د. سامى الطوخى - استشارى التدريب فى العلوم الادارية والقانونية والقضائية

الإدارة بالشفافية الطريق للتنمية والاصلاح الادارى وتطوير المنظمات  

اعداد :

د.سامى الطوخى

وكيل مركز الاستشارات والبحوث والتطوير

أكاديمية السادات للعلوم الإدارية

 
اولا : مقدمة :

     تعيش مصر الآن بكافة منظماتها مع مطلع الألفية الثالثة منظومة من المتغيرات المتعلقة بكافة المفاهيم المرتبطة بالتنمية المستدامة فى شتى المجالات التنموية " السياسية ، الأقتصادية ، الاجتماعية ، الفنية، الإدارية ، البيئية ،التكنولوجية والقانونية  " وذلك نتيجة الأحداث والمتغيرات العالمية التى شهدتها تلك المجالات التنموية ، والتى كان أبرزها الطفرة التكنولوجية الهائلة والتى زادت من أقتراب العالم بعضه ببعض نتيجة لأرتباطة بشبكة عنكبوتية للأنترنت والاقمار الصناعية ، مما جعل رياح التغيير والتقدم خاصة فى الدول المتقدمة،تحت سمع وبصر كل من يريد اللحاق بهم من الدول النامية أو الأقل تقدماً ، وهو ما دعا البعض الى أن يطلق على هذه الفترة من حياة الأمم ، بعصر العولمة أو العصر الرقمى أو عصر المعرفة.

ولقد أتاحت لنا تلك المتغيرات العالمية والمحلية أن نعرف ونسمع ونرى ونقارن " حكومة وشعباً أفراداً ومنظمات وشركات" بين جملة مفاهيم ، ونثير مع أنفسنا ومع بعضنا البعض العديد من التساؤلات منها:

§       كيف نعيش نحن " حكومة وشعبا ومنظمات " وكيف يعيش ويعمل النظراء الآخرين فى الدول الأكثر تقدما ؟.

§       كيف ترفع المبادئ والروئ والأهداف والرسائل وكيف تطبق فى حياتنا ،وكيف ترفع وتطبق فى حياة الدول الأكثر تقدما ؟

§       ما هى مواردنا المادية والبشرية التى نمتلكها سابقا وحاليا وما هى الموارد المادية والبشرية التى يمتلكها الآخرون فى الدول الأخرى الأكثر تقدما فى الماضى والحاضر ؟

§       ما هى مفاهيم ونظم الحكم والإدارة والتنمية التى تحكم وتنظم حياتنا ومعيشتنا وما هى المفاهيم النظيرة السائدة والتى تنظم حياة وموكب التنمية والتقدم فى الدول الأكثر تقدما؟

إن معرفة الإجابة الصحيحة والحقيقة العلمية والمنهجية على تلك التساؤلات ، لسوف تقودنا بالضرورة الى حتمية الإقرار والتسليم بعدة حقائق علمية هامة منها:

1-  أنه لا توجد أدلة تؤكد علاقة أرتباطية قوية بين تفوق الدول أو المنظمات وتميزها وبين ما يمكن أن يتوافر لديها من أموال وأسواق وتكنولوجيا ، بينما تؤكد الأدلة على وجود هذه العلاقة بين تفوق الدول والمنظمات وتميزها وما لديها من أنظمة إدارية واقتصادية  واجتماعية وسياسية وبيئية وقانونية سليمة تشكل أطاراً صحيحا ومقومات أساسية لأحداث التنمية وموارد بشرية لديها القدرة والرغبة على تطبيق تلك النظم وحمايتها والتحسين المستمر لها، ولعلنا نعرف أن هناك الكثير من الشعوب مثل اليابانيون الذين لم يمتلكوا أى موارد مادية ، ولكنهم مع ذلك أعادو تأهيل مواردهم البشرية ثم صنعوا مواردهم المادية وحضارتهم التى يحصدوا ثمارها اليوم ، ونرى مصر كدولة ومنظمات وأفراد كيف تمتلك بالمقارنة العديد من الموارد الطبيعية وكيف أن العديد من منظماتها تمتلك العديد من الأمكانات والموارد المتمثلة فى المبانى اللازمة لأداء الوظائف والأنشطة أو الأجهزة أو غيرها ، وبالرغم من ذلك فإن هناك الكثير من تلك الموارد معطلة أو غير مستغلة الإستغلال الأمثل والرشيد ، ولعل أحد أهم أسباب ذلك عدم وجود الأنظمة السليمة التى تحكم وتنظم الوظائف والأنشطة التى تؤديها منظماتنا ( حكومية اومنظمات مجتمع مدنى اوشركات خاصة ) أو وجود تلك الأنظمة وعدم وجود الأفراد المؤهلين على تطبيقها بشكل جيد.

2-  إن الأنظمة الإدارية السليمة والموارد البشرية المؤهلة فنيا ومعنويا يوفران مناخ عمل به قليل من اللوائح الجامدة وقدر ضئيل من تدخل الإدارة العليا ودرجة عالية من المرونة والحرية فى التفكير والإدارة والتصرف.

 

 

 

 

3-   إن الأنظمة الإدارية السليمة ، هى التى تعمل على تحقيق نتائج مثلث التقدم ، المتمثل فى الشكل التالى

 

" رضاء العملاء متلقى الخدمات والسلع "

 


جودة النظم وخاصة الادارة بالشفافية تؤدى إلى

 

 

رضاء الممولين والمانحين بمعرفة كيف أنفقت أموالهم ولماذا أو هل هناك عائد حقيقى على الاستثمار أم لا

رضاء العاملين صانعى ومقدمى الخدمات والسلع

 

 

 

4- أن الأنظمة الإدارية الصحيحة ، هى التى تعمل على تحقيق التوائم بين الأضلاع الثلاثة لمثلث التميز ، والذى يوضحة الشكل التالى:

الإبتكار  والإبداع

 

 


جودة النظم تؤدى إلى

رضاء العملاء " متلقى ومقدمى الخدمة والممولين "

التكلفة

 

 

وأن هناك حد أدنى من المقومات الأساسية لهذا التميز منها:

§       وجود هياكل تنظيمية تعمق الاستعداد والرغبة فى الابتكار والأبداع لدى جميع أفراد الموارد البشرية فى المنظمة.

§       وجود مجموعة من السياسات والنظم اللائحية والثقافية التنظيمية التى تعمق أقتناع كافة أفراد التنظيم بأن  رؤية ورسالة وأهداف منظمتهم لا يمكن تحقيقها إلا من خلال جودة النظم الإدارية واللائحية المطبقة والتى تستهدف جميعها رضاء عملاء المنظمة.

§       وجود مفاهيم راسخة لدى كافة أفراد المنظمة بإن النظم الادارية واللائحية وغيرها المطبقة تقتضى دائما التحسين المستمر وهو الأمر الذى يؤدى الى التميز المستمر.

 

 

5-   وتأتى الادارة بالشفافية كأحد اهم اركان مقومات ومحاور نجاح التنمية المستدامة ، لانها توفر  العمل فى بيئة تتسم بالشفافية التامة  فتؤدى الى جودة الاداء البشرى والمؤسسى وبالتالى تمكن شركاء التنمية ( الحكومة + القطاع الخاص  + منظمات المجتمع المدنى+ المواطنين )  من الوصول الى الاهداف ودفع حركة التقدم والنهوض بالمجتمع نحو حضارة انجاز عالى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

" الحكومة "

نظم الادارة بالشفافية

 

 

 

 

 

 

 


شركاء التنمية المستدامة

 

منظمات المجتمع المدنى

 ( الجمعيات الأهلية )

القطاع الخاص

 

 

  

جودة الاداء البشرى والمؤسسى

 

 

 



ثانيا:شفافية المنظمات الحكومية من مستلزمات حوكمة الشركات :

ان المبادئ الاساسية لحوكمة الشركات والتى تتمثل فى وجوب التزام الحكومة بالعمل على توفير إطار فعال لحوكمة الشركات  والمحافظة على حقوق المساهمين  والمعاملة العادلة لهم فضلا عن ضمان حقوق ومصالح الأطراف ذات المصلحة أو الصلة      (Stakeholders)  بالنسبة للقواعد المنظمة لحوكمة الشركات  وسن قواعد قانونية واطر تنظيمية تتيح بيئة من الإفصاح والشفافية  وتتحقق معها مسئوليات مجلس الإدارة امام كافة الاطراف ذات الشأن .

وهو ما يقتضى أن تتمتع الهيئات الحكومية الإشرافية والتنظيمية والرقابية المسئولة عن تنفيذ القانون الخاص بالشركات بالسلطة والنزاهة والموضوعية وهو ما يستلزم حتمية خضوع تلك الهيئات الحكومية لمبدأ الشفافية فى إدارة الشئون العامة حتى يمكن لتك الهيئات الحكومية ان تعمل على رفع مستوى الشفافية وكفاءة الأسواق ، الامر الذى يؤدى الى التأثير الايجابى  على الأداء الاقتصادي الكلي، ونزاهة السوق، والحوافز التي تخلقها للمشاركين بالسوق، والترويج  لشفافية وكفاءة الأسواق .

ثانيا :أهمية الإدارة بالشفافية[1] :

     من أراد أن يتعرف على عناصر ومقومات حضارة وتقدم أمة ما ، فلينظر الى نظمها القانونية والإدارية التى تحكم وتنظم إدارة شئونها العامة ، فتلك النظم هى عوامل ومرآة تقدمها او تخلفها ، لما لها من تأثير عظيم ومباشر على كيفية أداء وسلوك الحكومة والجهاز الإدارى التابع لها فى ممارسة وإدارة الشئون العامة ، لإحداث بيئة عامة مواتية للتنمية الشاملة والمستدامة فى كافة المجالات التنموية ، وبهدف اشباع الحاجات المختلفة للمواطنين فى المجتمع من السلع والخدمات وتوفير الرفاهية لجميع أفراد الشعب وبما يحقق رضاءهم عن مستوى السلع والخدمات المقدمة وعن أداء السلطة التنفيذية والجهاز الإدارى التابع لها .

      وفى المجتمعات الحرة الديموقراطية ، والتى بلغ فيها المواطنون عصر الرشد وأيقن جميع الأطراف أن الحكومة ليست أكثر من وكيل عن شعبها فى إدارة شئونه العامة ، وبالتالى أصبح من حق المواطنين ، ليس فقط أختيار حكامهم ، او من يمثلهم ، وانما أيضاً الحق فى توجيهم بل ومشاركتهم صناعة القرارات ومحاسبتهم ، وهو ما يقتضى حتماً وضع الحكومة والجهاز الإدارى التابع لها ، تحت ضوء الشمس للفحص والتدقيق العام فى مجتمع ينبغى أن يكون مفتوحاً فى علاقة الحكومة بالمواطنين .

وفى مجتمع مفتوح حقاً سوف نجد أن القاعدة الطبيعية هى أن الحكومة لا تسير أمور الناس خلف ابواب مغلقة ، فالإجراءات التشريعية والقضائية والتنفيذية والإدارية ، يجب أن تكون مفتوحة للجمهور أثناء إعدادها وصناعتها واتخاذها وتنفيذها ، وذلك كاجراء عادى وروتينى . فإذا كان الظلام هو بيئة الأعمال التى تتسم بالسرية حيث لا يستطيع المرء أن يتبين حقيقة الأشياء ، فإن النور هو بيئة الأعمال التى تتسم بالشفافية حيث يستطيع الانسان أن يتبين الحقيقة كاملة.

وفى البلاد الحرة المتقدمة فإن مبدأ الشفافية والمشاركة ( السياسية والإدارية) فى إدارة الشئون العامة أضحى من المبادئ الاساسية التى تقوم عليها كافة أنظمة هذه الدول ، وأصبحت السرية مجرد أستثناءٍ محدودٍ ومحصورٍ وموقوتٍ وقابلٍ للجدل والانتقاص يوماً بعد يوم لصالح الشفافية كمبدأ عام ، ذلك المبدأ الذى يجب أن يحكم ويسود كافة انشطة ووظائف وأعمال الحكومة وجهازها الإدارى ، وباعتبار أن الشفافية أحد الشروط والمقومات الأساسية للتنمية الشاملة والمستدامة فى كافة المجالات التنموية ، وبمعنى آخر فهى أحد أهم الشروط للحكم الجيد (Good Governance)  ، وباعتبار أن المجتمع غير المطلع جيداً لا يمكن أعتباره مجتمعاً حراً .

     إن أهمية تقرير وتفعيل الشفافية كمبدأ عام فى إدارة الشئون العامة ، لا يمكن بأى حال حصر فوائده فى شتى مجالات حياة الانسان والشعوب والحكومات على وجه العموم ، ذلك أن الأهداف التنموية والقضاء على الفقر ورفع المستويات المعيشية للشعوب وتحقيق الحكم والإدارة الديموقراطية وحماية حقوق الانسان والاصلاح الإدارى ، والسياسى والاقتصادى والاجتماعى والتعليمى والابتكارى التطويرى والوقاية من الفساد ونجاح الادارة فى اداء وظائفها بل ونجاح السلطتين التشريعية والقضائية وغيرها ، أمور لا يمكن تحقيقها إلا مع وجود مبدأ عام للشفافية والمشاركة فى إدارة كافة الشئون العامة فى الدولة بكافة مؤسساتها بصفة عامة وأعمال الإدارة بصفة خاصة .ذلك " أن سلطة التكتم على حقائق الحكومة ما هي إلاّ سلطة تدمير لتلك الحكومة."*

ولذلك فإن الشفافية فى أعمال الإدارة تعد – وبحق – الطريق الى التنمية وبناء المنظمات والإصلاح الإدارى ، فالمصلحة العامة والحريات ، وحقوق الأفراد قبل الدولة او الشركات لا تتحقق على نحو دائم وصحيح ومتوافق مع مبدأ المشروعية إلا فى ظل مبدأ عام للشفافية يسود كافة أنشطة ووظائف وأعمال الحكومة وجهازها الإدارى.

     أن الحقائق التى تؤكدها الدراسة المقارنة للتجارب المختلفة  فى الكثير من دول العالم  لتبرهن على مجموعة من الحقائق الهامة فى مجال التنمية والإصلاح الادارى وهى :

§       أن الدول الأكثر تقدماً فى العالم هى تلك التى أخذت بالشفافية  كمبدأ عام فى إداة شئونها العامة .

§       أن هناك علاقة طردية بين الشفافية ومعدلات النمو والتقدم وكفالة حقوق الانسان والاصلاح الإدارى والوقاية من الفساد. فكلما زادت درجة الشفافية و المشاركة فى إدارة الشئون العامة فى بلد ما ، أرتفعت معدلات النمو والتنمية والتقدم وحقوق الانسان واستطاع الشعب أن يصل بخطوات وأزمنة سريعة الى مستوى حضارى وتقدمى أفضل.

وعلى العكس من ذلك ، فإن السرية فى إدارة الشئون العامة ، تكبل العقول وتقوض الإمكانات ، وتهدر القدرة على استغلال الموارد" البشرية والمادية "وكلما زادت درجة السرية فى أنشطة ووظائف وأعمال الإدارة كلما تعثرت إدارة التنمية وكبا الاقتصاد ، وانتشر الفساد واخفقت الإدارة فى أداء كافة وظائفها وأعمالها وضاعت حقوق الانسان.

ثالثا : مصر والدول العربية بين واقع السرية وأمل الشفافية :

     لقد اصبح من ثوابت تصريحات كافة الحكومات والادارات العامة التابعة لها ، للمواطنين " أصحاب السيادة الحقيقية "بأنها تتبع مبدأ الشفافية فى إدرة شئون الحكم والإدارة ، غير أن هذا فى الكثير من الاحيان ما يكون بعيد تماماً عن حقيقة ومعنى الشفافية ذلك المصطلح الذى يجب ان يلازمه مجموعة من الاحكام الموضوعية والشكلية التى لابد وأن تنعكس فى النظم القانونية والادارية المعمول بها حقيقة والذى يؤدى وبحكم اللزوم العقلى والمنطقى الالتزام بها الى تهيئة بيئة مناسبة للاصلاح السياسى والإدراى والذى ينعكس بدوره ايجابياً وتقدمياً على كافة المجالات التنموية والانسانية .

 وبالنظر الى خريطة العالم للشفافية ( قوانين حرية المعلومات  للعالم لعام 2005 )  فى الشكل التالى يتضح على الفور أن دول العالم تنقسم إلى ثلاث طوائف أساسية :[2] 

الاسود : قوانين شاملة للشفافية

الرمادى : مجهودات عالية لسن قوانين للشفافية

<SPAN lang=A

  • Currently 85/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
29 تصويتات / 1620 مشاهدة
نشرت فى 7 يونيو 2008 بواسطة toukhy

ساحة النقاش

د.سامى الطوخى

toukhy
هاتف متحرك 00971501095679 البريد الالكترونى [email protected] دكتوراه في العلوم الإدارية والقانونية - بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف وتبادل الرسالة مع الجامعات الأخرى ، كلية الحقـوق جامــعة القاهرة . - حوالي 20 عاما من الخبرة العلمية والعملية في مجال التدريس والتدريب المتعلق بمجالات عديدة فى التنمية الإدارية والقانونية والقضائية فضلا »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

259,407