يخطئ البعض حين يسعى لإرضاء ضميره، وبذل أقصى ما في وسعه لإسعاد من حوله، فيتفانى في عمله، ومع أفراد أسرته وكل الوسط المحيط به، ويستمر في عطائه اللامحدود، حتى يصل به الأمر إلى درجة الإعياء، فتنخفض قدراته ويقل جهده، ولايستطيع أن يفي بوعده، بعد أن نفذت طاقة الكرم في نفسه، وفي الوقت الذي يحتاج فيه إلى من يدعم أواصر الحب في خلايا شعوره، كي يقاوم ما تبقى لديه من أمل في العودة إلى سابق عهده، يجد أن الكل ينهال عليه باللوم، بأنه أصبح مقصرًا في حقهم، بل ويزيدون من آلامه بهذا العتاب الذي يجعله يقوم بجلد ذاته، على ما قدم من سذاجة حبّ حُسبت عليه لا له، وأصبحت فرض عين مطالب بها، ولا تقبل له أي شفاعة، فلا علل ولا مرض ولا يأس، فكل هذا لا يهم، المهم هو مصالحهم التي انقطعت، لماذا توقف عن ذلك السيل من السعادة التي كان يبثها في أرجاء المحيطين؟
في الوقت الذي يجد غيره يشكر على أقل جهد يبذله، لا لشيء سوى أنهم لم يعتادوا منه على العطاء، فأصبح يمجد على هذا الفتات القليل الذي يجود به، لعله يستمر، فعندما نقارن بين هذين الصنفين، فنجد الأول أعطى حتى أصابه الألم، ولم يقدر، بينما الصنف الثاني كان نادر العطاء، فأضحى القريب والبعيد يقدم له ترانيم الشكر ليل نهار، لشيء لا يستحق الذكر، اختر لنفسك.. من أي صنف تحب أن تكون ؟
فالمثالية تفتك بأهلها، ولا عزاء لمن أجزل في الجود، حتى أضحى عطاؤه بلا قيمة، وتحية لمن يصنع لنفسه مكانة بين الآخرين، دون أن يكلف نفسه فوق طاقتها....