المهدي الكراوي
طاح الذل !
العدد :2384 - 26/05/2014
يحسب للحكومة الحالية أنها أدخلت معجما جديدا في عالم السياسة. وبعد الذي وقع في البرلمان، على رئيس الحكومة أن يضيف شرطا أساسيا من شروط الاستوزار هو التوفر على الخبرة والتمكن والأقدمية في «المَعيار والسبان». وإلى اليوم، كنا نعتقد أنهم يتقاضون أجورهم البرلمانية والوزارية للضحك على ذقوننا فقط، قبل أن يتأكد لنا أنهم يتوفرون على احتياطي كبير في الشتائم يتقاضون عليه تعويضات مالية بصفتهم الوزارية والبرلمانية. وإذا كان الوزير الخلفي قد تضايق في حضرة عائلته من نقل مشاهد مخلة بالحياء في سهرة القفطان، فإن أغلب الأسر المغربية أصبحت تحتاط ليس من «القفطان المحلول»، ولكن من «الفم المحلول» لبعض السادة الوزراء تحت قبة الحرم البرلماني.
ومنذ اليوم، على الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أن تضع علامة «يمنع على الجمهور الناشئ متابعة جلسات البرلمان»، خاصة إذا كانت هذه الجلسات بحضور الوزير الوفا. واليوم أيضا، يتأكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن بنكيران احتفظ بوزيره الوفا في النسخة الثانية من الحكومة كـ»سوفونير» من النسخة الأولى، يغيظ به حزب الاستقلال ويستعمله كـ»مسمار جحا» في وجه المعارضة وفي وجه شباط على الخصوص، لذلك فإن مهمة الوفا في هذه الحكومة، بالإضافة إلى الزيادة في لوائح الأسعار، لا تخرج عن مهمة «الهندي والموس من عندي».
وفي الوقت الذي يجلس فيه الوزراء والبرلمانيون عندنا وسط مكيفات الهواء يتبادلون «معيار الزنقة» داخل قبة البرلمان ويتقاضون أجورهم بالملايين نظير ذلك، يجلس تلاميذُ بسطاءِ المغاربة فوق صناديق الخضر والفواكه يتابعون دروسهم في المدارس العمومية التي تحدى الوزيرُ الوفا، ذات يوم، الرئيسَ أوباما أن يكون عنده مثلها، لذلك فالشعار الذي يصلح للتعليم العمومي عندنا هو «اللي ما قرا يتنزه»، خاصة حين نعلم بأن أبناء «الألبة» أخرجوا لهم الباكلوريا الفرنسية وسط قاعات درس بها سبورات إلكترونية وحواسيب وأنترنيت، ليصبحوا مهندسين وأطباء، أما أولاد الشعب فأجلسوهم على صناديق سوق الجملة، حتى إذا ما «تخرجوا» من المدرسة أصبحوا «خضارة» وباعة متجولين.
وعلى بُعد أسابيع قليلة فقط من حلول شهر رمضان، كنا ننتظر من الحكومة أن يخرج بآليات لتخفيف وقع غلاء المعيشة على جيوب المغاربة، فإذا بها تعلن وقف الدعم عن جميع أنواع المحروقات واستعدادها لرفع أسعار الكهرباء حتى يسدد المغاربة مرة أخرى من جيوبهم الإفلاس المالي للمكتب الوطني للكهرباء، لكن كما يقال «الكفن ما فيه جياب»، وعلى حكومتنا أن تعلم بأن المغاربة سددوا من جيوبهم لمدة عامين ونصف إفلاس صندوق المقاصة، ومن اليوم الذي رأت فيه هذه الحكومة النور والمغاربة يعيشون على وقع «لا خلاص الحمام لا كسوة العيد». وإذا كانت الحكومة قد اختارت طريق العفو عما سلف وتجنيب المفسدين المحاسبة، فعليها أن تسير فيه وتؤدي الفاتورة من جيبها، أما أن يسدد المغاربة من جيوبهم مخلفات فساد الصناديق الوطنية وتحميل الفئات الصغرى فشل كبار المسؤولين العموميين في إدارة المؤسسات العمومية، فهذا يسمى «اللي ما شبع من القصعة ما يشبع من لحيسها».
لكن الأكيد اليوم، وبعد مسافة عامين ونصف من عمر تجربة بنكيران وحلفائه في الحكومة، اتضح أن «المنامة كانت طـْوَلْ من الليل»، وأن كل تلك الشعارات التي كانوا يحلمون بها ويَعـِدون الناس بتنفيذها لم تكن سوى ظرف انتخابي في الزمان والمكان، وأن برنامج الحكومة الوحيد هو أن يؤدي الشعب من جيبه مخلفات عقود طويلة من الفساد والإفلاس المالي والريع، تطبيقا للمثل الشعبي «من ليحيتو لقم ليه». وفي الوقت الذي ستنتهي فيه هذه التجربة الحكومية سيكون الفساد قد نجح في إطالة عمره، والشعب قد قـُتلت ثقته، والوزراء قد ضمنوا تقاعدهم،... أما السياسة فقد نالت نصيبها هي الأخرى من هذه التجربة و»طاح عليها الذل».
ساحة النقاش