عبد الله الدامون
المهاتـْما و«العفاتـْما»
العدد :2389 - 01/06/2014
عندما كانت الهند ترزح تحت الاحتلال البريطاني،ظهر زعيم شهم اسمه المهاتما غاندي،والذي قاد شعبه نحو الاستقلال بكثير من العناد والإصرار والتضحيات، وها هي الهند الآن تعتبر واحدة من البلدان العظمى، رغم أن فيها أناسا لازالوا يعبدون البقر ويقدسون القردة والفئران.
قاد المهاتما بلاده نحو المقاومة عبر إستراتيجية اعتمدت أساسا على مقاطعة المنتجات البريطانية، أي منتجات المستعمر، وبدأ الرجل بنفسه أولا، حيث تخلى عن بذلته الأنيقة وصار يرمي على جسده النحيل أسمالا من الثياب المحلية، وتبعه في ذلك عشرات الملايين من الهنود. كانت تلك البداية فقط، حيث قاطع الهنود كل المنتجات الاستعمارية،وقدموا الكثير من التضحيات، وفي النهاية عانقت الهند استقلالها،استقلالها الحقيقي وليس الاستقلال الصوري وتبذير الأموال في الاحتفالات بأعياد استقلال وهمي.
نتذكر المهاتما هذه الأيام بعدما خرج علينا زعيم آخر اسمه عبد الإله بنكيران، ويبدو أنه أراد أن يسير على خطى المهاتما غاندي، فطلب من المغاربة أن يقاطعوا منتجات «دانون» بعد الزيادة في سعره، ثم صمت وعاد إلى كهفه.
وقبل ذلك، كان بنكيران قد نصح المغاربة بالتخلي عن استعمال السيارات وركوب الحافلات بعد الغضب إثر الزيادة في أسعار المحروقات. والمثير هو أن المحروقات لم يكن «المستعمر» هو الذي زاد في سعرها، بل بنكيران نفسه، فهو الرجل الوحيد في العالم الذي «يكْوي ويبُخّ» في أقل من ثانية، ثم «يُخرج عينيه فينا».
لو شئنا أن نقارن قليلا بين «المهاتـْما» غاندي و»العفاتـْما» بنكيران (نسبة إلى عفا الله عما سلف)، فإن المقارنة لن تستقيم، وحتى بنكيـــــران «لن يعجبه الحال» لأنه قد يعتبر ذلك سخرية منه. لكن الحقيقة أن مطالبة بنكيران للمغاربة بمقاطعة منتجات «دانون» فيها بعض المعقول، لكن المشكلة أن بنكيران أطلق النصيحة، ليس شجاعة منه بل جبنا، لأنه لا يستطيع أن يواجه الواقع سوى بمثل هذه التصريحات.
يعرف المغاربة أن أسعار «دانون» في فرنسا أرخص بكثير من أسعارها في المغرب، ويعرفون أيضا أنها منتجات فرنسية، أي استعماريـــــــة. ويعرف الناس أيضا أن «أمانديس» التي تمارس تعرية جيوب المغاربة في مجال الماء والكهرباء، هي أيضا شركة فرنسية استعمارية، وأسعارها عبارة عن فضائح حقيقية، وهي مقربة من ذلك المسمى نيكولا ساركوزي. ويعرف المغاربة أنهم أعطوا الكثير من أموالهم من أجـــل إقامة مشروع عبثي مع فرنسا اسمه«التي جي في»فائق السرعة،ويعرف المغاربة أن فرنسا تعيش تحت جلودهم في كل شيء،في أكلهم ومشربهم ولغتهم وثقافتهم.وإذا كان بنكيران صادقا مع نفسه،فليطلب من المغاربة أن يقاطعوا كل ما هو فرنسي،وأن يقاطعوا أيضا هذا اللوبي الفرانكفوني المريض في بلادنا،وأن يرفضوا تسلم أية وثيقة أو ورقة إدارية مكتوبة بالفرنسية، وأن يقاطعوا كل مسؤول مغربي يجلس في اجتماع عام ويبدأ في مخاطبة المغاربة بالفرنسية، وأن يقاطعوا كل الميكروبات الثقافية والاقتصادية التي تأتي من فرنسا، لأن زيادة 20 سنتيما في «دانــــون» لا تعتبر شيئا أمام السرطان الفرانكفوني الذي ينخر حياة وعقول المغاربة.
عندما طلب المهاتما غاندي من أبناء شعبه أن يقاطعوا المنتجات الاستعمارية وأن يلبسوا ما تحوكه أيديهم،فإن ذلك كان يدخل في إطار إستراتيجية كبيرة ومتكاملة وشجاعة من أجل مقاومة الاحتلال. وعندما يطب «العفاتـْما» بنكيران من المغاربة أن يقاطعوا «دانون» وأن يصنعوا «الرّايْب» في بيوتهم، فإن ذلك يدخل أيضا في إطار إستراتيجية كبرى، لكنها إستراتيجية الخوف والجبن والتقاعس والعجز عن فعل أي شيء.
المغاربة هم فعلا مستهلكون أكثر من اللازم،لذلك نبتت بينهم كل هذه الأسواق الكبرى التي تعصر جيوبهم صباح مساء؛ والمغاربة فعلا يستهلكون أكثر بكثير مما ينتجون؛ والمغاربة فعلا يستهلكون بطريقة حمقاء إلى درجة أن شخصا يربح «السّميك» يدخل سوقا كبيرا ويضع راتبه كله فتتي سلة واحدة ثم يقضي باقي الشهر في طلب القروض. والمغاربة فعلا لا بوصلة لهم في حياتهم الاقتصادية سوى نظرية «نقْضي اليوم.. وغـــــدّا يحن الله»، لذلك فهم ليسوا محتاجين إلى من ينصحهم بركوب الحافلات وصنع الرّايْب، بل يحتاجون إلى رجل حقيقي يساهم في صنع التاريــــخ ويرسم أفق المستقبل، مستقبل شعب تائه وبلا أفق.
الناس صوتوا عليك، يا بنكيران، لكي تكتب التاريخ وليس لتـُخرج لهم الأرانب من القبعة.
ساحة النقاش