هكذا نهب مسؤولون كبار أموال المتقاعدين
عبد الرحيم ندير
المساء العدد :2273 - 16/01/2014
يبدو رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، مقتنعا تماما بضرورة اتخاذ قرار إصلاح أنظمة التقاعد خلال سنة 2014 كيفما كانت النتائج. فالرجل، وبعد أن نجح في تمرير مجموعة من القرارات اللاشعبية بسلام، مصر على رفع سن التقاعد إلى 62 أو 65 سنة عوض 60 المحددة حاليا، في أفق معالجة أزمة صناديق التقاعد التي أصبحت مهددة بالإفلاس ابتداء من هذه السنة.
وحسب بنكيران، فإن الحكومة لن تتراجع عن إصلاح أنظمة التقاعد مهما كلفها ذلك من ثمن، حيث يرى رئيس الحكومة أن المشاكل التي تعاني منها أنظمة التقاعد أثيرت منذ سنة 2000، وهذا الأمر يهدد ديمومتها على المدى المتوسط والبعيد، لأنه تم الاكتفاء إلى حد الآن ببعض التدابير الجزئية التي لم تستطع إبعاد شبح الإفلاس عن صناديق التقاعد، في الوقت الذي تؤكد فيه المعطيات أن الصناديق محتاجة إلى أزيد من 125 مليار درهم بعد 10 سنوات، فيما الحكومة مضطرة سنة 2014، في حال لم تتخذ الإجراءات اللازمة، إلى ضخ ما مجموعه 1.8 مليار درهم، وفي سنة 2016 إلى ضخ 6.4 مليارات درهم.
غير أن السؤال الملح الذي يطرحه المغاربة اليوم هو لماذا يظل المواطن دائما الشماعة التي تعلق عليها الحكومات فشلها؟ فالجميع يعلم أن المسؤول عن العجز الكبير الذي تعيشه معظم صناديق التقاعد ليس المنخرط، الذي ظل دائما مجبرا على أداء واجباته للدولة من المنبع، بل هي السياسات «العرجاء» للساهرين على تدبير صناديق التقاعد، وهو تقاعس الدولة عن أداء واجبها في مراقبة ومحاسبة المتورطين في نهب أموال هذه الصناديق، وهو الأمر الذي دفع «المساء» من خلال هذا الملف إلى التذكير بملايير الدراهم التي اختلست أو ذهبت أدراج الرياح في القضايا الكبرى لصناديق التقاعد التي طويت معظمها، فيما البعض منها مازال يراوح أدراج المحاكم.
صندوق الضمان الاجتماعي.. اختلاسات بالملايير وملفات في المحاكم
في الوقت الذي تتجه الحكومة بشكل حثيث نحو إقرار إصلاح أنظمة التقاعد، يتحمل فيه المنخرطون التداعيات المالية لسنوات من سوء تسيير وتدبير صناديق التقاعد، تقترب فصول ملف اختلاسات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من نهايتها، فقد أخرت الغرفة الجنائية الابتدائية لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، المختصة في جرائم الأموال الاستماع إلى الشهود في ملف «اختلاسات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، إلى الـ 23 من الشهر الجاري.
وحسب مصادر مقربة من الملف، فإن الهيئة القضائية بقاعة الجلسات رقم 7، حيث تدور أطوار الملف، كانت قد قررت الشروع في الاستماع إلى الشهود، الذين يفوق عددهم 30 شاهدا، بينهم أعضاء لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، إلا أن غياب عدد منهم، جعلها تؤجل ذلك لأزيد من 20 يوما، فضلا عن غياب عدد من المتهمين المتابعين في حالة سراح.
وتفرض عملية إصلاح التقاعد، التي يصر عبد الإله بنكيران على إنهائها قبل متم سنة 2014، العودة إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق التي فجرت ملف الاختلاسات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ليعرف الجميع مصير مئات الملايير التي ذهبت سدى، في الوقت الذي تشير فيه ملامح الإصلاح الجديد إلى أن المنخرط هو الذي سيتحمل نتائج الوضعية الكارثية لصناديق التقاعد، حيث سيتم الرفع من سن التقاعد، كما ستتم الزيادة في المساهمات، إلى جانب احتساب التقاعد على أساس معدل الأجور المصرح بها خلال جميع سنوات العمل.
لجنة افتحاص برلمانية تفجر فضيحة
فصل تقرير اللجنة البرلمانية، التي فجرت فضيحة كبرى لم يسدل الستار على فصولها بعد، بين مرحلتين في تدبير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الأولى تمتد من تاريخ إحداث الصندوق إلى سنة 1992، وتتميز بانغلاق المؤسسة على نفسها وسلوك تدبير عشوائي، وعدم الاهتمام بتتبع الانخراطات وتحصيل واجبات الاشتراك وتوسيع وعائها، حيث شابت عملية التحصيل عدة شوائب، منها تفشي الرشوة والمحسوبية، وغياب المراقبة في منح التعويضات، وتزوير الوثائق وتحريف المعطيات، وغياب محاسبة جدية، وإن وجدت كانت في شكل عدة محاسبات مبعثرة، ومفتقدة لكل مصداقية، وغياب نظام التوثيق، بالإضافة إلى تخريب ما تم تجميعه من وثائق عن طريق حرائق مفتعلة أحيانا، أو الادعاء بحدوث فيضانات أتلفت محتويات خزائن الأرشيف أحيانا أخرى، لطمس كل أثر للعمليات غير الشرعية. إلى جانب تعرض النظام المعلوماتي باستمرار للاختراق ولأعمال القرصنة لإقحام معطيات مزيفة قصد تخويل حقوق بدون موجب. بالإضافة إلى عدم تغطية المراقبة المالية لمجالات نشاط الصندوق، ورفض الحسابات الختامية منذ 1981 من طرف المجلس الإداري.
أما مرحلة ما بعد 1992 إلى تاريخ إنجاز اللجنة البرلمانية لتحقيقها، فقد تميزت باستمرار جمود المجلس الإداري خلال الفترة الممتدة بين 1992 و2000، إذ لم تتمكن السلطة الوصية من إعادة تركيبه، وتواصل عدم المصادقة على الحسابات الختامية منذ 1981 إلى هذا التاريخ، بالإضافة إلى الاستمرار في ممارسة بعض السلوكات السابقة، مثل استعمال بعض الحسابات خارج القانون، واللجوء إلى إبرام الصفقات حسب مسطرة الإنفاق المباشر بدون تبرير مقبول.
اختلاسات وأموال ضائعة تقدر بالملايير
ونتيجة لطريقة تدبيره خلال المرحلتين، كشفت اللجنة البرلمانية أن مالية الصندوق وممتلكاته تعرضت إلى عدة أضرار، تسبب فيها سوء التسيير والتبذير والاختلالات والاختلاسات المباشرة وغير المباشرة المتعددة، والمتكررة عبر السنوات، وهذه الأموال الضائعة التي وصل مجموعها إلى 47.7 مليار درهم صرفت أو ضاعت كلها بدون حق أو بدون سند قانوني. وإذا ما قمنا باحتساب الفوائد يقفز الرقم ليتجاوز 115 مليار درهم.
ومن خلال تتبع اللجنة لأهم مراحل تدبير الصندوق طوال ثلاثين سنة من نشاطه تمت ملاحظة عدة اختلالات في ممارسة المجلس الإداري لاختصاصاته وواجباته وكانت لها انعكاسات وخيمة على صيرورة المؤسسة، ومن أهم هذه الاختلالات قرار بتاريخ 10/12/1974 يقضي بتخصيص عائدات الأموال المودعة من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لدى صندوق الإيداع والتدبير لفائدة بناء أول وحدة صحية بدرب غلف بالدار البيضاء، وبهذا القرار، الذي أصبح مرجعية لإنجاز المصاريف المخصصة لهذا المجال أعطى المجلس الإداري الضوء الأخضر لبناء وتجهيز 13 مصحة، وهو قرار لا يستند على مقتضيات قانونية، بل يعد انتهاكا لظهير 1972 المنظم للصندوق وتسبب في ضياع ملايير الدراهم بدون سند قانوني. ومن أبرز الاختلالات، كذلك، عدم البت في الحسابات في وقتها كما هو منصوص عليه في القانون، أي قبل 30 يونيو من كل سنة، واتخاذ قرار ضدا على مصالح المؤسسة بتاريخ 13-04-1992 يقضي بتوظيف 431 عونا دفعة واحدة بالرغم من أنهم كانوا أعوانا تابعين لشركة للتنظيف. إلى جانب المصادقة على مشاريع الميزانيات بتأخير كبير، وأحيانا في آخر السنة المالية عوض المصادقة قبل 31 دجنبر من السنة المنصرمة كما ينص على ذلك القانون. بالإضافة إلى اتخاذ قرار رقم 9/2000 يقضي بتفويت عقارات مبنية تتمثل في 22 شقة بالجديدة ليست في ملكية الصندوق، بل إن المالك الشرعي، حسب شهادة المحافظ، هو مجلس الأعمال الاجتماعية، ويعتبر هذا القرار تطاولا على اختصاص هيئة لها شخصيتها المعنوية واستقلالها المالي وهي وحدها المالكة الشرعية للعقارات المسجلة باسمها.
المجلس الأعلى للحسابات يقف على اختلالات جديدة
وقف المجلس الأعلى للحسابات، هو الآخر، على مجموعة من الاختلالات، التي شابت تدبير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأدت إلى ضياع الملايير، فقد أسفرت عملية مراقبة الجوانب المتعلقة بإعداد والمصادقة وتنفيذ ميزانيات الصندوق على مجموعة من الملاحظات، فالمصادقة على ميزانيات الصندوق من طرف السلطات الوصية مازالت تعرف تأخيرا واضحا. فعلى سبيل المثال لم يتم التأشير على ميزانية النظام العام إلا 6 أشهر بعد بداية السنة المالية وذلك بالنسبة إلى السنوات المالية الممتدة من 2004 إلى 2008، وخلافا لما هو منصوص عليه في المادة 1 من النظام الداخلي للصندوق المصادق عليه بقرار وزير الشغل والتكوين المهني رقم 40 في 13 يناير 2005، صادق مجلس الإدارة على ميزانية 2010 في دجنبر 2009 في غياب حصيلة إنجازات السنة السابقة، وكذلك برامج العمل السنوي، حيث إنه إلى حدود نهاية 2010 لم يتم بعد إنجاز برنامج عمل مختلف البنيات المكونة للصندوق، هذا إلى جانب عدم إدراج كل المداخيل في الميزانية؛ ومن الأمثلة على ذلك مبالغ التعويضات المسترجعة بعد أن تمت تأديتها خطأ، حيث حددت هذه المبالغ المسترجعة بين 2005 و2008 في 17.162.350.84 درهم، وهو مبلغ لا يتم تتبعه في محاسبة ملحقة ولا يتم إدراجه في الميزانية، إلى جانب مداخيل مصاريف المتابعات التي لا يتم تتبعها في محاسبة الصندوق ولا تدرج في ميزانياته، والتي قدرت بين 1998 و 2009 بحوالي 52.45 مليون درهم، والفوائد المستحقة على المدنيين في إطار منح تسهيلات الأداء التي لا يتم، كذلك، تسجيلها في محاسبة الصندوق ولا يعمل على إدراجها في ميزانيته.
وأكد المجلس الأعلى للحسابات أن الصندوق لا يتوفر على معلومات موثوق بشأنها حول ديونه الاجتماعية المستحقة لفائدة الصندوق الوطني للتقاعد والصندوق المهني للتقاعد. وتشير المعطيات المستخرجة من النظام المعلوماتي للمحاسبة إلى أهمية هاته المتأخرات التي بلغت في سنة 2008 حوالي 6 مليون درهم.
وقد مكن فحص التسيير المالي للصندوق من الوقوف على أن الأخير أبرم عدة اتفاقيات مع مجموعة من الأبناك يتم بموجبها إعفاء الصندوق من أداء مجموعة من المصاريف المتعلقة بالخدمات البنكية. لكن لوحظ أنه بالرغم من هذه الإعفاءات، فإن هذه الأبناك قامت باقتطاع ما يناهز 38.81 مليون درهم من حسابات الصندوق، خلافا لما نصت عليه الاتفاقيات سالفة الذكر، وتشير وضعية المقاربة المتعلقة بالحسابات البنكية للصندوق إلى أن هناك مبالغ من الأموال سحبت من هذه الحسابات في غياب الوثائق المبررة للمبالغ المسحوبة. وهكذا تظهر هذه المبالغ في مدين البيانات البنكية دون أن يستطيع الصندوق تسجيلها في نظام محاسبته لعدم توفره على الوثائق المذكورة. وتقدر هذه المبالغ غير المبررة بـ 5.79 ملايين درهم سحبت سنة 2002 أو قبلها، و 1.90 مليون درهم سحبت سنة 2003 و1.43 مليون درهم سحبت سنة 2004، و2.04 مليون درهم سحبت سنة 2005، و1.62 مليون درهم سحبت سنة 2006.
وكشف المجلس الأعلى للحسابات، كذلك، وجود مداخيل غير مودعة في الحسابات البنكية رغم أنها مقيدة في محاسبة الصندوق على أنها مبالغ مستخلصة، حيث بلغت قيمة هذه المداخيل إلى غاية 13 دجنبر 2009، 36.50 مليون درهم. ويتعلق الجزء الأكبر من هذه المبالغ (99 بالمائة) بمداخيل تم تحصيلها خلال السنوات 2002 وما قبلها.
الصندوق المغربي للتقاعد.. استثمارات خطرة وتعويضات غير قانونية
كل التقارير تجمع على أن الصندوق المغربي للتقاعد سيعرف صعوبات مالية ابتداء من سنة 2014، واستنزافا كاملا لاحتياطات الصندوق في أفق 2019. غير أن الخبراء يرون أن هذه الوضعية تعزى أساسا إلى سنوات من سوء التدبير، التي فرضت حاليا على الحكومة الإسراع باتخاذ خطة إصلاحية لإنقاذ الصندوق من الانهيار.
ويعزو خبراء المجلس الأعلى للحسابات، الذين أعدوا سابقا تقريرا وافيا حول الاختلالات التي سجلت في تدبير الصندوق منذ تأسيسه، سبب انهيار مالية الصندوق إلى عدة عوامل، ذكروا منها على الخصوص خسائر الصندوق بسبب قيامه ببعض الاستثمارات الخطرة في السوق المالية، وعدم متابعة تنفيذ بعض العقود، وضعف التأطير، ومستوى الموارد البشرية، وغياب سياسة واضحة للتكوين.
وحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فإن الصندوق تكبد خسائر تقدر بنحو 92 مليون درهم بسبب توظيفات مالية وصفها بالخطرة، من خلال الاستثمار في أسهم شركة «مناجم» للصناعات المعدنية، وأسهم «البنك الوطني للإنماء الاقتصادي».
وأوضح التقرير أن الصندوق قرر الاحتفاظ بمساهماته في «البنك الوطني للإنماء الاقتصادي»، رغم أن مؤشرات صعوباته المالية بدأت تبرز منذ سنة 2001. وظل الصندوق محتفظا بالأسهم حتى سنة 2003 عندما قررت الجمعية العمومية للبنك إلغاءها لشطب الخسائر المتراكمة للمصرف، وتسبب ذلك للصندوق في خسائر بلغت 70 مليون درهم.
أما بخصوص مساهمات الصندوق في «مناجم»، فأشار التقرير إلى أن «الصندوق المغربي للتقاعد» كان قد اشترى كميات كبيرة من أسهم «مناجم» ما بين سنة 2000 وسنة 2004، إلا أن الصندوق تسرع في بيع الأسهم خلال الفترة التي عرفت فيها «مناجم» مشاكل مالية، والتي كان فيها سعر الأسهم في أدنى مستوياته التاريخية. وتكبد الصندوق جراء ذلك خسارة قدرها التقرير بنحو 22 مليون درهم.
كما أشار التقرير إلى تقصير الصندوق المغربي للتقاعد في متابعة تنفيذ مشروع إنشاء مقره الاجتماعي الجديد، والذي كان متوقعا أن يتم تسليمه سنة 2005. وأوضح أن التأخير في تسليم المشروع تسبب للصندوق في خسارة بنحو مليوني درهم في السنة.
وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات، كذلك، عن لائحة غير نهائية تضم 67 موظفا ساميا وغير سام يتلقون معاشات تقاعد من الدولة رغم توفرهم على دخل آخر، وهو ما يمنعه ظهير 15 فبراير 2001الذي ينفذ قانون 77/99)، الذي يحظر الجمع بين الأجرة والمعاش أو أي إيراد يدخل في حكمه.
وجاء في التقرير أن التدقيق في حسابات الصندوق كشفت عن اختلالات مالية تتجلى في أن بعض متقاعدي إدارات الدولة يمارسون أو مارسوا عملا في إطار تعاقدي مع الدولة، وتقاضوا على ذلك تعويضات، واستمروا في الوقت نفسه في تسلم معاشاتهم الشهرية من الصندوق.
وضمت لائحة المستفيدين من هذا الوضع غير القانوني، موظفين سامين كسفراء وعمال سابقين ومدراء مركزيين وأطر عليا في وزارات الداخلية والشؤون الاقتصادية للحكومة والفلاحة والوزارة الأولى والتربية الوطنية والتعليم العالي، بالإضافة إلى مدير ديوان ومكلفين بمهام ومهندسين.
ومن أجل إنقاذ الصندوق المغربي للتقاعد، يقترح المجلس الأعلى للحسابات، حاليا، رفع سن التقاعد إلى 65 سنة على مدى 10 سنوات، عوض 60 سنة المعمول بها حاليا، مع منح المنخرطين إمكانية تمديد فترة نشاطهم حتى تتسنى لهم الاستفادة من تقاعد كامل في المعدل الأقصى، مع ضرورة أن يخضع الاستمرار في العمل لتأطير ملائم في حدود سن يتم تحديدها لاحقا.
أما بالنسبة لوعاء احتساب الحقوق بالنسبة للمنخرطين في الصندوق المغربي للتقاعد، فقد اقترح المجلس تغيير الوعاء بصفة تدريجية باعتماد معدل أجور من 10 إلى 15 سنة الأخيرة من العمل، عوض آخر أجرة كما هو معمول به حاليا، مع تخفيض نسبة القسط السنوي إلى 2 في المائة بدل 2.5 في المائة، وتحديد نسبة المساهمة في 30 في المائة، 24 في المائة منها للنظام الأساسي اعتمادا على مبدأ التوزيع، و6 في المائة بالنسبة للنظام الإضافي المبني على الرسملة يتحملها بشكل متساو المشغل والأجير.
النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.. توظيفات مالية وعقارية مشبوهة
منذ تأسيس النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد في سنة 1977، سجل هذا الأخير اختلالات عديدة كبدته خسائر بالملايير. ورغم الموارد الهامة التي كان يتوفر عليها النظام الجماعي، فإنه ظل مفتقرا لهيئة مستقلة يكون دورها الأساسي هو وضع استراتيجية للتوظيفات ومتابعة العمليات في أحسن الظروف من حيث الأمان والمردودية. ذلك أن اللجنة الداخلية للاستثمار المحدثة سنة 2005 عقب التوقيع على اتفاقية التدبير بين صندوق الإيداع والتدبير والنظام الجماعي، والتي من مهامها الأساسية مناقشة واعتماد الدعم الاستراتيجي للأصول، وكذا تحديد أهداف المردودية والمخاطر، لا تلعب الدور المنوط بها. فهذه اللجنة لا تبت، كذلك، في استراتيجية التوظيف وهي مطلوبة لتحديد والمصادقة على اختيارات الاستثمار، كما أنها لا تحدد التوجيهات المتعلقة بتدبير التوظيفات. وفضلا عن ذلك فإن هذه اللجنة تبقى داخلية وتابعة لصندوق الإيداع والتدبير لكونها لا تضم أعضاء من لجنة الإدارة وممثلين عن المنخرطين وخبراء مستقلين.
ونتيجة لذلك، لوحظ بأن حوالي 4893 مليار درهم تم توظيفها في هيئات توظيف جماعي للقيم المنقولة كفروع أو مرتبطة بفروع صندوق الإيداع والتدبير، والحالة الأكثر أهمية تخص صندوق الإيداع والتدبير للاحتياط، التي هي شركة متخصصة في سندات الإقراض، والتي يعتبر النظام الجماعي المكتتب الوحيد فيها. وقد تحمل هذا النظام مبالغ مهمة كنفقات التسيير وصلت إلى 104 ملايين درهم في الفترة بين 2004 و2007.
وعلى صعيد آخر، لوحظ أن بعض عمليات تسيير المحفظة المالية أسفرت عن خسائر من بينها عملية تبديل أسهم يملكها النظام الجماعي مقابل اقتناء حصص الصندوق الجماعي للتوظيفات بصندوق الإيداع والتدبير، مما تسبب للنظام سنة 2001 في خسائر ضخمة قدرت قيمتها بحوالي 59 مليون درهم. وهذه العملية سمحت، على الخصوص، بتنقيل جزء من الخسارة التي تكبدها النظام الجماعي في محفظة بنك الإنماء والاقتصاد التي يمتلكها، والتي بلغت أزيد من 14 مليون درهم.
وهناك شق آخر في الاختلالات المسجلة بالنظام الجماعي، ترتبط أساسا بالتوظيفات في مجال العقار، حيث قام النظام بالعديد من التوظيفات الفاشلة والتي كبدته خسائر كبيرة. وفي هذا الإطار، اعتبر خبراء المجلس الأعلى للحسابات أن تسيير الأملاك التابعة للنظام، والذي يرمي أساسا إلى استخلاص الأكرية وكراء الوحدات الشاغرة وصيانة المجموعة العقارية، تميز بتأخير على مستوى الأداءات المطلوبة كل 3 أشهر لفائدة النظام الجماعي، وبضآلة الصيانة وتدهور المحلات، إلى جانب ضعف المردودية، مما اضطر النظام إلى التفكير في بيعها.
وكانت الفضيحة الكبرى في النظام، استثماره في اقتناء قرية سياحية بمراكش «كلوب ميد» سنة 2002 وتهيئتها سنة 2004، حيث تطلب ذلك مبلغا كبيرا يفوق 128 مليون درهم، وهو الأمر الذي انطوى حينذاك على مخاطر كبيرة، ذلك أن نوعية وتصور هذا المركب، التي هي خاصة بالنادي المذكور، تجعل من الصعب إعادة تهيئة مظهره أو بيعه واسترجاع المبلغ المستثمر فيه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن جزءا من الوعاء العقاري للمركز المذكور (حوالي 3110 أمتار مربعة) لم تكن في ملكية النظام الجماعي، بل مملوكة من طرف بلدية مراكش، وهي بذلك كانت موضوع تنازع، الأمر الذي ورط النظام في مساطر كان في غنى عنها لو تم تدبير عملية التوظيفات العقارية بقليل من الاهتمام والمتابعة.
وبالتالي، بعد سنوات من التدبير السيء، وجد النظام نفسه في أزمة مالية دفعت خبراء المجلس الأعلى للحسابات إلى اقتراح تدابير صادمة للخروج من الأزمة، أهمها الرفع من سن الإحالة على التقاعد إلى 65 سنة على مدى 10 سنوات، تبعا لنفس التصور المقترح بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد، ومراجعة قيمة المعاشات في اتجاه تخفيض النسبة الحالية إلى مستوى ثلثي تطور متوسط الأجر الذي يعتمده النظام.
ساحة النقاش