هل يوقع لبنان على خريطة الإقليم الجديدة؟
<!--<!--
“رأي اليوم” عبير الحيالي* باحثة في السياسة والعلاقات الدولية - لندن
منذ عشر سنوات خلت، ونحن نجلس أمام شاشات التلفاز وأجهزتنا الكمبيوترية لنستطيع فهم ما الذي يحصل في سلسله مسلسل “الفوضى” التي اجتاحت عالمنا العربي بدون سابق انذار. فوجدنا أنفسنا أمام مقولة الفنان حسني البرزان في مسلسله الكوميدي صح النوم “إذا أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا فيجب أن تعرف ماذا في البرازيل!”
ونحن الآن عندما نحاول أن نفهم ماذا يحدث في ليبيا علينا أن نفهم ماذا يحدث في سوريا، ولكي نفهم ماذا يحصل في سوريا علينا أن نفهم اللعبة السياسية في العراق وهكذا إلى ما لا نهاية. بكت أعيننا سوريا وتألمنا على ليبيا ورثينا العراق، ولكن ربما نحن سنذبح في بيروت!
ضرب الانفجار الهائل مرفأ بيروت في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة وعميقة على المستوى المحلي والإقليمي. اختلفت الآراء حول سبب هذا التفجير ورفعت أصابع الاتهام تارة باتجاه حزب الله وتارة أخرى باتجاه إسرائيل، فوجدنا أنسفنا أمام سيناريوهات مختلفة وجميعها تتسلح ببعض الأدلة المريبة. وبجميع الأحوال وقعت كارثة المرفأ وتبعها بعد عدة زيارات مختلفة لممثلين بعض الدول الفاعلة في أزماتنا مظاهرات عمت شوارع ما تبقى من مدينة بيروت.
إذا أردنا أن نعرف من فجر المرفأ علينا أن نراقب التحولات السياسية والاجتماعية التي ستعقب التفجير. فنحن أمام مشهد ضبابي يسود الشارع اللبناني يتمحور حول الاستقالات المتتالية داخل الحكومة من جهة، وخروج المتظاهرين إلى الشارع والذين يفتقدون إلى القيادات القادرة على انتاج حكومة جديدة منافسة ومعارضة لحكومة المحاصصة التي سيطرت على البلاد ومواردها على حساب الشعب من جهة أخرى. مما لا شك فيه أن الشعب اللبناني عانى من مستوى غير مسبوق من الفساد على مستوى الدولة، ولكن في المقابل أيضاً اللعبة السياسية في لبنان لا تشبه أي مكان آخر في العالم لأن بديل الاتفاق في لبنان هو الفوضى والحرب الأهلية. ومن خلال مراقبة ردود الأفعال لبعض الدول نجد أن هناك من يعزف الحاناً تعكس ما يختلج في صدرها من رغبة لجر لبنان إلى منظومة الفوضى العامة ولاسيما بعد انتظار طويل لقطف حصاد الحصار الاقتصادي لبيروت. يقف لبنان على اعتاب محطة جديدة وفارقة في تاريخه السياسي والاجتماعي حيث يعمل على جره إلى مصيدة التجاذبات الإقليمية والدولية.
دخل لبنان مرحلة صعبة جداً تتمثل في تشابك الأزمات الداخلية مع التحديات الخارجية التي يمثل حزب الله أحد عناوينها الرئيسية والبارزة. ولازال هناك الكثير من الأسئلة حول التحديات الخارجية وما إذا كان هناك سباق بين المحاور المختلفة لوضع اللمسات الأخيرة للمشروع الاستعماري الجديد الذي بدأ في عام 2011. تمثل هذا التسابق في المشهد الدرامي الفرنسي الذي قاده ماكرون مستغلاً المشاعر المتضاربة لدى الشعب اللبناني محاولاً رفع مستوى التوتر في الشارع، وتقديم الحماية المبطنة لكل الذين سيخرجون مستقبلاً إلى الشوارع عن طريق اسقاط دور الدولة أمام الشعب وتقديم المساعدات للبنانيين مباشره دون المرور بأي جهة حكومية. هذه المساعدات التي تم ربطها بالشرط الذي لا يمكن تحقيقه الا بدخول البلاد في حرب أهلية ألا وهو التخلص من سلاح حزب الله وهذا ما تم الإفصاح به. ولكن الحقيقة هي التخلص من الحزب والقضاء عليه تماماً وهو الموقف المتفق عليه مع الولايات المتحدة الامريكية والغرب بشكل عام ويصب في المصلحة الإسرائيلية. أسقط ماكرون كل سبل الحوار الممكنة للخروج بلبنان من أزمته، بل وأشعل فتيل انزلاق اللبنانيين في حرب أهلية قبل مغادرته. أما المحور الجديد الذي يحاول أن يمتحن قدرته على اقتحام الشارع اللبناني باللعب على حبال المساعدات أيضاً فهو تركيا، التي كان لها دوراً كبيراً في اشعال فتيل الحرب في سوريا وليبيا لأغراض استعمارية، في محاولة لإعادة منطقتنا العربية إلى الاحتلال العثماني القديم. ولكن يشير انسحابها من مؤتمر المانحين للبنان على أن محاولاتها لم ترتق هذه المرة إلى النجاح بسبب التنافس الدولي الحاد للفوز بصفقة لبنان. أما ثالث المحاور فهو ايران والتي بدورها تعتبر أحد كبار اللاعبين في هذه الأزمة من خلال علاقتها التاريخية بسوريا وحزب الله الذين يعنبرون أهم أهداف الولايات المتحدة في حربها ضد ايران، والتي بدورها تحظى ببعض الدعم من قبل الجانب الروسي الذي حصل على الكثير من الامتيازات في المنطقة كنتيجة لتدخله في الأزمة السورية.
تستطيع الدول الغربية “لو أرادت” بمساعدة بعض الدول العربية تقديم المساعدة للبنان سياسياً واقتصادياً وتجميع جميع الأطراف اللبنانية وكذلك حزب الله، عن طريق استخدام عصا الحوار السحرية والتي تتناسب مع مستوى الاستعصاء الحالي، حيث أن الحوار الشفاف هو الحل الآمن الوحيد للازمة والمانع من الانزلاق في حرب أهلية كتلك التي ضربت غيرها من الدول العربية بعد عام 2011. ولكن هذه الدول تسعى لنشر الفوضى التي تؤدي إلى إعادة ترتيب الأوراق السياسية للإقليم وليس فقط للبنان، والتي تصب في مصلحتها وكذلك إسرائيل وهي التي ستقطف ثمار تفجير المرفأ أو تفجير الوضع الداخلي.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لايهدي القوم الظالمين} . إن ما تقدمه هذه الدول ما هو إلّا { شفا جرف هار} وأمام لبنان وشعبه إما التماسك والعبور بالبلاد إلى بر الأمان أو الإنزلاق في الجرف وإتمام عملية تغيير المنطقة العربية والإقليم وإكمال المشروع الإستعماري الجديد بتوقيع لبناني.
ساحة النقاش