توزيع «الشيكات» على الأرامل، وهي نفس الحدوثة التي سبق له أن روجها قبل سنتين عندما وعد بصرف شيكات للمعوزين بعد حذف صندوق المقاصة.
ولذلك يظهر جليا أن كل القرارات والخطوات التي يتخذها رئيس الحكومة تسير في اتجاه إعداد حزبه للانتخابات المقبلة، ولعل السبب وراء تقليص مشاركة أقوى حزب في المغرب في هذه الانتخابات ليس هو التعفف عن تحمل مسؤولية التسيير الجماعي في بعض مناطق المغرب، وإنما معرفة أدمغة الحزب باستحالة الفوز في هذه المناطق. ولتجنب مجابهة أرقام الفشل الانتخابي التي قد يستغلها الخصوم للتدليل على تراجع شعبية الحزب الحاكم تم اتخاذ قرار تقليص المشاركة في المناطق الميئوس من الفوز بها، عملا بالحكمة المغربية التي تقول «الشهر اللي ما نشد كراه ما عليا بحسابو».
ساحة النقاش