جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
فلاش بريس
إقبال إلهامي
كاتبة و صحفية
وزراء البيصارة والحصيرة
من الآن وحتى تنظيم الانتخابات الجماعية الصيف المقبل، سيبدع الوزراء في نشر صور فريدة تحاول أن تظهرهم أقرب إلـــــــى الشعب، بعدما استشعروا مخاطر القرارات القاسية التي اتخذتها الحكومة لناحية الرفع من الأسعار وتجميد الأجور. وهكذا ظهــــر وزير الخارجية السابق ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الحاكم، النفساني سعد الدين العثماني وهو يأكل البيصارة مشبعة بزيت الزيتون في منطقة تاونات، حاله حال الوزير المكلف بالاقتصاد والمالية «الكيماوي» إدريس الأزمي.
لكن المشكل في الصورة المتداولة للوزيرين أنها أغفلت بعض التفاصيل التي خدشت «براءة» اللحظة وعفويتها. فقد زينت مائدة الغذاء التي كان من المفترض أن تظهر بساطة الوزراء، بصحون محترمة عليها شوكات وملاعق وسكاكين لا نظن أن أكل البيصارة يتطلب وجودها، مما يعني أن طلبها جاء على مقاس التصوير في انتظار الوجبة الرئيسية التي تتطلبها كل تلك العدة الفضية.
وعدا عن تلك التفاصيل الصغيرة التي أغفلتها الكاميرا، يبقى اللافت أن محاولة التقرب من الشعب واستمالة مشاعــــره يختصره بعض وزرائنا إما في أكل البيصارة أو الجلوس على الحصيرة، كما فعل سابقا وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومــــــــة مصطفى الخلفي. رغم أن المدمنين على البيصارة، وهنا نتحدث عن المجبرين وليس المخيرين الذين يزينون بها موائدهم، مـــن حين لآخر، كانوا يمنون النفس بأن تحسن هذه الحكومة أوضاعهم ليستطيعوا تغيير برنامجهم الغذائي اليومي حتى لا يظل مقتصرا على تلك الأكلة الشعبية التي تتطلب معدة فولاذية لالتهامها يوميا بالنسبة للمنهكة جيوبهم. ونفس الوضع ينطبق على المغاربـــة الذين لا يملكون غير الحصيرة في بيوتهم،فهم أيضا يحلمون بتغيير حياتهم نحو الأفضل،بالانتقال على الأقل من الحصيرة اليدوية الخشنة للحصيرة البلاستيكية اللينة.
ويبدو أن الخوف من ردة فعل الناخبين أمام صناديق الاقتراع أربك الجميع، أغلبية ومعارضة. لذلك انطلقت حملات انتخابية سابقة لأوانها، ليس المواطن وحده المستهدف منها وإنما الأحزاب نفسها. وقد لاحظنا كيف أن الأطراف السياسية الأكثر تنافرا تتبادل الرسائل. حيث بدأ حزب الاستقلال يغازل حزب العدالة والتنمية رغم الخصومة المعلنة بين زعيمي الحزبين حميد شباط وعبد الإله بن كيران. ولأن الحزب الحاكم حدد موقفه من حزب الأصالة والمعاصرة، متوقعا حله ومتوعدا بفضحه، فقد سار فجأة في ركبه حزب الاستقلال عازفا على نفس النغمة. وهكذا يتضح أن خصم المرحلة المقبلة بات هو حزب الجرار بالنسبة للأغلبية والمعارضة على حد سواء. وهذا مؤشر على حدة المعركة الانتخابية التي ستشحد لها السيوف سعيا وراء نيل ثقة الناخب.
ولأجل ذلك، نتابع اليوم بروفات مصغرة لحشد التأييد يتزعمها وزراء،وتركز جميعها على فقر المواطن وجهله.فهناك من يتظاهر بقربه إلى الطبقات المسحوقة حتى أنه جعل من هذا التصرف برنامجا انتخابيا. وهناك من يكثر من النصيحة وإبداء العفة حيــــال «وسخ الدنيا»، وهناك من تذكر أن هناك «منكرا في التلفزيون» وجب تغييره،كما أن هناك من سيعود لدائرته الانتخابية أو يبحث عن دائرة بديلة ليشارك الناس في أفراحهم وأحزانهم بعد غيبة طويلة. لكن المشكل أن الناخبين سئموا من الوعود وزيف التـودد ويريدون ممن يصوتون عليهم أن يغيروا حياتهم نحو الأفضل وأن يلمسوا ذلك التغيير وليس الوعد به.
لذلك، فمحاولة التظاهر بالبساطة للتقرب من الشعب ليست حلا، حتى لو أدمن الوزراء على شرب البيصارة وافتراش الحصيرة. ببساطة لأن أكل البيصارة فوق الحصيرة لا يشكل برنامجا انتخابيا، وقد يكون الأمر أقرب للاحتيال على الفقراء بمحاولة إيهامهم أن حالهم أقرب لحال الوزراء. مع فارق أن من يداوم على أكل البيصارة وافتراش الحصيرة لا يتسلم راتبا شهريا يناهز خمسة ملايين سنتيم. والراجح أن بعض الوزراء ممن ظهرت عليهم بوادر النعمة يرغبون في إخفائها عبر تسويق صور نمطية لإيهام الناخبين أنهم ما تغيروا ولا تبدلوا تبديلا .لكن هل يستطيع هؤلاء الوزراء ترجمة بساطتهم بالتبرع برواتبهم لآكلي البيصـــــارة ومفترشي الحصاير الحقيقيين.
لهؤلاء نقول إنه مضى زمن كان فيه بعض الوزراء يركنون سياراتهم الفارهة ويركبون «الإير 4» للإيهام بأنهم من قبيلـــــــــة الفقراء. لولا أن العبرة ليست بتقمص شخصيات فقيرة، بل بوضع وتنفيذ سياسات وبرامج تحارب الفقر والتهميش والفـــــوارق الشاسعة بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون إلا رحمة الله الواسعة.
ساحة النقاش