هي لغة النار إذن.. نعم هي لغتي منذ اليوم!. مادام صوت الخنوثة قد علا، فتردد دويه في أرجاء الوطن!، مادامت الخيول الخصية ـ على عكس ما ينبئنا المثل البدوي ـ تصهل في وجوهنا!!.
هي لغة النار إذن ما دام سياسيو العصر البائد ـ على عهدهم ـ يمارسون العهر علانية!، فلا زاجر لهم من دين أو ضمير أو وطنية!.
وأنى يزجرهم ذاك ـ اليوم ـ وقد لاحت أمام أفئدتهم الظمأة سراب المغانم!، فاندفعوا ـ لا يلوون على شئ ـ يتسابقون إليه لعله يصدقهم!!، وكانوا بالأمس القريب ـ أبدا ـ لا يأنفون اقتراف تلك الفحشاء وقد صعر لهم الأمل خده!.
بيد أن بعضهم كان يستتر، أما اليوم فلا ستر ولا حياء!، بل هو السعار أصابهم!، فمضوا كالكلاب الضالة يعوي بعضها على بعضها!، متحلقين حول عظمة ألقي بها إليهم!!.
هي لغة النار إذن وأنا أبصر عبيدا غريبي الأطوار، قد نصّبوا الأنصاف والأشباه أسيادا لهم!، وبذروا جهدهم في أرض أسيادهم البور فلم تثمر إلا الخيبة والحسرة، ليداوم هؤلاء العبيد على خدمة أسيادهم أولئك كأنها قدر لا راد له!!. وإذا ما سائلت أحدهم ما الذي يسوقك إلى ذلك أيها العبد الشقي؟! أخبرك (لا فض فوه) أنه يخدم الفكرة، لا هؤلاء!.
أي فكرة؟! أفقاعة الهواء تلك هي الفكرة؟! أهي هي التي أنبئنا عنها هيرقليطس أنها أغلى عليه من عرش فارس؟!.
إن أولئك كمثل أهل الكهف في أمثولة أفلاطون الإلهي؛ لم يحتط الخيال لخداعهم بل مر ـ يتهادى ـ أمام أبصارهم، ليخيل إليهم أنه حقيقة لا مراء فيها، فاعتقدوا بها!!.
هي لغة النار إذن وأنا أشاهد القسمة غير العادلة بين خنوع "نعم" وتمرد "لا"!.
هي لغة النار إذن وأن أرى الفضلاء يعاقبون على فضيلتهم مرة تلو المرة، حتى لتكاد الفضيلة تبارح أرواحهم، كما يبارح الدخان النار إذا همدت!.
هي لغة النار إذن وأنا أرقب الهوام تطن في كل مكان، ليصيب طنينها الثوار الأصلاء بالصداع والغثيان، فيسارعوا إلى العزلة!.
ومن هؤلاء الأصلاء؟!، انهم من لا يفاخرون بالثورة، إذ لا يفاخر بها إلا العبيد، أم أولئك فقد جبلوا من نارها، فهي أصيلة في تكوينهم.
هي لغة النار إذن وقد أحاطت أبصار الساكنين مطالع النور وادينا ــ بنظرات ملؤها الأسى والغضب!، إذ أبصروا المسوخ الباردة تنقع غلتها من نهر شقه هم، وأسالوا فيه دمائهم، لتروي الأرض العطشى، فتنبت ـ لأهاليهم ـ حرية وكرامة وعدالة، لكن هذه المسوخ عز عليها أن يظلل الناس هذا النبت الشريف!!، فتكرعوا في وجوه الجماهير ـ بعد أن ارتوت عروقهم ـ أقوالا وأفكارا مسمومة، سممت عقول كثيرين، وأفسدت عليهم رجولتهم، فأضحوا خصيان ـ لا يثيرهم شئ ـ تسيرهم تلك المسوخ الباردة المخنثة!!.
هي لغة النار إذن. نعم هي لغتي منذ اليوم
الكاتب : / محمد السيد الطناوى
ساحة النقاش