محمد الراوي
..من راس الحمق
العدد :2391 - 03/06/2014
يحاول الناطق الرسمي أن يـُفهمنا أنه لولا حكمة حكومته لبقينا «الله كريم، لا ما لا ضو». لكننا نصر على أن نفهم العكس، أي أن حكمة حكومته هي التي يمكن أن تتركنا «الله كريم، لا ما لا ضو».
فبعدما عجزت حكومتنا الحكيمة عن تنفيذ وعد محاربة الفساد والتبذير وكل ما يدخل في تدمير اقتصاد البلاد ويعقد معيشة العباد، قالت لنا يوما إنها تلجأ إلى الاقتراض كي لا تثقل كاهلنا بالزيادات؛ وبعدما «غرقتها كريديات» لن يسامحها عليها الأحفاد، غرقتنا بالزيادات.. بعضُها تدعي أنها ليست مسئولة عنه بدليل مقاطعة رئيس الحكومة لمنتج معلوم، احتجاجا على زيادة حدثت في عهده الـ... (املآ الفراغ).
وكما كان الحال مع كل الحكومات البائدة، تجتهد حكومتنا الكسولة لإقناعنا بأن الزيادة المرتقبة في الماء والكهرباء ما كانت لتتفضل علينا بها لو لم تكن في مصلحتنا، بدليل أن الرئيس الأسبق للجامعة، الذي أوصل كرة القدم المغربية إلى الحضيض، يقود المكتب الوطني للكهرباء إلى حافة الإفلاس محملا بديون غليظة، رغم المليارات التي يشفطها صندوق المقاصة سنويا من جيوب المواطنين ليضخها في مكتب الفاسي.
وبدل أن نسمع الحديث عن محاسبة تقودنا إلى مكامن الخلل في مكتب الماء والكهرباء، وتحدد المسئولين عن الوضع الكارثي الذي يهددنا بالعودة إلى زمن الشمع و»الفتيلة والقنديل»، وتوضح نصيب المدير العام الحالي في ذلك ونصيب سابقه، وما إذا كان الخلل في التدبير أم في التبذير أم في... وبدل أن نسمع حديثا عن الجهود المبذولة لإيقاف النزيف أو نرى ترجمة ملموسة لكل أو بعض ما أتحفنا به المذيع الرسمي من نفط نستخرجه من الصخر وطاقات هوائية وشمسية ومائية حبانا بها رب العباد، بدلا عن هذا وذاك نسمع أن حكومتنا الحكيمة اهتدت، بحكمتها، إلى أن الحل الوحيد هو جعل الفواتير حارقة أكثر مما يكتوي به المواطن؛ وهو ما يفسره وزير التبرير بأنهم لم يجدوا مناصا من الزيادة، وأنه لولاها لعانى المواطن من اقتطاعات الماء والكهرباء (؟؟).
لست أدري ما علاقة المسمى «كعو» بالمسمى «بعو»؛ لكنني، بصراحة، مازلت أبحث عن وصف لحكومة تستطيع ضرب المواطن بمختلف أنواع الضرائب، مباشرة وغير مباشرة، وتشككه في قدرتها على أن توفر له الكهرباء الصالح لمشاهدة التقارير الإخبارية عن النماء والرخاء، والماء الصالح للشرب والتصبين والاغتسال و.. مآرب أخرى.
بو الركابي لا يفهم ولا يستسيغ أن تبتلع المهرجانات ما تبتلعه من أرقام هائلة، في بلد تعترف حكومته بأنه على وشك العطش، ويحذره خبير غربي من المجاعة. لكن ولد المقدم يعارضه بشده، لأن خاله المسئول، الذي حمل والده إلى المنصب الرسمي الذي يحتله، عدَّد له من مزايا المهرجانات أنها تنشط الحركة السياحية في البلاد فتمتلئ الفنادق وتتحرك حافلات النقل السياحي و...، لكن بو الركابي، الذي قرأ في جرائد محلبة الحي، أن هذه البلاد مهددة بالجوع والعطش، واجه محاوره بسؤالين لم يرد عليهما بعد: من يستمتع خلال المهرجانات بالإقامة في الفنادق الفخمة وينشط مطاعمها ويبعث الدفء في حاناتها؟ ومن يدفع فواتير الإقامة والأكل و»الشراب» وكراء الحافلات والسيارات الفخمة بالعملة الوطنية، بعد تسديد لحظات غناء بـ»غسيل الفندق» بالعملة الصعبة؟
ولم يتوقف حوار المتحاورين،فهو مفتوح بين من يريد اغتراف الماء قبل أن يموت عطشا،ومن يعتقد أن التهديد بالعطش لا يمنع من «النشاط».
قديما قال أجدادنا «الزيادة من راس الحمق»، ومازال قولهم مأثورا؛ فكيف لعاقل، والحال على ما هو عليه من تأزم، أن يلجأ إلى الزيادة، رغم أنها «من راس الحمق»؟
ساحة النقاش