وسطية للثقـافــة والحـوار

اشراف: صالح أبو العباس


بكل تعجب أستعيد من ذاكرتي الفترة التي تولى فيها المجلس العسكري إدارة شئون البلاد، عقب رحيل مبارك ، وكيف وثق فيهم المصريون ، وانصاعوا لإرادتهم .
ولم تمر أيام ، حتى شكك البعض في ولاء الجيش للإخوان ، واحتمالية تسليمهم السلطة لشعبيتهم وقوة تنظيمهم ، وذلك عقب استفتاء مارس 2011 .

وحينها انقسم الشارع المصري في نظرته للجيش ؛ فالبعض راهن على بقاء الجيش في السلطة وعدم تركها بسهولة ، أو على الأقل الحصول على نصيب كبير منها .
وعندها هتفوا بما يعبر عن قلقهم ، ( يسقط يسقط حكم العسكر ) ،وطالبوه بالرحيل (قولها متخفشي.. العسكر لازم يمشي ).
والبعض الآخر وهم معظم الاسلاميين ،رأوا أنها فترة انتقالية ولابد من وجوده لحماية البلاد ، مع الضغط الشعبي عليه لوضع جدول زمني لتسليم السلطة ورسم خارطة طريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ، و تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب .
وانتهى الأمر بعد محاولات ومراوغات من جانبهم للبقاء في السلطة،والبحث عن دور يضمن لهم الحصول على بعض المكاسب والمميزات ،ولكن الله سلم ولطف ، وخرج العسكر من المشهد السياسي بطريقة أذهات العالم كله، وكانت بمثابة معجزة سياسية لم يتخيلها الناس .
وتولى الرئيس مرسي الحكم بسلطة كاملة غير منقوصة ، واسبشر الكل وفرح بالخروج الكامل للعسكر من السلطة ، ليعودوا إلى ثكناتهم ، ومكانتهم العالية المحفوظة في صدور كل المصريين، ومهامهم التي لا يقوم بها غيرهم ، فهم الأقدر على حماية الثغور والحدود والدفاع عن البلاد ضد أي عدو خارجي متربص .
ودارت عجلة الحياة ، واكتملت معظم مؤسسات الدولة أو كادت أن تكتمل ، وكاد الشعب أن يستريح من عناء الفترة الانتقالية وبناء كافة المؤسسات ، إلا أن التحديات والعقبات والمخططات كانت واضحة وكبيرة ،لإرباك المشهد وإحداث عراقيل أمام الرئيس لمنع التحول نحو البناء والاستقرار .
وسواء كانت مؤسسة الرئاسة أو الحكومة مسؤولة عن العديد من الاخفاقات ووضعف الأداء ،والتخبط في بعض الفرارات ،أم تتحمل المعارضة الجزء الآخر من المسؤلية لدعمها موجات العنف واسباغ الغطاء السياسي لأعمال الفوضى والتخريب .
والغريب والعجيب في المشهد السياسي هي التصريحات والأصوات المنادية لاستدعاء العسكر في الحياة السياسية ، ونزوله ميدان الصراعات السياسية والعودة به لتولي السلطة ، وإدارة شئون البلاد .
فتارة تجد البعض ينادي صراحة بإزاحة النظام الحالي عنوة ، والبعض يطالبه بالدخول على الخط لردع مؤسسة الرئاسة ، وبعضهم يصرح بدخوله حلبة الحوار ولعب دور الطرف القوي الذي يؤثر في القرارات ، وبعضهم يدخله للصدام مع الاسلامييين كقوة منظمة أمام قوة تنظيمهم ( فلا يفل الحديد إلا الحديد ).
ونسى هؤلاء جميعا في غمر تصريحاتهم الغير محسبوبة وشدة عداوتهم للإخوان المسلمين ؛خطورة هذ الكلام ، وأثره على مدعي الديمقراطية ودعاة اللبرالية ،وحكماء الدولة المدنية وأرباب التيار المدني .
. والأخطر من ذلك هو أثره على دولة القانون ،والمؤسسات واستقرارالبلاد وتحقيق التحول الديمقراطي وتداول السلطة ومشاركة الشعب في صنع القرار الوطني
وكأنهم أرادولذاكرة التاريخ أن تنسى الفترة الماضية التي حكم فيها العسكر شئون البلاد ومدى التخبط الذى لازلنا نعيش آثاره حتى الآن ،وأن ما نحياه اليوم مشكلات أغلبها من توابع حكمهم وأخطائهم وعدم خبرتهم .
وأن خبرتهم بالحياة السياسية هي التي جعلت من ينادون بعودتهم اليوم هم الذين هتفوا يومها بحناجر قوية : ( يسقط حكم العسكر ) .
ألا يظن أولئك الذين ينادون بعودة العسكر لحكم البلاد ؛أن العسكر هم الذين حكموا مصر أكثر من ستين سنة ، وأن ما نعيشه من فساد وإقصاء واستبداد وديكتاتورية هو حصاد حكمهم ؟!!!1
وأسأل هؤلاء المنادين بحكم العسكر سؤلاً : هل حَكَمَ العسكر دولة وتقدمت ونمت وتطورت ؟!! . أو هل يسمح العسكربالوقوف امام مكتب إرشاده، ورسم جرافيت مسيئ إليهم أويقبل بحرق مقراته ومحاولة اغتيال بعض رموزه كما حدث مع الإخوان .

.ولكن يا سادة : ليس الحل هو استدعاءالعسكر لحكم البلاد ،لان العسكر أنفسهم لا يغامرون بسمعتهم مرتين ؛ولا يراهنون على مزاج بعض الثواروأطفال الشوارع والمرتزقة السياسيين ، ويعرفون أيضاً خطورة الإقدام على هذه الخطوة وعواقبها الوخيمة من كل الجوانب .
والأخطار الجسيمة داخلياً وخارجياً ، والسيناريوهات المحتملة والفخاخ المدسوسة لهم عند دخولهم حلبة الصراعات السياسية مرة اخرى .
ونسى هؤلاء أن الشعب المصري وحده هو صاحب الإرادة وليس هؤلاء ، وأن مصير الأمة لا يكون في يد بعض الأوصياء من المعارضة إن جاز التعبيرأوبعض الخاسرين في الانتخابات أوبعض الفلول والبلطجية الماجورين والبلاك بلوك وغيرهم .
واهمس في آذان المنادين بعودة حكم العسكر : هل هذه هى الديمقراطية والمدنية وصناديق الانتخابات والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية
؟ وهل عودة حكم العسكر يحقق مطالب الثورة وأهداف الثواروويعيد حق الشهداء؟!!!!!
وأوكد أخيراً: أن الجيش هو مؤسسة وطنية محايدة ، ملك الشعب كله، وعلى مسافة واحدة من كل أفراده ، وليس مطلوب منه الدخول في مهاترات سياسية ، فالافضل له وللجميع ان يتفرغ الجيش لوظيفتة العظيمة في حماية الوطن وحدوده
،وحفظ امنه القومي .. لا ان يستخدمه البعض في الضغط غلى فصيل دون فصيل ، أوالانقلاب على إرادة الشعب، فلن يسمح لهم أحد بذلك .
والعجيب ممن ينادون بعودة حكم العسكر ؛ ليس عندهم تصوّر ؛ ماذا بعد عودة العسكر للحكم ؟ هل يضع دستوراً بمفرده ؟أم يختارمجلسا رئاسيا،كل ذلك دون إرادة شعبية وموافقة مجتمعية ، أم هل سيجري انتخابات حرة ونزيهة ؟ !! وماذا لو أتت الصناديق بنفس الخيارات ؟!!!
فليس الحل في استدعاء العسكر ؛ وانما في الوصول إلي حل لهذه الأزمة بالجلوس على مائدة الحوار وطرح كافة مسائل الخلاف ،والخروج منه بما يحقق التوافق الوطني والتنازل من أجل مصلحة الوطن .
كتبه / محمدابوالعباس 20 /3 /2013

wasatya

وسطية للثقافة والحوار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 107 مشاهدة
نشرت فى 20 مارس 2013 بواسطة wasatya

وسطية للثقافة والحوار

wasatya
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,972