د. سامى الطوخى - استشارى التدريب فى العلوم الادارية والقانونية والقضائية

الضوابط القانونية

 لقرارات نزع الملكية للمنفعة العامة

                     د . سامى الطوخى

جامعة زايد – مركز الدراسات القضائية والتدريب المتخصص

وكيل مركز الاستشارات والبحوث والتطوير- أكاديمية السادات للعلوم الإدارية

[email protected]

00971501095679

 

     أن تعدد المهام الملقاة على عاتق الدولة فى شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية , يقتضى منها إقامة العديد من المشروعات المختلفة التى تعود بالنفع العام على مواطنيها , وقد تضطر الدولة عند تنفيذها لهذه المشروعات أن تنزع ملكية بعض العقارات المملوكة للمواطنين , مما يترتب عليه حرمان مالك العقار من ملكه جبراً .

     ومن المقرر شرعا جواز نزع الملكية للمنفعة العامة تطبيقا للقاعدة الشرعية " الضرر الخاص يتحمل لأجل دفع الضرر العام " وقد تم تطبيق المبدأ في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه لتوسعة المسجد الحرام وأخذه الأراضي المجاورة لهذا الغرض وتعويض أصحابها تعويضا عادلا [1] تحقيقا للتنمية المستدامة والصالح العام للمجتمع .

 

من ناحية أخرى فأن الملكية الخاصة فى دول سيادة القانون ينبغي عدم المساس بها آلا استثناء و فى إطار من المشروعية القانونية , ولذلك فقد حرصت الدساتير عموما تقرير حماية للملكية الخاصة ومن ذلك الدساتير المصرية بدءا من دستور 1923 حتى دستور 1971 الذى تضمنت المادة 34 منه أن الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون وبحكم قضائي , ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة مقابل تعويض وفقا للقانون .

وتنص المادة رقم 21  من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة  1971  على أن الملكية الخاصة مصونة. ويبين القانون القيود التي ترد عليها. ولا ينزع من أحد ملكه إلا في الأحوال التي تستلزمها المنفعة العامة وفقاً لأحكام القانون، وفى مقابل تعويض عادل. وتنص المادة 1135 من  قانون المعاملات المدنية ( 5 / 1985 ) لدولة الأمارات على ان

 "
1- لا ينزع ملك أحد بلا سبب شرعي.

2- ويكون نزع الملكية للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل وطبقا لأحكام القانون. "

 

     ويتبين من هذا أن الأنظمة القانونية عموما  قد كفلت حماية الملكية الخاصة وفى الوقت ذاته أجازت للدولة – بصفة استثنائية اتخاذ إجراءات نزع ملكية العقارات مادامت تحتاج إليها , على أن يتم ذلك وفقا لضوابط معينة أهمها :

1.  أن يكون نزع ملكية هذه العقارات لازما للمنفعة العامة , فتوافر المنفعة العامة هو الركن الأساسي الذى يرتكز عليه أى قرار خاص بنزع الملكية وبدونه لا يكون له أى كيان قانوني[2]  وإذا كان مما لا شك فيه أنه من حيث الأصل أن الإدارة سوف تلعب دورا كبيرا وتتمتع بسلطة تقديرية واسعة فى تحديد المشروع اللازم إنشاءه او تطويره للمنفعة العامة .فى حالة المساس بالملكية الخاصة . فإنه ينبغي ان ترد على هذه السلطة التقديرية بعض الضوابط والقيود فى حالة المساس بالملكية الخاصة والتي تتمثل أهمها , فى وجوب إعلان دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع المراد القيام به حتى يمكن للكافة وعلى الأخص من سوف يمسهم قيام المشروع عن طريق نزع ملكياتهم الخاصة بالتحقق من توافر صفة النفع العام من عدمه .

وغنى عن البيان أن دراسة الجدوى لأي مشروع تشمل ضمن عناصرها المختلفة دراسة كافة الجوانب المتعلقة بالمشروع من الناحية الاقتصادية كتكلفة وعائد والبعد البيئي والإجتماعى والقانوني والفني والاقتصادي والتكنولوجي والإداري ..الخ والعناصر أو النتائج التي تجعل من المشروع محققا للنفع العام على وجه العموم .اى لابد ان يكون لقرار المشروع مبررات واقعيه وقانونيه معلنة .

2.    أن يتم ذلك مقابل تعويض الملاك الذين تنزع ملكيتهم تعويضا عادلا نظير ما أصابهم من ضرر , وذلك عن طريق قواعد خاصة تحقق لهم اقتضاء هذا التعويض بالسرعة الواجبة .ولذلك " يقدر التعويض طبقا للأسعار السائدة وقت صدور قرار نزع الملكية ، وتودع الجهة طالبة نزع الملكية مبلغ التعويض المقدر خلال مدة لا تجاوز شهرا من تاريخ صدور القرار ، خزانة الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية . ويجوز بموافقة الملاك اقتضاء التعويض كله او بعضه عينا[3].

" وتقدير ثمن ما تساويه العين المنزوعة ملكيتها للمنفعة العامة مسألة موضوعية فللمحكمة الموكول لها أمره أن تستهدي فيه بما تطمئن اليه من تقرير خبير الدعوى والدلائل الأخرى المعروضة عليها . ولها هى وحدها أن تتخذ ما تراه لازما لتنويرها فى ذلك من الاستعانة برأي خبير أخر أو من اتخاذ اى إجراء من إجراءات التحقيق كالانتقال وغيره "[4]

3.  أن تخضع أنشطة وأعمال الإدارة المتعلقة بنزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة لمبدأ الشفافية والمساءلة .[5]

أعمال الإدارة التي يجوز نزع الملكية لها :

     يمكن القول كأصل عام بان مشروعات الإدارة التي تستهدف تحقيق التنمية المستدامة والصالح العام للمجتمع هي من الأعمال التي يجوز نزع الملكية للمنفعة العامة من اجلها طالما انه لا يمكن تحقيقها بتكلفة معقولة دون لجوء الإدارة الى هذا الإجراء الاستثنائي (نزع الملكية) .وعادة مايشمل ذلك مشروعات البنية التحتية .

ويعد من أعمال  المنفعة العامة فى تطبيق أحكام القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة [6]وفقا لنص المادة (2) ما يلى :

اولا : إنشاء الطرق والشوارع والميادين أو توسيعها او تعديلها , أو تمديدها أو إنشاء أحياء جديدة .

ثانيا : مشروعات المياه والصرف الصحي .

ثالثا : مشروعات الري والصرف .

رابعا : مشروعات الطاقة .

خامسا : إنشاء الكباري والبارات السطحية ( المزلقانات ) والممرات السفلية او تعديلها .

سادسا : مشروعات النقل والمواصلات .

سابعا : أغراض التخطيط العمراني وتحسين المرافق العامة .

ثامنا : ما يعد من أعمال  المنفعة العامة في أي قانون أخر .

ويجوز بقرار من مجلس الوزراء إضافة أي أعمال  أخرى ..."

وجوب نشر الخطة الإستراتيجية المقررة للمشروعات التي يلزم لتنفيذها نزع الملكية :

باستقراء نصوص القانون رقم 10 لسنة 1990 لم ينص المشرع على ما يفيد وجوب نشر الخطط الخاصة بهذه المشروعات السالف الإشارة اليها قبل تنفيذها بوقت طويل .

وكان ينبغي أن يفرق المشرع بين ما يتم من هذه الأعمال  وفقا لخطة إستراتيجية طويلة 10 سنوات, 15 سنة فينبغي ان تنشر هذه الخطة فور اعتمادها وقبل تنفيذها ووضعها موضع التنفيذ لأن من شأن عدم نشرها ( أي اعتبارها سرية ) إمكانية تسريب المعلومات الخاصة بالمشروع من القائمين على تخطيطه والعاملين بالجهة وإفشاء المعلومات بشكل جزئي لمصالح بعض هؤلاء أو أقاربهم وذويهم او من يتبادلون معهم بعض المصالح الخاصة , كما يمكن بيع بعض هذه المعلومات بمقابل .

وسبب ذلك أن مثل هذه الأعمال  سوف يترتب عليها وجود فرضين :

الأول : أن هناك بعض العقارات سوف يتم نزعها للمنفعة العامة . وبالتالي فإن تسرب مثل هذه المعلومات يمكن أن يستغله مالكي هذه العقارات أو الأرض وبيعها بالسعر السوقي المرتفع لها تجنبا لمضار قرار نزع الملكية . لاسيما وأن الثابت عملا في بعض الأحيان أن قيمة التعويضات لا تصل من الناحية الفعلية إلى القيمة الحقيقية للعقار المنزوع ملكيته . وبالتالي فإن إذاعة خطة المشروعات قبلها بخمسة أو عشرة سنوات أو خمسة عشر سنة فى إطار الخطة الإستراتيجية للجهة الإدارية طالبة نزع الملكية من شأنها الانتقال المتدرج لقيمة هذه العقارات .

الثاني : أن هناك بعض العقارات التي سوف تستفيد استفادة كبيرة من المشروعات المزمع إنشاءها وقد تصل بعض المعلومات عن المشروع لبعض الأفراد الذي يمكنهم المضاربة على هذه العقارات وشراءها قبل أن يعرف ملاكها الحقيقين بالمشروع الذي سوف يزيد من قيمة عقاراتهم . وهذه الممارسات لها واقع عملي كبير في ظل أعمال  مبدأ السرية الذي قد يحيط بأنظمة الإدارة .

ولا ينال مما تقدم على سبيل المثال ما قرره المشرع بالقانون رقم 222 لسنة 1955 بفرض مقابل تحسين على العقارات التي يطرأ عليها التحسين بسبب أعمال  المنفعة العامة . لعدة أسباب منها:

- أن مقابل التحسين وفقا لنص المادة (10) يساوى نصف الفرق بين تقدير اللجنة لقيمة العقار قبل التحسين وبعده وبالتالي يظل ما قيمته نصف الزيادة فى القيمة ، غنيمة يستفيد منها مالك العقار الذي طرأ عليه التحسين .

- أن اللجنة التي تقوم بتقدير قيمة التحسين تستأنس بثمن شراء المالك الأخير له وعلى القيمة الدفترية لعقارات أكثر فى ذات المنطقة , والواقع العملي يبرهن فى كثير من الأحيان على أن القيم الدفترية للبيع أقل من الأثمان الحقيقية ، ويلجأ الكثير الى ذلك بنية التهرب من رسوم الشهر العقاري عند التسجيل والذي قد يراها الكثير أنها قيم كبيرة ومبالغ فيها .

ومن ثم فإن إغفال المشرع عدم النص على وجوب نشر الخطط المتعلقة بمشروعات المنفعة العامة بوقت طويل في إطار الخطط الإستراتيجية يتيح لمن يستطيع الحصول على معلومات عن هذه المشروعات قبل نشرها على الكافة من الاستفادة منها على نحو شخصي وبالمخالفة لمقتضيات العدالة القانونية .

وجوب نشر دراسات الجدوى الخاصة بالمشروع :

تنص المادة (2) من القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة , على أن :

"...... ويكون تقرير المنفعة العامة بقرار من رئيس الجمهورية , مرفقا به :

(أ) مذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه .

(ب) رسم بالتخطيط الإجمالي للمشروع وللعقارات اللازمة له ."

كما استوجبت المادة (3) نشر القرار المقرر للمنفعة العامة مع صورة من المذكرة المشار إليها فى المادة (2) من هذا القانون فى الجريدة الرسمية .

وبذلك فقد اكتفى المشرع بوجوب نشر القرار مع صورة المذكرة ببيان المشروع المطلوب تنفيذه ولم يستلزم نشر الرسم بالتخطيط الإجمالي للمشروع والعقارات

من ناحية أخرى  كان ينبغي أن يتم نشر دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع مع القرار ولكن القانون لم يستوجب ذلك أيضا , ويعتبر ذلك نوع من إضفاء السرية الضمنية على أعمال  المشروعات المزمع إنشاءها للمنفعة العامة وإعطاء سلطة تقديرية مطلقة للإدارة  وحدها تقرر إنشاء إقامتها أو عدم إقامتها دون أن تلزم بإعلان ونشر دراسة الجدوى للمشروع للتحقق من جديته وأهميته ومدى الحاجة الحقيقية للعقارات المراد نزع ملكيتها .مع أن ذلك ضروري وحتمي خاصة وان إجراء نزع الملكية طريق استثنائي لا يجوز اللجوء اليه آلا إذا كانت المشروعات التي تستهدف التنمية المستدامة والنفع العام للمجتمع ككل لا يمكن تحقيقها آلا بنزع الملكية وهو الأمر الذي يحتم ضرورة التزام الإدارة بأن تعلن دراسات الجدوى باعتبارها أساسية لتسبيب القرار الصادر بنزع الملكية وبما يمكن الإفراد ذوى المصلحة الذين يمسهم القرار من تحديد موقفهم حياله إما بالرضاء به لاقتناعهم بأن المشروع التنموي لا يمكن قيامة دون التعرض لملكيتهم وأما الطعن على القرار إمام القضاء فى حال عدم اقتناعهم بهم لإمكان قيام مشروع الإدارة التنموي دون المساس بالملكية الخاصة التي هي مصونة كأصل عام بحكم الدستور .

ونهيب بالمشرع إعادة النظر في تطوير التشريع الخاص بنزع الملكية للمنفعة العامة تحقيقا لمبدأ الشفافية في أعمال الإدارة في هذا الشأن خاصة وان أعمال الإدارة الخاصة بنزع الملكية هى أعمال تمس ملكيات الأفراد الخاصة التي هي مصونة بحكم الدستور لا سيما انه قد ورد بمشروع هذا القانون وتقرير اللجنة المشتركة لإعداده عكس الاتجاه الذي ورد بالقانون ذاته بما يفيد وجود معرفة وإرادة لدى اللجنة المكلفة بإعداد مشروع القانون فى إرساء مبدأ الشفافية بشكل كبير ، حيث ورد بتقرير اللجنة المشتركة ما يلى :

- وجوب أن يكون من ضمن مرفقات قرار المنفعة العامة تقرير برأي اللجنة الفنية التى تقوم بدراسة أهمية وجدية المشروع المراد تنفيذه ( اى دراسة الجدوى للمشروع ).

- كما كان مقدم مشروع القانون أيضا مادة (3) والتي تنص على أن " تشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء لجنة فنية دائمة تلحق برئاسة مجلس الوزراء للتحقق من جدية وأهمية المشروع المطلوب تقرير المنفعة العامة بشأنه ومدى حاجته الفعلية للعقارات المراد نزع ملكيتها , وتستعين هذه اللجنة فى دراستها بتقرير يقدمه المحافظ المختص متضمنا ملاحظات المجلس الشعبي المحلى للمحافظة وذوى الشأن .

ويتضمن القرار الصادر بتشكيل هذه اللجنة طريقة عملها والإجراءات التي تتبع أمامها ."
وقد ورد أن مراعاة هذه الحكم هو التحقق من جدية وأهمية المشروع المراد تنفيذه ومدى الحاجة الفعلية للعقارات المراد نزع ملكيتها , مع إتاحة الفرصة أمام القاعدة الشعبية وذوى الشأن فى المنطقة المراد تنفيذ المشروع بها لإبداء ملاحظاتهم حياله .

وإذا كانت نصوص القانون قد صدرت متجاهلة هذه الاعتبارات فإن هناك عدد من الملاحظات يجب إبداءها , وهى :

-       أن جوهر أو مضمون مبدأ الشفافية ومشاركة المواطنين ليس غائبا كمفهوم عند إعداد مشروع هذا القانون .وان رفض هذا الاتجاه يؤكد وجود اتجاه اصبح مهجورا فى إدارة شئون الدولة الحديثة وهو أن  الإدارة هي الخبير الأعلى الذي لا يجب ان يوضع عليها أى قيد نحو إمكانية مشاركة المواطنين فى تقرير مشروعات المنفعة العامة من عدمه ا وان لها سلطة مطلقة في هذا الشأن فى التقدير والملائمة دون رقابة فعالة من المعنيين والقضاء  .

-       أن ذلك الاتجاه يتنافى فى الوقت الراهن مع وجوب ان يكون لأعمال  آليات دراسات جدوى تبين التكلفة والعائد وإخضاع ذلك لمبادئ الشفافية والمساءلة من المواطنين عامة وذوى الشأن ممن تنزع ملكيتهم للمنفعة العامة بصفة خاصة .

-       أن ذلك الاتجاه عكس ما هو مقرر فى التشريع الفرنسي فى هذا الصدد .

 

 

ضوابط فكرة نزع الملكية للمنفعة العامة فى فرنسا :

يحكم فكرة المنفعة العامة ونزع الملكية  المرسوم رقم 701 لسنة 59 فى 6 يونية سنة 1959 ويستوجب هذا المرسوم وجوب إجراء تحقيق سابق على تقرير المنفعة العامة وتحديد القطع التي تنزع ملكيتها وعلى قرار نقل الملكية , حيث يلزم أن يقدم نازع الملكية ( الإدارة ) ملفا يخضع للتحقيق ويتضمن على وجه الإلزام :

أولا : اذا كان تقرير المنفعة العامة مطلوبا بقصد تحقيق أشغال Trabaux أو إنشاءات Qubrage  :

(1)- مذكرة إيضاحية تبين بصفة خاصة محل العملية .

(2)- خريطة الموقع .

(3)- المحيط المحدد للعقارات المطلوب نزع ملكيتها .

(4)- التقدير الإجمالي لما سيكسب ملكيته .

كما تدخل المشرع بموجب قانون 10 يوليه 1976 بشأن حماية الطبيعة والذي حدد مضمونه ونطاقه مرسوم 20 أكتوبر سنة 1977 والذي بموجبه فرض التزام على الإدارة بتقديم دراسات جدوى étude d inpect  تأييدا لمشروعات الأشغال التي تنفذها الإدارة أو ترخص بها . وتبين دراسات الجدوى بصفة خاصة أثار المشروع على البيئة والعلاج المستهدف لتخفيف او إزالة هذه المضار – وتكون دراسات الجدوى على هذا الوجه فيما يتعلق بالاهتمام بالبيئة تطبيقا نظاميا لمبادئ نظرية " الموازنة " " bilan  " والتي مقتضاها انه لا يمكن تقرير المنفعة العامة لعملية ما إلا إذا كان ما تتضمنه من اعتداء على الملكية الفردية والتكلفة المالية والمساوئ الاجتماعية المحتملة التي تتضمنها ليست باهظة بالنسبة الى المنفعة التى تمثلها[7]

يؤكد ذلك تصدى مجلس الدولة الفرنسي " لرقابة الملائمة " وعدم ترك أعمال  إقامة المشروعات ونزع الملكية للمنفعة العامة كسلطة تقديرية مطلقة للإدارة  , فقد بين ذلك أنطوان برنار فى تقريره فى حكم 26 أكتوبر سنة 1973 جراسان [8] , الذي يوضح رفض مجلس الدولة فى هذا الحكم صفة المنفعة العامة لإنشاء مطار من الفئة (د) فى أرض بلدية بها ألف ساكن بينها وبين بواتييه حوالي 50 كيلو مترا تأسيسا على أسباب تقترب جدا من التقدير الذاتي :

فهذا الإنشاء لا يحقق " الحاجات الحقيقية للأوساط الاقتصادية في المنطقة المهتمة بتطوير طيران الأعمال  والتي تحت تصرفها ، من جهة أخرى على بعد أقل من 50 كيلو مترا مطار بواتييه المزود بالإعدادات الضرورية " والإمكانية الممنوحة لأعضاء نادى الطيران المحلى لممارسة الرياضات الجوية في أفضل ظروف ليست ذات طبيعة بمراعاة الضعف الشديد في نسبة سكان البلدية الذي يمكنه ممارسة هذا النشاط تبرر وحدها منفعة المشروع وهو يبدو من ناحية أخرى أنه سيكون له أثر ملحوظ على التطور الإقتصادى للبلدية , وأخيرا فإن تكاليف العملية ستكون لا تناسب بينها وبين الموارد المالية للبلدية التي ليس بها سوى حوالي 1100 ساكن ولا يبرر من الأوراق المودعة بالملف أنها ستستفيد من مساهمة مالية خارجية .

وعلى العموم فإن المستفاد مما تقدم أن تقرير المشروعات العامة بواسطة الإدارة وان كانت في البداية من الملائمات المتروكة للإدارة  ألا أن من حق ذوى الشأن مناقشة جدوى المشروع وهو ما يفرض على الإدارة أن تكون أعمال  هذه المشروعات خاضعة لمبدأ الشفافية ويحق على ذلك لذوى الشأن الطعن في هذه الأعمال  أمام مجلس الدولة الذي يمكنه مناقشة ذلك في علنية تامة .

 



[1] . سمير عبد السميع الأودن ، التعليق على القانون رقم 10 لسنة 1990 الخاص بنزع الملكية للمنفعة العامة مع قانون تحسن العقارات رقم 222 لسنة 1955 ، مكتبة الإشعاع ، 2002 ،ص 8 .

[2]  - تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكاتب لجان الاسكان والمرافق العامة والتعمير ، والزراعة والرى ، والادارة المحلية والتنظيمات الشعبية عن مشروع قانون بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين " القانون رقم 10 لسنة 1990" الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ، الطبعة الخامسة ، سنة 2000، ص 12.

[3] . المادة 6 من القانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة ، الجريدة الرسمية ، العدد 22 تابع في 31/5/1990.

[4]  . نقض مدنى جلسة 23/11/1933- الطعن رقم 38 لسنة 3ق مجموعة عمر ج1 ص 262 .

[5]  . د.سامى الطوخى ،،الإدارة بالشفافية ، الطريق للتنمية والإصلاح الإداري من السرية وتدنى الأداء والفساد إلى الشفافية والتسبيب وتطوير الأداء البشرى والمؤسسي  دراسة مقارنة " ، دار النهضة العربية " 2006 .

 

[6]  - الجريدة الرسمية ، العدد 22(تابع) فى 31/5/1990.

 

[7]  - مارسولون ، بروسبيرفى ، جى بريبان ، أحكام المبادئ في القضاء الفرنسي ، ترجمة د. أحمد يسرى ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، 1991 ، ص 632 وما بعدها .

[8]  - - أنظر :           - Rec.598,A.JK 1974.43, cocl., Bernard, note J.K; A.J.1973.586.,chr. Franc et Boyon

 

  • Currently 132/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 2827 مشاهدة
نشرت فى 26 فبراير 2009 بواسطة toukhy

ساحة النقاش

د.سامى الطوخى

toukhy
هاتف متحرك 00971501095679 البريد الالكترونى [email protected] دكتوراه في العلوم الإدارية والقانونية - بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف وتبادل الرسالة مع الجامعات الأخرى ، كلية الحقـوق جامــعة القاهرة . - حوالي 20 عاما من الخبرة العلمية والعملية في مجال التدريس والتدريب المتعلق بمجالات عديدة فى التنمية الإدارية والقانونية والقضائية فضلا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

259,030