د. سامى الطوخى - استشارى التدريب فى العلوم الادارية والقانونية والقضائية

الإدارة بالشفافية الطريق للتنمية والإصلاح الإدارى

 وتطوير المنظمات

إعداد :

د.سامى الطوخى

وكيل مركز الاستشارات والبحوث والتطوير

أكاديمية السادات للعلوم الإدارية

أولا : مقدمة :

  تعيش مصر الآن بكافة منظماتها مع مطلع الألفية الثالثة منظومة من المتغيرات المتعلقة بكافة المفاهيم المرتبطة بالتنمية المستدامة فى شتى المجالات التنموية " السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، الفنية، الإدارية ، البيئية ،التكنولوجية والقانونية  " وذلك نتيجة الأحداث والمتغيرات العالمية التى شهدتها تلك المجالات التنموية ، والتي كان أبرزها الطفرة التكنولوجية الهائلة والتى زادت من أقتراب العالم بعضه ببعض نتيجة لأرتباطة بشبكة عنكبوتية للأنترنت والاقمار الصناعية ، مما جعل رياح التغيير والتقدم خاصة فى الدول المتقدمة،تحت سمع وبصر كل من يريد اللحاق بهم من الدول النامية أو الأقل تقدماً ، وهو ما دعا البعض الى أن يطلق على هذه الفترة من حياة الأمم ، بعصر العولمة أو العصر الرقمى أو عصر المعرفة.

ولقد أتاحت لنا تلك المتغيرات العالمية والمحلية أن نعرف ونسمع ونرى ونقارن " حكومة وشعباً أفراداً ومنظمات وشركات" بين جملة مفاهيم ، ونثير مع أنفسنا ومع بعضنا البعض العديد من التساؤلات منها:

§       كيف نعيش نحن " حكومة وشعبا ومنظمات " وكيف يعيش ويعمل النظراء الآخرين فى الدول الأكثر تقدما ؟.

§       كيف ترفع المبادئ والروئ والأهداف والرسائل وكيف تطبق فى حياتنا ،وكيف ترفع وتطبق فى حياة الدول الأكثر تقدما ؟

§       ما هى مواردنا المادية والبشرية التى نمتلكها سابقا وحاليا وما هى الموارد المادية والبشرية التى يمتلكها الآخرون فى الدول الأخرى الأكثر تقدما فى الماضى والحاضر ؟

§       ما هى مفاهيم ونظم الحكم والإدارة والتنمية التى تحكم وتنظم حياتنا ومعيشتنا وما هى المفاهيم النظيرة السائدة والتى تنظم حياة وموكب التنمية والتقدم فى الدول الأكثر تقدما؟

إن معرفة الإجابة الصحيحة والحقيقة العلمية والمنهجية على تلك التساؤلات ، لسوف تقودنا بالضرورة الى حتمية الإقرار والتسليم بعدة حقائق علمية هامة منها:

1-  أنه لا توجد أدلة تؤكد علاقة أرتباطية قوية بين تفوق الدول أو المنظمات وتميزها وبين ما يمكن أن يتوافر لديها من أموال وأسواق وتكنولوجيا ، بينما تؤكد الأدلة على وجود هذه العلاقة بين تفوق الدول والمنظمات وتميزها وما لديها من أنظمة إدارية واقتصادية  واجتماعية وسياسية وبيئية وقانونية سليمة تشكل أطاراً صحيحا ومقومات أساسية لأحداث التنمية وموارد بشرية لديها القدرة والرغبة على تطبيق تلك النظم وحمايتها والتحسين المستمر لها، ولعلنا نعرف أن هناك الكثير من الشعوب مثل اليابانيون الذين لم يمتلكوا أى موارد مادية ، ولكنهم مع ذلك أعادو تأهيل مواردهم البشرية ثم صنعوا مواردهم المادية وحضارتهم التى يحصدوا ثمارها اليوم ، ونرى مصر كدولة ومنظمات وأفراد كيف تمتلك بالمقارنة العديد من الموارد الطبيعية وكيف أن العديد من منظماتها تمتلك العديد من الأمكانات والموارد المتمثلة فى المبانى اللازمة لأداء الوظائف والأنشطة أو الأجهزة أو غيرها ، وبالرغم من ذلك فإن هناك الكثير من تلك الموارد معطلة أو غير مستغلة الإستغلال الأمثل والرشيد ، ولعل أحد أهم أسباب ذلك عدم وجود الأنظمة السليمة التى تحكم وتنظم الوظائف والأنشطة التى تؤديها منظماتنا ( حكومية اومنظمات مجتمع مدنى اوشركات خاصة ) أو وجود تلك الأنظمة وعدم وجود الأفراد المؤهلين على تطبيقها بشكل جيد.

2-  إن الأنظمة الإدارية السليمة والموارد البشرية المؤهلة فنيا ومعنويا يوفران مناخ عمل به قليل من اللوائح الجامدة وقدر ضئيل من تدخل الإدارة العليا ودرجة عالية من المرونة والحرية فى التفكير والإدارة والتصرف.

3-   إن الأنظمة الإدارية السليمة ، هي التي تعمل على تحقيق جودة النظم وخاصة الإدارة بالشفافية وهى تؤدى إلى :نتائج ايجابية هامه أهمها:

·        رضاء العملاء متلقى الخدمات والسلع

·        رضاء العاملين صانعى ومقدمى الخدمات والسلع

·        رضاء الممولين والمانحين بمعرفة كيف أنفقت أموالهم ولماذا أو هل هناك عائد حقيقى على الاستثمار أم لا

 

 

4- أن الأنظمة الإدارية الصحيحة ، هى التى تعمل جودة النظم وينتج عن ذلك :

·        الإبتكار  والإبداع

·        التكلفة

·        رضاء العملاء " متلقى ومقدمى الخدمة والممولين "

أن هناك حد أدنى من المقومات الأساسية لهذا لنوفر بيئة داعمة للتميز منها:

§       وجود هياكل تنظيمية تعمق الاستعداد والرغبة فى الابتكار والأبداع لدى جميع أفراد الموارد البشرية فى المنظمة.

§       وجود مجموعة من السياسات والنظم اللائحية والثقافية التنظيمية التى تعمق أقتناع كافة أفراد التنظيم بأن  رؤية ورسالة وأهداف منظمتهم لا يمكن تحقيقها إلا من خلال جودة النظم الإدارية واللائحية المطبقة والتى تستهدف جميعها رضاء عملاء المنظمة.

§       وجود مفاهيم راسخة لدى كافة أفراد المنظمة بإن النظم الادارية واللائحية وغيرها المطبقة تقتضى دائما التحسين المستمر وهو الأمر الذى يؤدى الى التميز المستمر.

5-   وتأتى الادارة بالشفافية كأحد اهم اركان مقومات ومحاور نجاح التنمية المستدامة ، لانها توفر  العمل فى بيئة تتسم بالشفافية التامة  فتؤدى الى جودة الاداء البشرى والمؤسسى وبالتالى تمكن شركاء التنمية ( الحكومة + القطاع الخاص  + منظمات المجتمع المدنى+ المواطنين )  من الوصول الى الاهداف ودفع حركة التقدم والنهوض بالمجتمع نحو حضارة انجاز عالى

 

أن جودة الأداء البشرى والمؤسسي يستلزم تطبيق فعال لنظم الإدارة بالشفافية على كافة إطراف شركاء التنمية المستدامة وهم ( الحكومة – القطاع الخاص –  منظمات المجتمع المدنى )

 

 

ثانيا: شفافية المنظمات الحكومية من مستلزمات حوكمة الشركات :

ان المبادئ الاساسية لحوكمة الشركات والتى تتمثل فى وجوب التزام الحكومة بالعمل على توفير إطار فعال لحوكمة الشركات  والمحافظة على حقوق المساهمين  والمعاملة العادلة لهم فضلا عن ضمان حقوق ومصالح الأطراف ذات المصلحة أو الصلة      (Stakeholders)  بالنسبة للقواعد المنظمة لحوكمة الشركات  وسن قواعد قانونية واطر تنظيمية تتيح بيئة من الإفصاح والشفافية  وتتحقق معها مسئوليات مجلس الإدارة امام كافة الاطراف ذات الشأن .

وهو ما يقتضى أن تتمتع الهيئات الحكومية الإشرافية والتنظيمية والرقابية المسئولة عن تنفيذ القانون الخاص بالشركات بالسلطة والنزاهة والموضوعية وهو ما يستلزم حتمية خضوع تلك الهيئات الحكومية لمبدأ الشفافية فى إدارة الشئون العامة حتى يمكن لتك الهيئات الحكومية ان تعمل على رفع مستوى الشفافية وكفاءة الأسواق ، الامر الذى يؤدى الى التأثير الايجابى  على الأداء الاقتصادي الكلي، ونزاهة السوق، والحوافز التي تخلقها للمشاركين بالسوق، والترويج  لشفافية وكفاءة الأسواق .

ثانيا :أهمية الإدارة بالشفافية[1][1] :

     من أراد أن يتعرف على عناصر ومقومات حضارة وتقدم أمة ما ، فلينظر الى نظمها القانونية والإدارية التى تحكم وتنظم إدارة شئونها العامة ، فتلك النظم هى عوامل ومرآة تقدمها او تخلفها ، لما لها من تأثير عظيم ومباشر على كيفية أداء وسلوك الحكومة والجهاز الإدارى التابع لها فى ممارسة وإدارة الشئون العامة ، لإحداث بيئة عامة مواتية للتنمية الشاملة والمستدامة فى كافة المجالات التنموية ، وبهدف اشباع الحاجات المختلفة للمواطنين فى المجتمع من السلع والخدمات وتوفير الرفاهية لجميع أفراد الشعب وبما يحقق رضاءهم عن مستوى السلع والخدمات المقدمة وعن أداء السلطة التنفيذية والجهاز الإدارى التابع لها .

      وفى المجتمعات الحرة الديموقراطية ، والتى بلغ فيها المواطنون عصر الرشد وأيقن جميع الأطراف أن الحكومة ليست أكثر من وكيل عن شعبها فى إدارة شئونه العامة ، وبالتالى أصبح من حق المواطنين ، ليس فقط أختيار حكامهم ، او من يمثلهم ، وانما أيضاً الحق فى توجيهم بل ومشاركتهم صناعة القرارات ومحاسبتهم ، وهو ما يقتضى حتماً وضع الحكومة والجهاز الإدارى التابع لها ، تحت ضوء الشمس للفحص والتدقيق العام فى مجتمع ينبغى أن يكون مفتوحاً فى علاقة الحكومة بالمواطنين .

وفى مجتمع مفتوح حقاً سوف نجد أن القاعدة الطبيعية هى أن الحكومة لا تسير أمور الناس خلف ابواب مغلقة ، فالإجراءات التشريعية والقضائية والتنفيذية والإدارية ، يجب أن تكون مفتوحة للجمهور أثناء إعدادها وصناعتها واتخاذها وتنفيذها ، وذلك كاجراء عادى وروتينى . فإذا كان الظلام هو بيئة الأعمال التى تتسم بالسرية حيث لا يستطيع المرء أن يتبين حقيقة الأشياء ، فإن النور هو بيئة الأعمال التى تتسم بالشفافية حيث يستطيع الانسان أن يتبين الحقيقة كاملة.

وفى البلاد الحرة المتقدمة فإن مبدأ الشفافية والمشاركة ( السياسية والإدارية) فى إدارة الشئون العامة أضحى من المبادئ الاساسية التى تقوم عليها كافة أنظمة هذه الدول ، وأصبحت السرية مجرد أستثناءٍ محدودٍ ومحصورٍ وموقوتٍ وقابلٍ للجدل والانتقاص يوماً بعد يوم لصالح الشفافية كمبدأ عام ، ذلك المبدأ الذى يجب أن يحكم ويسود كافة انشطة ووظائف وأعمال الحكومة وجهازها الإدارى ، وباعتبار أن الشفافية أحد الشروط والمقومات الأساسية للتنمية الشاملة والمستدامة فى كافة المجالات التنموية ، وبمعنى آخر فهى أحد أهم الشروط للحكم الجيد (Good Governance)  ، وباعتبار أن المجتمع غير المطلع جيداً لا يمكن أعتباره مجتمعاً حراً .

     إن أهمية تقرير وتفعيل الشفافية كمبدأ عام فى إدارة الشئون العامة ، لا يمكن بأى حال حصر فوائده فى شتى مجالات حياة الانسان والشعوب والحكومات على وجه العموم ، ذلك أن الأهداف التنموية والقضاء على الفقر ورفع المستويات المعيشية للشعوب وتحقيق الحكم والإدارة الديموقراطية وحماية حقوق الانسان والاصلاح الإدارى ، والسياسى والاقتصادى والاجتماعى والتعليمى والابتكارى التطويرى والوقاية من الفساد ونجاح الادارة فى اداء وظائفها بل ونجاح السلطتين التشريعية والقضائية وغيرها ، أمور لا يمكن تحقيقها إلا مع وجود مبدأ عام للشفافية والمشاركة فى إدارة كافة الشئون العامة فى الدولة بكافة مؤسساتها بصفة عامة وأعمال الإدارة بصفة خاصة .ذلك " أن سلطة التكتم على حقائق الحكومة ما هي إلاّ سلطة تدمير لتلك الحكومة."*

ولذلك فإن الشفافية فى أعمال الإدارة تعد – وبحق – الطريق الى التنمية وبناء المنظمات والإصلاح الإدارى ، فالمصلحة العامة والحريات ، وحقوق الأفراد قبل الدولة او الشركات لا تتحقق على نحو دائم وصحيح ومتوافق مع مبدأ المشروعية إلا فى ظل مبدأ عام للشفافية يسود كافة أنشطة ووظائف وأعمال الحكومة وجهازها الإدارى.

     أن الحقائق التى تؤكدها الدراسة المقارنة للتجارب المختلفة  فى الكثير من دول العالم  لتبرهن على مجموعة من الحقائق الهامة فى مجال التنمية والإصلاح الادارى وهى :

§       أن الدول الأكثر تقدماً فى العالم هى تلك التى أخذت بالشفافية  كمبدأ عام فى إداة شئونها العامة .

§       أن هناك علاقة طردية بين الشفافية ومعدلات النمو والتقدم وكفالة حقوق الانسان والاصلاح الإدارى والوقاية من الفساد. فكلما زادت درجة الشفافية و المشاركة فى إدارة الشئون العامة فى بلد ما ، أرتفعت معدلات النمو والتنمية والتقدم وحقوق الانسان واستطاع الشعب أن يصل بخطوات وأزمنة سريعة الى مستوى حضارى وتقدمى أفضل.

وعلى العكس من ذلك ، فإن السرية فى إدارة الشئون العامة ، تكبل العقول وتقوض الإمكانات ، وتهدر القدرة على استغلال الموارد" البشرية والمادية "وكلما زادت درجة السرية فى أنشطة ووظائف وأعمال الإدارة كلما تعثرت إدارة التنمية وكبا الاقتصاد ، وانتشر الفساد واخفقت الإدارة فى أداء كافة وظائفها وأعمالها وضاعت حقوق الانسان.

ثالثا : مصر والدول العربية بين واقع السرية وأمل الشفافية :

     لقد اصبح من ثوابت تصريحات كافة الحكومات والادارات العامة التابعة لها ، للمواطنين " أصحاب السيادة الحقيقية "بأنها تتبع مبدأ الشفافية فى إدرة شئون الحكم والإدارة ، غير أن هذا فى الكثير من الاحيان ما يكون بعيد تماماً عن حقيقة ومعنى الشفافية ذلك المصطلح الذى يجب ان يلازمه مجموعة من الاحكام الموضوعية والشكلية التى لابد وأن تنعكس فى النظم القانونية والادارية المعمول بها حقيقة والذى يؤدى وبحكم اللزوم العقلى والمنطقى الالتزام بها الى تهيئة بيئة مناسبة للاصلاح السياسى والإدراى والذى ينعكس بدوره ايجابياً وتقدمياً على كافة المجالات التنموية والانسانية .

 وبالنظر الى خريطة العالم للشفافية ( قوانين حرية المعلومات  للعالم لعام 2005 )  فى الشكل التالى يتضح على الفور أن دول العالم تنقسم إلى ثلاث طوائف أساسية :[2][2] 

الاسود : قوانين شاملة للشفافية

الرمادى : مجهودات عالية لسن قوانين للشفافية

الابيض  : لا توجد قوانين 

 

ملحوظة راجع الخريطة محملة على صور الموقع

الطائفة الاولى :

     تضم مجموعة الدول التى تمتلك فعلاً قوانين شاملة للشفافية تعطى حقا للمواطنين فى معرفة كل مايتعلق بأعمال الحكومة والوصول إلى المعلومات والمشاركة السياسية والادارية فى إدارة الشئون العامة والمسألة العامة.

الطائفة الثانية :

     وتضم مجموعة الدول التى يبذل فيها مجهودات كبيرة على المستوى الرسمى والاهلى لسن قوانين للشفافية فى إدارة الشئون العامة ، وهى تعبر عن شعوبٍ أكثر نضجاً وأملاً فى الإنضمام إلى خريطة التقدم العالمية الحالية ويتوقع صدور تشريعات قريبة جداً لها فى إتجاه الشفافية ، وبالتالى أحداث معدلات أعلى فى مجالات التنمية وحقوق الانسان .

الطائفة الثالثة :

     وتضم مجموعة الدول التى لاتوجد بها أية قوانين للشفافية كما انها ما زالت خالية من أية مجهودات فعالة على المستوى الرسمى لسن قوانين للشفافية فى إدارة الشئون العامة كما انه لايوجد بها اى مجهودات ذات قيمة مؤثرة من مؤسسات المجتمع المدنى نحو التوجه للمطالبة بارساء مبدأ عام للشفافية وان كان يوجد بها بالطبع العلانية كأستثناء على مبدأ السرية  .

وبالنظر إلى الخريطة يتبين انها تضم ، حقيقة ، الدول التى يقال عنها بالدول النامية او الاقل نموا .ومن بين هذه الدول ، كما تبينها خريطة الشفافية – الدول العربية ومنها مصر ، ونأمل – ان تخرج مصر قريباَ من تلك الطائفة الثالثة خاصة فى ظل الاصلاحات التى تتبناها الحكومة فى الفترة الحالية سواء فى المجال السياسى ، او المجال الادارى متمثلا فى العديد من الدراسات التى تستهدف اعادة هيكلة الجهاز الادارى والتوجه نحو اللامركزية وحوكمة الشركات. كما قد اضحى فى الخطاب السياسى والادارى اقرارا شبه متكرر بوجوب اتباع مبدأ الشفافية وهو ما يعد من جانب اخر اقرارا بأن  أنتهاج مبدأ عام للسرية فى ادارة الشئون العامة  امرا  له ابلغ الأثر فى تعثر حركة إدارة التنمية فى شتى المجالات بالمقارنة بما تحققة الدول الاخرى الواقعة فى الطائفة الاولى من انجازات ضخمة فى شتى المجالات  التنموية بسبب حالة الشفافية وثقافة المعرفة والحوار والمشاركة والمسألة التى تعيشها وتمارسها حكومات وإدارات وشعوب تلك الدول .

ان الحقيقة التى ينبغى أن نصارح بها أنفسنا ونعترف بها ، أن وجود قوانين فعالة من أجل التوجه نحو الشفافية فى إدارة الشئون العامة هو الاساس لتحقيق بيئة تنظيمية فعالة للتنمية وحقوق الانسان والإصلاح الإدارى والوقاية من الفساد ، والا فإن كافة مجهودات التنمية لن تحقق أهدافها تحقيقاً فعالاً ، ثم ان مجهودات الغالبية العظمى من الرجال المخلصين من أعضاء الحكومات السابقة او الحالية او المستقبلية سوف تضيع هباء أمام تصرفات القلة من الافراد المستغلين لبيئة السرية والتعتيم وأغتنام فرص الظلام .

ثم أن الشفافية بالمضمون الواسع وما تعنيه من الحصول على المعلومات والمشاركة فى إدارة الشئون العامة والمسألة تعنى بالفعل أن يحكم الجميع ويدير وينفذ ولايقتصر الحكم والإدارة على قلة فقط من الافراد كما ان الشفافية بالمعنى الاصطلاحى الواسع هى وحدها الضمان الكفيل للقول بأن الجميع يشارك فى ادارة التنمية ، كما انها السبيل لان تتمكن الادارة العامة من استخدام الطاقات الكامنة والقدرات العقلية المبدعة لدى الكافة وهى السبيل للرضا العام من جانب المواطنيين ومنظمات المجتمع المدنى للمشاركة وتعبئة الموارد الذاتية للمساهمة فى خطة التنمية.

ولاشك أن الحكومة الذكية الواعية الرشيدة العادلة ، هى التى تحكم وتدير ليس بمجموعة من الموظفين والعاملين قد لايتعدى عددهم ( خمسة ملايين ) وإنما هى القادرة على ان تستغل قدرات وإمكانيات الفهم والابداع  للأمة بأسرها والبالغة الأن مايزيد على السبعين مليوناً ، ولايمكن تحقيق هذا إلا بالأخذ بما أخذت به الدول المتقدمه " قوانين ونظم مكثفة وفعالة للشفافية والمشاركة فى إدارة الشئون العامة "

فهل آن الاوان "حكومةً وادارة" أن نبتعد عن خطر السرية واثارها المدمرة ، ونسعى حقيقة لوضع بلدنا على خريطة العالم ، نقطة مضيئة للشفافية والتنمية وسط صحارى الدول العربية التى ما زالت تأخذ بمبدأ السرية ، خاصة وان الشفافية هى الجيل الاساسى لاى اصلاح ادارى او سياسى او اقتصادى او 00غيره.

أن حكومتنا الآن  وقد وجُهت جدياً إلى الاخذ بمفاهيم الحكومة الإلكترونية ، لابد أن تأخذ فى اعتبارها ان اهم مقومات وأسس هذا التوجه هو وجوب التوجه الحقيقى لتبنى نظم قانونية فعالة للوصول للمعلومات والمشاركة فى إدارة الشئون العامة وهو مالا يتحقق الا بالأخذ بالشفافية بنطاقها ومضمونها ، ومتطلباتها وضماناتها الذى سنتناولها بمشيئة الله تعالى بأيجاز شديد هنا من خلال مجموعة من العناصر الرئيسية.

وفيما يلى سوف نتناول بأيجاز تحليل الوضع الراهن لأنشطة ووظائف وأعمال الإدارة  فى مصر لبيان اين نحن الان ؟ وماذا نريد ان نكون ؟ وذلك وذلك بقصد انارة الطريق امام الحكومة والادارة المصرية بما هو علية الحال فى الدول الاكثر تقدما وبما يمكنها من تطبيق حقيقى وفعال للشفافية فى كافة اعمالها وبأعتبار ان ذلك احد اهم متطلبات التنمية الشاملة والطريق الى نجاح جهود الاصلاح الادارى ، بما فى حوكمة الشركات . وهو الامر الذى يحتم البحث عن المضمون الصحيح للشفافية والانفتاح والحوار والمشاركة التى تحيط أعمال الحكومة والإدارة العامة فى الدول المتقدمة ، فضلا عن متطلبات وضمانات التطبيق السليم للشفافية، وما يترتب على ذلك من نتائج ايجابية عديدة تشمل نجاحات متعاقبة فى بلوغ الأهداف وإدارة التنمية ونجاح فى منظومة الإصلاح الإدارى والسياسى وغيره ، وسعياً وراء الوقوف على حقيقة ومعنى مصطلح الشفافية فى تلك النظم المتقدمة  ومتطلبات وضمانات تفعيل ذلك المبدأ الهام فى أنظمتنا القانونية والإدارية والانتقال بالإدارة المصرية من مبدأ السرية والتعتيم الى نور الشفافية ، الطريق الحقيقى للتنمية والإصلاح الإدارى .


 

وعلينا  الان :

أن نتذكر ونعلم منذ بداية الطريق اذا كنا نرغب فى المضى قدما فى عمليات التنمية المستدامة والاصلاح الادارى والسياسى وحوكمة الشركات- وهو خيار بقاء وليس مجرد رفاهية -إنه يجب على مجتمعا " حكومة وادارة وشعبا " ان نعمل جدياً على اعتبار الانفتاح والشفافية على أنه قيمة، وأن نضع قواعد تميل قصداً لصالح الانفتاح، على أن تميل أكثر مما يبدو معقولاً في بادئ الأمر، وذلك بغية إبطال ثقافة  السرّية . مع الأخذ فى الاعتبار إن الأزمان الحديثة تشهد تطورات مذهلة في حقل الاتصالات، وثورة تكنولوجية احدثت تطورات هائلة في أساليب جمع، وتخزين، وتنظيم، وإيصال المعلومات.

ان الدولة الملتزمة بثقافة منفتحة سوف تدافع عن التعبير والضمير الإنساني بكافة أشكال تنوعه الرائع، وسوف تؤمن حماية أساسية لحرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية المعتقد، وحرية إنشاء الجمعيات، وحرية التجمع، وحرية الاحتجاج السلمي الجماهيري. لن تمتد هذه الحريات إلى النقاش السياسي فحسب بل وأيضاً إلى المدى اللانهائي من البحوث الفنية، والعلمية، والدينية، والفلسفية التي تأسر الخيال الإنساني وتثيره ، وعلى رأس هذه المنظمومة شفافية أعمال الإدارة.

     إن مجتمعاً يرغب في تبني الانفتاح كقيمة ذات أهمية رئيسية لبناء حضارتة ،  لن يسمح للمواطنين بالتمتع بمدى واسع من حرية التعبير الفردية فحسب، بل سوف يخطو خطوة إضافية إلى الأمام ويفتح بالفعل العمليات التداولية للحكومة بالذات أمام نور شمس التدقيق العام. ففي ثقافة منفتحة حقاً تكون القاعدة المعتادة هي عدم معالجة الحكومة لشئون الشعب خلف أبواب مغلقة. وانما يجب ان تكون الإجراءات التشريعية ، والقضائية، والإدارية مفتوحة أمام الشعب بشكل تلقائي.

وفيما يلى سوف نتناول الوضع الحالى لمصر بين المبدأ الرجعى للسرية والوضع المأمول والمستقبلى للشفافية ، وذلك من خلال العناصر التالية:


 

رابعا :اساس السرية فى مصر " وضع حالى "

      يعتبر المبدأ التقليدى لسرية انشطة وأعمال  الإدارة من المبادئ الاساسية فى جمهورية مصر العربية . وتتعدد المصادر القانونية لهذا المبدأ لدرجة انه قد اضحى من المفاهيم الاساسية القائمة فى وجدان ونفوس كثير من العاملين والقائمين على اجهزة الدولة المختلفة على اعتبار انه من الواجبات الوظيفية الاساسية المكلفين بها طبقا للقانون ، دون تفرقة بين بيانات ومعلومات يجب الافصاح عنها وبيانات ومعلومات تحمى بهذا المبدأ ، الا على اساس ما يصدر اليهم من تعليمات رئاسية عليا فى هذا الشأن من السلطة المختصة فى كل جهة .

     وعلى اساس هذا المبدأ يحجب الجانب الاكبر من المعلومات عن الشئون العامة وراء جدران قاتمة من الكتمان ، وتحجب كثير من الحقائق عن الشعب وعن المعنيين بأنشطة وأعمال  الإدارة . وينشأ عن ذلك بالفعل بيئة خصبة لممارسة الكثير من الانشطة والأعمال  التى تتسم بالفساد  ، والذى يصعب مع وجود مبدأ السرية ، على الشعب كشفه ومعرفته ومحاسبة القائمين به من ذوى الصفة العمومية ، بل يصعب على القائمين على شئون الحكم من الشرفاء انفسهم ، محاربته والقضاء عليه بسبب رئيسى واساسى وهو ان مبدأ السرية الذى يحيط بانشطة وأعمال  الإدارة يتيح لبعض المسئولين حجب المعلومات عن الأعمال  التى تتسم بالفساد حتى عن السلطات الرئاسية لهم والسلطات الرقابية ، بل ومن يتولى مناصبهم بعد أحالتهم للمعاش او نقلهم ، وبذلك يتمكن البعض من مخالفة الشرعية القانونية والاخلاقية على السواء .ولا جدوى حينئذ لغابة من الاجهزة الرقابية لانه ببساطة لايمكن لهذة الاجهزة ممهما كبر حجمها ان تقيم حارسا فوق كل مسئول وموظف منوط به عمل عام ، كما ان ذلك لن يكون بأى حال مقبولا او صحيحا ، وعلى العكس فأن ارساء نظم الشفافية تقيم بالفعل من كافة المعنيين والشعب وكافة منظماته حراسا حقيقيين ، بل وموجهين ومعلمين ومشاركين فى ادارة الشأن العام ومحركين ومحفزين لادارة علمية وصحيحة للتنمية .

 

بعض مظاهر مبدأ السرية فى النظم القانونية المصرية :

 

1-     فى الدستور:

خلا الدستور من نصوص صريحة تحدد الطبيعة العلنية او السرية لانشطة وأعمال  الحكومة والإدارة بصفة عامة .الا ان الاتجاه السائد من مضمون النصوص الدستورية يفيد ارساء مبدأ السرية كاصل عام على انشطة وأعمال  الإدارة ، خاصة وان المشرع الدستورى ذكر صراحة ان أعمال  السلطة التشريعية والقضائية ذات طبيعة علنية كأصل عام ومن ثم فان السكوت عن ذلك عند استعراض أعمال  السلطة التنفيذية وكذلك عند التحدث عن الحقوق والحريات العامة يفسر بانه ارساء للمبدأ العكسى وهو السرية . وذلك اذا ما اخذنا بظاهر هذه النصوص عند التفسير.

    فضلا عن خلو نصوص الدستور من اى نص يقرر للافراد حقا عاما فى الاطلاع على المستندات او المعلومات الإدارية  .

 

 2- مظاهر مبدأ السرية فى قانون ارقم 47 لسنة 1978 :

2-1- يحظر على العاملين الافضاء بأى تصريح او بيان عن أعمال وظائفهم ( م77 / 7 من القانون 47 لسنة 1978) .

2-2- التزام الموظف بالكتمان عن كافة الأنشطة والأعمال السرية بطبيعتها او بموجب تعليمات ( م77 / 8).

2-3- سرية مداولات وسجلات اللجان :

       اللائحة التنفيذية للقانون [3][3] أضفت على مداولات وسجلات اللجان سياجاً من السرية والتعتيم فنصت فى المادة (6) على ان تكون المداولات وأخذ الرأى فى لجان شئون العاملين سرية ، كما حظرت المادة (8) استخراج صورة من سجل اجتماعات لجان شئون العاملين إلا على سبيل الاستثناء وبناء على أمر من جهة قضائية او من هيئة تأديبية .

وعلى هذا الاساس تعتبر ادارة وصناعة القرارات المتعلقة بشئون العاملين من تعينات ونقل وترقيات ..الخ سرية حتى على العاملين أنفسهم وهو ما يؤدى فى بعض الاحيان لبعض التجاوزات غير القانونية تؤدى الى تعيين او ترقية غير المستحقين وهو الامر الذى ينأى بأعمال  لجان شئون العاملين عن أعين العاملين أنفسهم المعنيين بأعمال  لجان شئون العاملين.

     كما ان هناك تطبيقات عديده عن سرية المداولات بغالبية الهيئات العامة والوزارات والاجهزة والمصالح الحكومية. 

 

2-4- حظرالجمع بين الوظيفة الحكومية وأى عمل أخر خشية إفشاء الاسرار:

     حظرت المادة 77 فقرة (12) على الموظف أن يؤدى اعملا للغير بأجر او مكافأة ولو فى غير اوقات العمل الرسمية إلا بإذن من السلطة المختصة .. والواقع انه لا يوجد حكمة من النص سوى مجرد الخشية من أن الموظف قد يفشى بعض الأمور والمعلومات التى يطلع عليها بحكم وظيفته لهذا الغير الذى يعمل تحت سلطته فى غير اوقات العمل الرسمية .

اذ انه لا محل لهذا النص مع وجود نظام جيد لتقييم اداء العاملين وهو بالفعل نظام غير جيد ، لانه يحتاج الى العديد من الاصلاحات .

2-5- السرية الضمنية وتوظيف العاملين الذين يقومون بأعمال  مؤقتة ، يشكل بابا خلفيا للتعيين الدائم بالمخالفة لمبدأ المشروعية .

2-6- السرية الضمنية وتوظيف الخبراء الوطنيين والأجانب .

 

3- مظاهر مبدأ السرية فى القانون رقم 121 لسنة  1975 بشأن المحافظة على الوثائق الرسمية للدولة وتنظيم أسلوب نشرها :

سرية الوثائق والمستندات والبيانات والمعلومات والوقائع:

فوض المشرع بموجب هذا القانون رئيس الجمهورية فى وضع نظام المحافظة على الوثائق والمستندات وأسلوب نشرها او فرض السرية عليها لمدد تصل الى خمسين عاما . وباعتبار رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية ، فبذلك يمكن القول بإن المشرع قد ترك مهمة تحديد طبيعة الوثائق والمستندات الرسمية من حيث أضفاء السرية عليها للسلطة التنفيذية تقررها كيفما تشاء دون ان يضع أية ضوابط موضوعية تكفل قصر هذه السرية على موضوعات محددة تحديدا دقيقا . وهو ما يمكن السلطة التنفيذية فى النهاية من اضفاء السرية على كثير من الوثائق والمستندات.

ولقد تم اطلاق يد السلطة التنفيذية فى إضفاء ما تشاء على الأعمال  والأنشطة من السرية ، حيث نصت المادة 3 من القرار الجمهورى رقم 472 لسنة 1979 ، على أن " يكون رئيس كل جهة مسئولا عن وضع النظام الذى يكفل حفظ سرية الوثائق المشار اليها ويجب أن يخصص فى كل من هذه الجهات مكانا لحفظ الوثائق المشار اليها به على أن يحتفظ فيه بسجل لاثبات اسماء العاملين المنوط بهم العمل فى هذه الوثائق ومدى علمهم بها ".

4- سرية أنشطة وأعمال  الإدارة والقرار الجمهورى بانشاء وتنظيم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء :

4/1- نطاق السرية :

     لأن السرية تمثل منهجا عاماً فى جمهورية مصر العربية ، لذلك فلا عجب أن نرى قرار رئيس الجمهورية رقم 2915 لسنة 1964 بانشاء وتنظيم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، يمنح احتكارا للجهاز بشأن نشر كافة المطبوعات او النتائج او البيانات الإحصائية التى تجريها المعاهد العلمية والجامعات والجهات الحكومية وبعض وحدات القطاع العام ايا كان موضوع المطبوع او الدراسة ( اقتصاديا – سياسيا – اجتماعيا ) فحظرت نشرها الا عن طريق الإحصائيات الصادرة عنه حيث نصت المادة (9) على أن " يضع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء برنامجا سنويا للمطبوعات والنشرات والمؤثرات والبيانات الإحصائية اللازمة لمختلف قطاعات الدولة وذلك بالتنسيق مع مختلف الأجهزة المعنية وللجهاز ان يتولى بنفسه اصدار جميع المطبوعات والنشرات والمؤشرات والبيانات الإحصائية التى تصدرها مختلف أجهزة الدولة او جزء منها ويجرى النشر فى هذه الحالة بالخصم على ميزانية الجهاز المختص .

كما حظرت المادة (10) النشر الا من خلال الجهاز بما يمثل احتكارا للمعلومات فى جمهورية مصر العربية حيث نصت فى فقرتها الاولى على انه " لا يجوز لأية وزارة او هيئة او جهة او أى فرد فى الحكومة او القطاع العام او القطاع الخاص أن ينشر بأى وسيلة من وسائل النشر او الإعلام أى مطبوعات او نتائج او بيانات او معلومات احصائية الا من واقع احصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء .كما نصت فى فقرتها الثانية على أن " الإحصاءات الغير مقررة ضمن برامج الجهاز المركزى للتع�

المصدر: د . سامى الطوخى
  • Currently 253/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
79 تصويتات / 1518 مشاهدة
نشرت فى 4 مارس 2009 بواسطة toukhy

ساحة النقاش

د.سامى الطوخى

toukhy
هاتف متحرك 00971501095679 البريد الالكترونى [email protected] دكتوراه في العلوم الإدارية والقانونية - بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف وتبادل الرسالة مع الجامعات الأخرى ، كلية الحقـوق جامــعة القاهرة . - حوالي 20 عاما من الخبرة العلمية والعملية في مجال التدريس والتدريب المتعلق بمجالات عديدة فى التنمية الإدارية والقانونية والقضائية فضلا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

259,493