كاتبة و صحفية
أحن إلى خبز أمي
من منا لا يحن إلى خبز أمه، ومن منا لم يرأف لحالها للساعات الطوال التي تقضيها في المطبخ لسد الأفواه الجائعة في بيوت لا تتسع غرفها لعدد ساكنيها؟في هذا الزمن الرديء الذي عصفت فيه العولمة بأشياء جميلة كانت تؤثث حياتنا وتجمع أفراد الأسرة على بساطة كأس شاي وحلويات طبخت للتو، ولم تأت في العلب المجمدة التي تفقدها الرائحة والطعم، تساوى الرجال والنساء في ذلك الحنين الجارف لرغيف الأم،وطبخاتها التي تحمل لمسة خاصة لا تضاهيها لمسات أكبر الطهاة ولا وجبات أفخم المطاعم.
ولعل جيلا كاملا يكبر وقد فتح عينيه على مطاعم الوجبات السريعة،حتى تحولت لديه إلى تقليد لن يشعر بثقله ولا بآثاره الناسفة، طالما لم يجرب دفء مطبخ الأم الهائمة على وجهها في متاهة العمل والمواعد اللامتناهية. وحتى العودة للبيت مساء لا تشكل موعدا للالتفاف حول وجبة عشاء تعدها تحت النظرات المتلهفة للأبناء. فالأم منهكة والأطفال منشغلون بلعبهم الإلكترونية وهواتفهم الذكية التي تكبرهم بأعوام، فيما الأب هارب لفضاءات الليل لالتقاط الأنفاس من زحمة العمل والمتطلبات.
لذلك فما قاله رئيس الحكومة حول غياب الأنوار في بيوت الموظفات،ليس بعيدا عن الحقيقة. فهناك بالفعل أطفال يقضون ساعات في انتظار مجيء من يسبق من الأم أو الأب. وقد شهدت بيوت مآسي بسبب هذا الغياب الاضطراري، منها حوادث اغتصاب وزنا محارم وقتل يقتات مقترفوها بدورهم من العولمة.
لكن هل يعني ذلك أن تتوقف المرأة عن العمل استجابة لاختيار شخصي عبر عنه بنكيران أمام البرلمان؟ حين قال إن عمل المرأة وعودتها للبيت في ساعة متأخرة «يفرض على الأولاد صغار السن تدبر أمورهم بأنفسهم اعتمادا على إمكاناتهم الذاتية»، لأن أنوار الأم قد تنطفئ فجأة ودون سابق إعلام.
ولو كان رئيس الحكومة جادا في ما ذهب إليه لتوجه بطلب الجلوس في البيت إلى زوجته أولا، ثم وزيراته وموظفات حزبه في المؤسسات العمومية.ربما كان سيجد بذلك حلا لآلاف العاطلين الذين يتلقون الهراوات أكثر من وعود الشغل. لكن بنكيران لا يريد قراءة الواقع وإنما دغدغة مشاعر كثيرين، خصوصا الرجال الذين يعتقدون أن عمل المرأة سد في وجوههم أفق العمل.
أريد أن أحكي لبنكيران حالة مغربية لا تشكل استثناء، علها تنير له خطبه حول المرأة. فقد توجهت هذه الشابة لفرنسا لإكمال دراستها الجامعية وتزوجت هناك مما أثمر ثلاثة أطفال، لكن الزوج سيلقى حتفه في حادثة سير مروعة ولم يكمل الثلاثين عاما، لتجد نفسها بين عشية وضحاها في مواجهة تعقيدات إعالة ثلاثة أطفال.لكن بفضل تعليمها،استطاعت إنقاذ أولادها الذين تخرجوا من أكبر المدارس الفرنسية، وهي تهنأ الآن بتقاعدها محفوفة بأحفادها.
قالت لي تلك السيدة وهي في عقدها السابع، إن وصايا والدها انتشلتها من مصير مجهول، لأنه كان مصرا على تعليمها وأشقائها الثمانية، «وكان يردد دائما على مسامعنا تعلموا حتى لا تتحولوا إلى عالة على المجتمع، تعلموا حتى لا تضطروا إلى طلب دراهم معدودة من أزواجكم للذهاب للحمام».
التعليم أخرج العائلة بكامل أفرادها من ظلمات الجهل والحاجة إلى أنوار العلم والمعرفة. وهذه هي الأنوار التي يجب أن يدافع عنها رئيس الحكومة. فتعلم المرأة ينير الطريق للمجتمعات ولا يطبق عليها مثلما تفعل عتمة الجهل. وفي الأرقام خير دليل، فالأمهات الأميات الفقيرات هن أكثر من يخرج لنا خادمات يكون مصيرهن قاتما، إن لم يكن عبر الكي والاغتصاب فعبر القتل. والأسر المعدومة التي لا مداخيل لديها يكثر فيها العنف والتسلط ويعيث فيها بعض الأزواج فسادا في أجساد زوجاتهن. هذا إذا لم يرسلها للعمل في البيوت أو لممارسة البغاء. أعرف نماذج مماثلة أقربها إلى ذهني الآن سيدة اضطرت للعمل في البيوت، حتى يشتري زوجها حشيشا يرفع به مزاجه ويديه على من تطعمه من عرق جبينها.
لذلك، فمهمتك، سيد بنكيران، هي إيجاد بدائل تقي النساء العنف بكل أشكاله المادية والاجتماعية والنفسية. ولو لم تكن النساء تعملن لتعذر عليك استيعاب غضب الشارع. فكم من عاطل لا تزال تعيله أمه بانتظار أن تفرج الحكومة عن خطط واقعية لتشغيل الشباب العاطل، عوض تقديم دروس في الأخلاق والتربية، فهي لن تدخل قرشا للجيوب المنهكة.
ساحة النقاش