د. توفيق المهدي حســــان

 

 

 

      التسمم الغذائي بفاكهة الدلاع                  الواقع واجراءات التحري عن الأسباب

                أ.د. توفيــق المهدي حســان                  قسـم علوم وتقنية الأغذية – كلية الزراعة – جامعة طرابلس

 

 تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي منذ أسبوعين خبر تسجيل حالات تسمم غذائي لعدد لا يتزاوج 20 شخصا من جراء استهلاك فاكهة الدلاع المنتج في المنطقة الوسطي، وقد وردت هذه الحالات وفق الاخبار المتداولة الي مستشفي ابن سينا بمدينة سرت. ثم صدر بيان صحفي من المجلس البلدي سرت ينفي حدوث حالات تسمم من الدلاع وان الإجراءات قد اتخذت بشأن متابعة وتحري الوضع وتحويل عينات من الدلاع الي مركز الرقابة علي الأغذية والأدوية للتأكد من سلامة الدلاع المنتج بالمنطقة من اجل تطمين المواطنين. وبناء عليه صدر بيان من مكتب الشؤون الصحية بسرت يفيد بأن نتائج التحاليل الصادرة عن مركز الرقابة على الأغذية والأدوية تفيد بمطابقة عينات الدلاع المحالة اليه للمواصفة القياسية المعتمدة بالخصوص.

 

وبهذه المناسبة وانطلاقا من المسئولية الوطنية الملقاة على المختصين في مجال سلامة الأغذية وبصفتي احد المهتمين بهذا الموضوع فالواجب الوطني يحتم علي المشاركة بخبرتي العلمية والعملية في اثراء هذا الموضوع بتناوله من الناحية العلمية والعملية البحثة خدمة للمستهلك والمزارع وللجهات العامة المعنية بهذا الموضوع وذلك فيما يخص أسلوب رصد وتحري حالات التسمم الغذائي عند حدوثها وبهدف أيضا المساهمة في توعية وتحسيس المواطن بموضوع التسمم الغذائي الذي كثر الحديث عنه في السنوات الأخيرة وبالتحديد الاخطار الكامنة والمحتملة في فاكهة الدلاع وما يجب اتخاذه من إجراءات من قبل الجهات المختصة في مثل هذه الحالات.

 

أولا: ما هي مسببات التسمم الغذائي من استهلاك فاكهة الدلاع؟

 

تحدث حالات التسمم الغذائي من تناول فاكهة الدلاع بأحد الأسباب التالية:

 

أ. ارتفاع نسبة النترات في فاكهة الدلاع نتيجة الافراط في استخدام الأسمدة الازوتية في الحقل مما يترتب عنه تراكمها في التربة وتلويثها للمياه الجوفية وهذه النترات تتحول داخل جسم الانسان الي نيتريت والتي تعيق نقل الاكسجين الي خلايا الجسم.

 

ب. الافراط في استخدام المبيدات وعدم التقيد بأتباع طرق الزراعة الجيدة في استخدام المبيدات من حيث الكمية والنوع ومراعاة فترة السماح قبل تسويق المحصول.

 

جـ. تلوث الدلاع بعوامل بيولوجية مسببة لحالات التسمم مثل البكتريا والفيروسات والطفيليات. وربما يتساءل المواطن عن كيفية حدوت تلوث للدلاع وهو محمي بقشرته الغليظة. وهنا نؤكد ان الدلاع عرضة للتلوث خلال مراحل تداوله من الحقل وحتى وصوله الي مائدة المستهلك، وبالتالي إذا لم تتبع الطرق الصحيحة في تجهيزه في البيت لتفادي انتقال هذه الملوثات الي لب الدلاع فأنه سيشكل خطورة على صحة المستهلك. وبهذه المناسبة وللتأكيد علي هذه المعلومة فقد سجلت حالات تسمم من الدلاع في سنوات ماضية بمنطقة الكريمية وعند تتبع الموضوع واجراء التحاليل تبين ان المسبب كان بكتريا الشيجلا (Shieglla) وربما يكون مصدرها تعرض الدلاع للتلوث العرضي من العمالة الوافدة في تلك الفترة او لاستخدام الأسمدة العضوية. وبالرجوع الى التقرير الصادر عن هيـئة دستور الأغذية يتبين ان معظم حالات التسمم الغذائي من استهلاك فاكهة الدلاع بأنواعها والتي سجلت في عدة بلدان من العالم خلال الفترة 1950 – 2011 كانت بسبب تلوث بيولوجي والتي بلغت 85 تفشي تسمم غذائي وكانت نسبة الحالات المتأتية من الدلاع مباشرة  16% وأشار التقرير الي ان عدد الحالات المسجلة في كل تفشي تراوح من 1 – 600 حالة. حيث كانت بكتريا السالمونيلا المتسبب الرئيسي في هذه الحالات بنسبة 47% يليها فيروس نورو فيروس بنسبة 22% يليها بكتريا ايشريشيا كولاي 0157:H7 بنسبة 6%.

 

ثانيا: ماهي الإجراءات الواجب اتباعها عند تسجيل حالات تسمم غذائي؟

 

عند استقبال الحالة وتوثيق الاعراض وتشخيص الحالة فالأمر يتطلب تحويل عينة من دم و/او براز المصاب للمختبر لتأكيد التشخيص بالكشف عن الكائن المتسبب في الحالة وكذلك العمل قدر الإمكان على الحصول على عينة من نفس الطعام المتناول من قبل المستهلك لتأكيد النتائج السابقة. اما اذا كانت الاعراض تشير الي احتمالية التسمم بمواد كيميائية فيجب اخضاع عينة من الغذاء المتناول من قبل المصاب وكذلك عينة من دمه للتحليل للكشف عن المبيدات و/او النترات وذلك بعد التقصي والتحري لجمع المعلومات عن المبيدات المتداولة في منطقة انتاج المحصول وأيضا اخذ عينة من التربة وعينة من المحصول الموجود بالحقل.

 

مما سبق توضيحه يتبين ان الإجراءات التي قام بها مركز الرقابة على الأغذية والأدوية في تحليل العينات المحالة اليه ومطابقتها للمواصفة القياسية المعتمدة لا تعتبر كافية وذلك للأسباب التالية:

 

1.     العينات التي حولت لمركز الرقابة علي الأغذية والأدوية غير ممثلة للعينة الفعلية التي تناولها المصابون وتسببت في حالات التسمم الغذائي خاصة اذا كان سبب الحالة بيولوجي وليس كيميائي وهو الأرجح في هذه الحالة وفق ما صدر عن مكتب الشؤون الزراعية بالمنطقة حيث أشار الي سلامة الفاكهة من المخاطر الكيميائية. وهذا لا يلام عليه مركز الرقابة علي الأغذية والأدوية وانما يوجه اللوم للجهات الصحية التي استقبلت الحالات وشخصتها حيث كان من المفترض اخضاع عينات من براز ودم المصابين للتحليل البكتريولوجي لاستبعاد او تأكيد العامل البيولوجي في احداث التسمم. وكذلك إمكانية تحليل عينة الفاكهة التي بالفعل تناولها المصابون.

 

2.     اخضاع العينات المستلمة من قبل مركز الرقابة على الأغذية والأدوية للكشف علي المبيدات بها والواردة في المواصفة القياسية المعتمدة والخاصة بفاكهة الدلاع يعتبر غير كافي حيث ان مسميات المبيدات الواردة في المواصفة هي المبيدات المسموح باستخدامها وفق التشريعات الدولية النافذة والتي استندت عليها اللجنة المكلفة من مركز المواصفات والمعايير القياسية بوضع هذه المواصفة. ولا يخفي علي احد وضع وحالة استخدام المبيدات المفرط وتداولها داخل السوق الليبي وغياب الرقابة الصارمة علي تقنين استخدامها وتسويقها داخل ليبيا. ومن ذلك يتضح انه كان لزاما علي مكتب الشؤون الزراعية بالمنطقة الوسطي عند تحويل العينات للمركز ان يزوده بمعلومات أولية عن المبيدات المتداولة عامة ولمحصول الدلاع خاصة في المنطقة من قبل المزارعين من خلال مسح ميداني بسيط وسحب عينات من التربة لبعض مزارع الدلاع حتي يتمكن المركز من إعطاء نتائج تمثل الواقع.

 

وللتقليل او منع حالات التسمم الغذائي مستقبلا فمن الضروري العمل علي تحقيق الاتي:

 

أ‌.        اصدار قرار ينظم القواعد اللازمة لتلافي حدوث حالات التسمم الغذائي والإجراءات الواجب اتباعها حيال ما يحدث من حالات.

 

ب‌.   تحديد قواعد ومواصفات واشتراطات (إجراءات) واضحة تضمن جودة ونوعية الغذاء وسلامته خاصة للأغذية والسلع التي تستهلك طازجة.

 

جـ. إقرار أساليب التحري عن مصادر وأسباب التسمم الغذائي والوقاية منه.

 

عـ. تحديد آليات ضبظ ومراقبة تنفيذ تلك القواعد والمواصفات والاشتراطات من اجل تحقيق هدف رئيسي وهو وقاية وحماية المستهلك من مخاطر التسمم الغذائي.

 

هـ. العمل على تعريف العاملين المختصين في البلديات خصوصا في مكاتب الاصحاح البيئي بالإجراءات والقواعد السليمة الواجب القيام بها عند حدوث حالات التسمم الغذائي تجاه المرضي والمخالطين والأغذية المشتبه بها. وهذا يتطلب استصدار دليل يختص بأدارة حالات التسمم الغذائي وكيفية توثيقها ليكون مرجعية للعاملين بهذه المكاتب والجهات ذات العلاقة بهذا الموضوع.

 

وفق الله الجميع لما فيه خير البلاد

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 220 مشاهدة
نشرت فى 7 يوليو 2019 بواسطة twfkhassan

ساحة النقاش

د. توفيق المهدي حســــان

twfkhassan
المؤهل العلمي: دكتوراه في مجال علوم وتقنية الأغذية من جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة الامريكية سنة 1982. الدرجة الاكاديمية: أستاذ المهنة: عضو هيئة تدريس جامعي منذ سنة 1982. رئيس اللجنة الفنية المتخصصة في مجال المواصفات الخاصة بالأغذية من مصدر حيواني بالمركز الوطني للمواصفات والمعايير القياسية، ليبيا. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

54,267