حسن البصري
صحفي
التطبيع مقابل العشاء
في الوقت الذي طالب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بمقاطعة أحد أنواع الياغورت، وألح على مصالحة المغاربــــة مــــــــع «الشكوة» وإنتاج مشتقات الحليب التقليدية، أوصت توصيات سابقة لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، بمقاطعة الأمتعة الرياضية لشركة تحمل أغلب المنتخبات العربية «ماركتها» المسجلة، لأنها كانت الراعي الرسمي لماراطون أقيم في تل أبـيــب. ولأن هذا الراعي الألماني الجنسية كان موضوع شكاية من الفلسـطـيـنـيـيـن، فقد تقــرر ضـم بضاعـتـه إلى قائمة البضائع التي تستوجب المقاطعة.
لم يطالب أي وزير عربي بنقطة نظام ليشرح بهدوء عمق الإشكالية وصعـوبـة تـنـفيذها، في ظل عقود سارية المفعول، وكانت الموافقة بالإجماع لأن التوصيات النهائية جاهزة قبل انطلاق أشغال المؤتمر بأيام.
المنتخب المغربي لكرة القدم معني بالقرار، لأن جامعة الكرة تقتني ألبستها من لشركة ذاتها المتهمة برعاية عدائين إسرائيليين، رغم ذلك ظل علي الفاسي الفهري يتعامل مع الممون الرسمي المكلف بكسوة اللاعبين والمدربين بشكل «طبيعي»، وحين جـــاء فوزي لقجع تعامل مع الشركة نفسها المحظورة عربيا، وقرر التطبيع معها في غياب قرار ملزم.
لا يمكن أخذ الـتـوصـيات الصادرة عن مجالـس الوزراء العـرب مأخذ جد، فالمؤتـمـر الأخير المـنعـقـد في شرم الشيخ كان شعاره «رياضة وسياحة»، إذ استمتع وزراؤنا على مدار أسبوع بسحر المكان فتعطلت حاسة المناقشة ونابت السبابة عن الكلام، وكان الصمت علامة الرضى والموافقة على الاستضافة طبعا، قبل أن يرفعـوا الجلسة ويهرولوا نحو غـرفهم لاستكمال حلقات مسلسل «وادي الذئاب».
في مؤتمر بيروت تحمس لبنان وأعلن نفسه منظما للدورة العربية، وتحدث وزيره عن دور الرياضة في إصلاح ما أفسده عطـار السياسة. وحين جاء وزير آخر إلى شرم الشيخ معتذرا عن استضافة بيروت للدورة، كان وزير الرياضة المغربي محمد أوزين جاهزا لإنقاذ الإجماع العربي، ولسان حاله يقول «اللي ثقالت عليكم خفافت علينا»،وسط عاصفة من التصفيق أفسدت على بعض الوزراء غفوتهم اللذيذة. قبل أن ينفض الاجتماع بتوصيات مستنسخة عن اجتماع سابق، مع تحيينها بتهنئة عبد العزيز بوتفليقة على استمراره في كرسي الحكم المتحرك لولاية أخرى، في ما يشبه التطبيع الدائم مع السلطة.
لم يقاطع المغرب الشركة الراعية لكسوة «أسود الأطلس»،بل كرس التطبيع مع شركة وضعت في قائمة الممنوعين من الصرف، بطلب من وزير الرياضة الفلسطيني الذي كان يرتدي في خلوته بذلة رياضية لشركة الأمتعة الرياضية ذاتها،بل إن منتخبنا توصل ببذل وأقمصة زرقاء اللون،لا تختلف عن ألبسة المنتخب الإسرائيلي إلا بشعار جامعة الكرة،في ما يشبه الإجهاز على الأحمر والأخضر لوني سيادة «منبت الأحرار ومشرق الأنوار».
بالأمس رفض الكوكب المراكشي المشاركة في دوري دولي لفئة الصغار، بعد أن علم بوجود فريق إسرائيلي ضمن لائحة المدعوين، رافضا التطبيع الكروي المفضي إلى التطويع. وقبل شهر حبس ترشيح المدرب الهولندي أدفوكات، لمنصب ناخب وطنــي، أنفاس الشعب المغربي لأن الرجل لا يتردد في دعم الكيان الإسرائيلي ولا يجد إحراجا في إقامة معسكر بتل أبيب.
لكن كثيرا من الرياضيين المغاربة يضعون على جداريات حساباتهم «الفـايـسـبـوكية» صورهم في إسرائيل، ويكتبون تعليقات من حبر السلام السري، بل إن يونس العيناوي الذي عمل مستشارا لوزير الشباب والرياضة السابق منصف بلخياط، لم يتردد في قبـول دعوة اتحاد التنس الإسرائيلي وأشرف على تدريب منتخب هذا البلد، وعلمهم فنون التنس رغم أن ساسة إسرائيل يتعاملون مـــع العرب ككرة المضرب.
إلى جانب العيناوي زار كثير من أبطال الرياضة المغربية هذا البلد، ومنهم من وضع على رأسه شاشية ووقف حزينا أمام حائـــط المبكى يذرف دموعا على السلام، بل إن كثيرا من الصحافيين الرياضيين زاروا إسرائيل واعـتـقدوا أن وجودهم في القدس نضال لا تطبيع، مقابل رفض كثير من اللاعبين المغاربة مرافقة أنديتهم إلى أرض النتن ياهو.
إلا أنه، وبفضل الشبكة العنكبوتية، يدخل الكثيرون إسرائيل ويغادرونها دون تأشيرة سفر، ومنهم من تحول إلى «هاكر» يحارب ضد التطبيع عن بعد، في زمن أصبحت فيه إسرائيل كالحج لمن استطاع إليه سبيلا.
ساحة النقاش