انكسار الإرهابيّين المستمر في إدلب.. والعجز التركيّ
الأربعاء ١٢ شباط ٢٠٢٠ 07:17 حسن حردان - مقالات مختارة
التقدّم المتواصل للجيش السوري في محافظة إدلب وغرب حلب، في ظلّ هزيمة المنظمات الإرهابية المسلحة واندحارها عن المدن والبلدات السورية الواحدة تلو الأخرى، بات هو المشهد اليومي المسيطر في هذه المناطق القريبة من الحدود مع تركيا.. هذا المشهد يحصل وسط حالة من الخيبة والذهول تسود أوساط الجماعات الإرهابية وقياداتها من عجز النظام التركي برئاسة رجب أردوغان عن ترجمة تهديداته التي أطلقها ضدّ سورية وروسيا، بالتدخل عسكرياً إذا لم يتمّ وقف هجوم الجيش العربي السوري.. لا سيما أنّ محاولات أردوغان رسم خط أحمر حول مدينة سراقب لمنع سقوطها ذهبت أدراج الرياح، بعد قصف القوات السورية الوحدة العسكرية التركية التي كانت متجهة صوب المدينة ومقتل عدد من الجنود الأتراك.. ولم ينفع رفع منسوب التهديدات، وصولاً إلى استفزاز روسيا، من خلال إعلان أردوغان عدم اعترافه بانضمام جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، وإعلان وقوفه إلى جانب أوكرانيا في نزاعها مع روسيا، حيث أعرب المسئولون الروس عن مواقف أكثر حزماً وصرامة في الوقوف إلى جانب سورية لأجل إنهاء خطر الإرهابيّين في إدلب وغرب حلب، وتحميل تركيا مسؤولية عدم الوفاء بتعهّداتها والتزاماتها باتفاق سوتشي… ولم تتراجع روسيا عن موقفها هذا، في اللقاء المشترك الروسي التركي الذي عقد في الأيام الماضية في أنقرة، حيث كان يراهن أردوغان بأن يؤدي إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار.. لكن الاجتماع لم يصدر عنه أيّ بيان، الأمر الذي أكد ثبات الجانب الروسي على موقفه إزاء عدم التساهل مع بقاء الإرهابيين في المنطقة التي اتفق في سوتشي بأن تكون خالية من الإرهابيين وسلاحهم، بعد أن ماطل وسوف أردوغان في تنفيذ هذا الاتفاق وأضاع الوقت، وفوت عشرات الفرص، لتحقيق ذلك من دون نتيجة، حتى استفحل خطر الإرهابيين الذين تمادوا في اعتداءاتهم على الأحياء السكنية في مدينة حلب، وشنّ الهجمات على قوات الجيش العربي السوري وقاعدة حميميم الروسية…
وعلى الرغم من ارتفاع وتيرة التهديدات التركية والمصحوبة بإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية إلى نقاط المراقبة التركية في إدلب، إلا أن هجوم الجيش السوري استمرّ بقوة وزخم محرراً عشرات المدن والبلدات الجديدة وصولا إلى مشارف مطار تفتناز، وقيامه بقصف الجماعات الإرهابية في المطار مما أدى إلى مقتل خمسة جنود أتراك وجرح عدد مماثل، كانوا متمركزين في المطار على نحو مخالف لاتفاق سوتشي، الذي حدّد نقاط المراقبة التركية، التي باتت ستة منها محاصرة من قبل القوات السورية بعد تقدّمها في عمق إدلب..
لقد أظهرت هذه التطورات النتائج التالية:
النتيجة الأولى، تصميم الجيش السوري على مواصلة هجومه للقضاء على خطر الجماعات الإرهابية المسلحة، وعدم المساومة في استعادة كلّ شبر من الأرض السورية خارج عن سيطرة الدولة، وأن الجيش السوري يملك الجرأة والشجاعة في التصدي لأي تدخل عسكري تركي يستهدف إعاقة تقدمه، وأن التهديدات التركية لا ترهبه أو تحول دون مواصلة تنفيذ مهمته التي أوكلتها إليه قيادته…
النتيجة الثانية، قرار روسيا الحاسم والواضح بالوقوف إلى جانب قرار القيادة السورية في استعادة سيادتها على كلّ أراضيها، وأنّ القيادة الروسية عندما توضع بين خياري دعم سورية وجيشها في استكمال تحرير الأرض السورية من الإرهابيين التكفيريين، ومسايرة الموقف التركي والاستجابة لابتزاز أردوغان، فإنها تختار الوقوف إلى جانب سورية، لسببين:
السبب الأول، لأنّ أولوية روسيا إنما هي محاربة الإرهاب في سورية، لا سيما أنّ قسماً من الإرهابيين المتواجدين في محافظة إدلب هم من مناطق القوقاز، أيّ من أصل روسي، وإنهاء خطرهم في سورية يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار ليس لسورية وحسب، وإنما يحمي أيضاً أمن روسيا..
السبب الثاني، أنّ ما يربط روسيا بسورية مبنى على أساس تحالف استراتيجي، يشمل المجالات كافة، العسكرية والاقتصادية، إلى جانب مواجهة الإرهاب، والهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية، واحترام سيادة واستقلال الدول وفق القوانين والمواثيق الدولية، بينما ما يجمع روسيا مع تركيا إنما هو علاقات تقوم على المصالح الاقتصادية والتقاطع في بعض القضايا، التكتيكية، لأنّ تركيا جزء من حلف الناتو، وتربطها بأمريكا والدول الغربية علاقات استراتيجية، وخلافاتها معهم خلافات تكتيكية…
النتيجة الثالثة، تأكيد العجز التركي في حماية الجماعات الإرهابية المسلحة من هجوم الجيش السوري المدعوم روسيا، وهذا العجز إنما يعود إلى أنّ موازين القوى العسكرية ليست لمصلحة تركيا، وأنّ أيّ مواجهة عسكرية تركية مع سورية ستؤدي إلى صدام تركي مع روسيا وإيران حليفتا سورية وشريكتاها في الحرب ضد القوى الإرهابية، كما ستؤدّي إلى تضرّر مصالح تركيا مع روسيا وإيران، فيما الشعب التركي بمعظمه لا يؤيد تورّط تركيا في حرب مع سورية ليس لها مبرر، لا سيما أنّ انتشار الجيش السوري على الحدود مع تركيا يسقط ذريعة أردوغان للاستمرار في التدخل في سورية تحت عنوان حماية الأمن القومي التركي من خطر وجود قوات الحماية الكردية..
النتيجة الرابعة، خيبة المنظمات الإرهابية المسلحة، من عدم قيام الجيش التركي بالتدخل المباشر لحمايتهم من تقدّم الجيش العربي السوري، وسيادة شعور بالإحباط واليأس من أن تكرّر تركيا، ما فعلته الولايات المتحدة عندما أعلنت تخليها عن دعم الإرهابيين في جنوب سورية عشية بدء الجيش السوري عملية تحرير المنطقة… هذا الإحباط والخذلان في أوساط الإرهابيين عكسته الأنباء التي تحدثت عن حالة من السخط الواسع لدى قواعد الإرهابيين ومناصريهم في إدلب على موقف «الضامن التركي» ضمن مسار أستانة واتفاق سوتشي 2018 من الأحداث الجارية في المحافظة السورية، وقد تجلى هذا الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأحاديث بين الناس وترجمته مظاهرة يوم الجمعة الفائت بالقرب من معبر باب الهوى مع تركيا شمال إدلب…
ساحة النقاش