محمد بن سلمان..العرش بين 'بلاك ووتر' وترامب
<!--<!--
الأحد ٠٨ مارس ٢٠٢٠ - ٠٥:٠٢ بتوقيت غرينتش
لا يمكن بحث الحياة السياسية في السعودية دون ربطها بالولايات المتحدة، فهي لا يمكن أن تخرج عن سياق العلاقة المبنية على قاعدة الحماية مقابل النفط التي أرستها اتفاقية "كوينسي" بين الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945.
العالم - قضية اليوم - حسين الموسوي
حينها كان روزفلت عائدا من مؤتمر يالطا الذي تقاسم فيه غنائم الحرب العالمية الثانية مع السوفييت والبريطانيين، وبعث للملك عبد العزيز يقترح عليه اللقاء على متن السفينة الحربية الأميركية "يو أس أس كوينسي" لتوقيع الاتفاقية.
طريقة استدعاء عبد العزيز وتوقيع الاتفاقية تكشف طبيعة العلاقة بين (القوة) أي واشنطن و(النفط) أي الرياض والتي لم تتغير حتى اللحظة. بعد 75 عاما ما زالت طبيعة هذه العلاقة كما هي. لكنها اكتسبت أبعادا جديدة ومختلفة تثير التساؤلات من جهة شخصية الطرفين وطبيعة الحماية التي أقرتها اتفاقية كوينسي، مع وجود اسمين في هذه العلاقة حاليا هما دونالد ترامب ومحمد بن سلمان يضاف إليهما اسم "بلاك ووتر".
في كانون الثاني يناير عام 2017 تولى دونالد ترامب اليميني المثير للجدل على أكثر من صعيد منصب رئيس الولايات المتحدة. بعد اقل من شهرين فقط زار محمد بن سلمان الذي كان وليا لولي العهد حينها (وهو منصب استحدث لأجله) زار الولايات المتحدة والتقى ترامب في البيت الأبيض. هذه الزيارة أسست لعلاقة مبنية على روحية اتفاقية كوينسي لكن بقواعد جديدة. كان بن سلمان قد صمم على الوصول إلى العرش بأي طريقة ممكنة، ووجد في ترامب السبيل الأفضل لتحقيق هدفه. تقول التقارير أن بن سلمان ناقش مع ترامب في زيارة آذار مارس هدفه للوصول إلى العرش واتفقا على دعمه لتحقيق هذا الهدف مقابل المليارات التي حصل عليها ترامب في زيارته إلى الرياض.
بعد الزيارة بشهرين قام ترامب بأول زيارة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة وكانت إلى السعودية في أيار مايو من نفس العام. كان بن سلمان المستفيد الأول من هذه الزيارة التي قربته من صهر ترامب ومستشاره والذي سيلعب دورا أساسيا في التقريب بين السعودية والكيان الإسرائيلي فيما بعد جاريد كوشنير.
بعد اثني عشر يوما فقط من زيارة ترامب، بدأ بن سلمان تنفيذ خطته لتحقيق هدفه حيث أجبر ولي العهد حينها الأمير محمد بن نايف على التنحي ومبايعة الأمير الشاب وليا للعهد. وبعد خمسة أشهر بدأ المرحلة الثانية من خطته باعتقال عشرات الأمراء ورجال الأعمال والمسئولين بذريعة محاربة الفساد والتي كانت حقيقة لتحييد كل من يقف عثرة داخل العائلة الحاكمة في طريقه نحو العرش.
ولان بن سلمان يعرف جيدا انه يخلق عداوات كثيرة داخل العائلة الحاكمة بسبب سياساته وتلهفه للعرش بأي ثمن، وجد أنه لا يمكنه الوثوق بالقوات الأمنية والحراسات السعودية. فاتجه إلى حليفه الأميركي. تؤكد التقارير أن بن سلمان استخدم شركات أميركية استشارية وأقام لها مكاتب في قصوره لتكون حاضرة في أي لحظة يحتاج فيها على مشورة. لكن الأخطر كان توجهه لإنشاء جيش رديف أو "جيش ظل" لحمايته وتنفيذ أوامره. فكانت شركة "بلاك ووتر" المشبوهة هي الخيار الأفضل.
بلاك ووتر أسسها "اريك برنس" صاحب التاريخ الأسود في العراق هو وشركته والمتهم بارتكاب جرائم حرب. والملفت انه شقيق وزيرة التعليم في إدارة دونالد ترامب "بيتسي ديفوس". نفذت بلاك ووتر التي تحول اسمها إلى "أكاديمي" أوامر بن سلمان في أكثر من مناسبة أبرزها اعتقال الأمراء وتعذيبهم في فندق الريتز. كما تشير تقارير ومصادر إلى أن عناصر بلاك ووتر هم الذين قتلوا "عبد العزيز الفغم" الحارس الشخصي للملك سلمان بن عبد العزيز في أيلول سبتمبر العام الماضي.
لم يكن اعتقال الأمراء احمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف ونواف بن نايف وآخرين قبل أمس خارج سياق هذه الخطة، وربما تكون المرحلة الأخيرة قبل إعلان بن سلمان نفسه ملكا. ولهذه الخطوة في هذا التوقيت مؤشرات أبرزها أنّ احمد بن عبد العزيز هو الأصلح قانونا والأبرز داخل العائلة الحاكمة. كما أن محمد بن نايف الذي كان يوما ما الرجل الأقوى في المملكة كان المفضل لدى الأميركيين في عهد باراك أوباما.
وقد يكون بن سلمان أدرك أن عليه مسابقة الوقت وتوجيه ضربته الأخيرة قبل حصول تغير غير سار في السياسية الأميركية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل يخرج ترامب من البيت الأبيض ويفسح المجال أمام الديمقراطيين لتصفية حساباتهم مع بن سلمان ومنها مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وعليه يأمل بن سلمان أن تجري خطته كما يتمنى وأن يصل إلى العرش حتى وإن كان على حساب تغيير قواعد العلاقة مع واشنطن وترامب المثير للجدل. حيث تحول أساس العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة من الحماية العسكرية مقابل إمدادات الطاقة إلى الحماية من قبل "بلاك ووتر" مقابل المليارات المجانية. لكن السؤال المهم يبقى هل حيد بن سلمان كل معارضيه و منافسيه أم هناك مفاجأة قد تسيّر الأمور بما لا يرغب ولي العهد؟
ساحة النقاش