كاتبة و صحفية
لا يغرنكم هدوء الشارع
لم يكن هناك لا أهدأ ولا أسكن من الشارع التونسي قبل أن تفاجئ الثورة حتى المنتفضين، الذين لم يتخيلوا أن يؤدي احتجاجهم المحدود على انتحار الشاب محمد البوعزيزي بمنطقة سيدي بوزيد، إلى جعل الرئيس زين العابدين بن علي يطير هاربا باتجـاه السعودية. ولا كان هناك شارع مغيب عن الوعي أكثر من الشارع الليبي، حيث لا صوت كان يعلو فوق صوت القائد معمــــــر القذافي، الذي جعلته الثورة مضرجا في دمائه قبل أن يرحمه الموت من أيدي مسلحين هائجين.
لذلك لا يغرنكم هدوء الشارع في المغرب، فليس ذلك مؤشرا تتكئ عليه الحكومة لإثقال كاهل الشعب بإقرار موجة من الزيادات غير المسبوقة، والتي لم تسلم منها أية مادة استهلاكية لا في البر ولا في البحر، ولا حتى في الجو، بعدما وصلت حرارة الرفع من الأسعار إلى الأسلاك الكهربائية المعلقة في الهواء. فصبر المغاربة قد ينفذ في أية لحظة، والجمر الذي ينفخ فيه رئيــــس الحكومة قد يشتعل فعلا، لكن لن يطلب حاملوه بمحاربة الفساد والاستبداد، وإنما برغيف الخبز أولا.
وإذا كان المغاربة أبدوا صبرا جميلا حيال الزيادات الأولى، فلم يكن من داع لغــرز السكين في المعصـــم كما يقال «راه الموس وصلات نيت العظم»٬ فصمتهم لا يجب أن يفهم ضعفا تستفيد منه الحكومة لسن زيادات إضافية لم يعد في مقدورهم مواجهتها، بغير الاستدانة التي خربت بيـوتا ودمرت عائلات. وها هو صيف ساخن جدا ينتظرهم ستلهـب حرارتـه الجيـــوب. فبعد الحليب والعصائر والأجبان، أتى الدور على اللحوم البيضاء والحمراء والأسماك، لتنهي الحكومة الحلقة بالماء والكهرباء.
وبالنسبة إلى محمد الوفا، وزير الشؤون العامة والحكامة، فإنه لا خيار أمامنا، فإما الاستسلام للفواتير المرتفعــة للكهرباء أو العيش في الظلام. مع أن الظلام الحقيقي الذي يهدد البلاد برمتها هو ثقل المديونية التي ستتركها هذه الحكومة، ورهن مستقبل العباد في فوائد تلك الديون.
ومع أن رئيس الحكومة يحب الوضوح والمكاشفة، إلى أنه لم يخبر الرأي العام بالملايـــير التي دفعها إلى صندوق النقد الدولي، كفوائد في سبيل الإبقاء على الخط الائتماني التي اشترطت مديرة الصندوق كريستين لاغارد للحفاظ عليه، إصلاحات تصب كلها في الرفع من كلفة المعيشة.
وهكذا دفعت الحكومة في السر 18 مليون أورو على خط سيولة لم تستخدمه أبدا. وعكس ما روجت له من أن المواطن هو مــن سيستفيد، اتضح أن المستفيد الأول هو صندوق النقد الدولي الذي جنا ملايين الدولارات، مقابل بيع الوهم في إطار ما يروج لــه من ضمان الاستقرار المالي للمؤسسات، وهي حيلة انطلت على بلدان عديدة خشيت من ارتدادات الربيع العربي٬ فزادها صندوق النقد الدولي إفقارا بدفع فوائد على خطوط سيولة لم تستخدمها أبدا٬ وستضطر لاحقا إلى أخذ قروض إضافية لتسديدها. ولفتـــني بهذا الصدد ما قاله الباحث نجيب أقصبي لـ«الأخبار»، من أن صندوق النقد الدولي يختار ضحاياه بشكل دقيق، مضيفا أنـــــه يستهدف دولا لها «بروفايل» مثل المغرب تتواجد في وضعية أزمة غير مصرح بها ومستعدة لتسديد فوائد منتوج لم تستهلكــه!
لذلك فحديث الوفا عن الظلام كان سيكون ذا معنى٬ لو سعت الحكومة إلى أن تنقشع العتمة بفتح تحقيق مع مدير المكتب الوطني للماء والكهرباء الفاسي الفهري، حول الثقب المالي الكبير الذي يعاني منه مكتبه، والذي يراوح 45 مليار درهم سيدفعـــها المواطنون من جيوبهم. ومقابل العقد- البرنامج الذي قال الوفا إنه سينقذ المكتب من الإفلاس٬ كان يجب التفكير في فك القيد عن المعلومات المحيطة بأسباب إفلاس هذه المؤسسة، واقتياد المتسبـبـين فيها للمساءلة. لكن بما أن رئيس الحكومة شـرع لـ«عفا الله عما سلف»٬فلا يوجد أمامه خيار آخر غير المواطن المغلوب على أمره.فهو أصبح يؤدي ثمن كل شيء من إفلاس المؤسسات العمومية إلى إفلاس خطط الحكومة.
أما الظلام الذي يتحدث عنه الوفا٬ فقد ألفه مغاربة كثر لم تـفـعـل لهـم هذه الحكومة شيئا، حتى يخرجوا من الظلمات إلى الأنوار بتوسيع شبكة الربط الكهربائي لتصل إلى القرى الجبلية والنائية٬ رغم كـل القـروض السخيـة التي أخذتــها من البنك الدولي لهذا الغرض وكان آخرها قرضان بقيمة تناهز نصف مليار دولار.
ساحة النقاش