مشهد المستقبل فى تركستان الشرقية |
لا ينبغى الاستهانة بالقضية، حيث ازعم ان المستقبل ليس مشرقا لكنه ليس مظلما تماماً، و اذا كانت هناك الكثير من نقاط الضعف فى موقف مسلمى تركستان، الا ان هناك نقاط قوة و اوراق ضغط يمكن استخدامها للدفاع عن حقوقهم. المستقبل ليس مشرقا لاسباب عدة. فالمحتل دولة كبرى لها ثقلها فى العالم المعاصر، قررت ابتلاع تركستان و تذويبها و ادخالها فى نسيجها بمختلف وسائل الترغيب و البطش و الترهيب. ثم ان الامر فيه مصالح اقتصادية كبرى ايضا، تبرر الطمع فى ثروات تركستان و الاصرار على الاستئثار بها. من ناحية ثانية فالمجتمع الخاضع للاحتلال يضم ملايين المسلمين، الذين قد لا تلقى قضيتهم دعما او حماسا فى الساحة الدولية. و اذا كانت ايريان الغربية قد نجحت فى الحصول على استقلالاها من اندونيسيا، و اعترف بها المجتمع الدولى حتى اصبحت عضوا فى الجمعية العامة للامم المتحدة. فينبغى الا ننسى ان اغلب سكان الجزيرة من المسيحيين الكاثوليك، و ان الفاتكيان ظل يدعم و يساند مطلبهم طول الوقت. و ذلك عامل مهم لا يتوفر لتركستان الشرقية. لقد استثمرت حكومة الصين هذه الاجواء فوصفت مسلمى تركستان بصفتين تثيران القلق فى المحيط الدولى، الاولى انهم مسلمون متطرفون و ارهابيون، و الثانية انهم انفصاليون. و لسبب ضعف الآلة الاعلامية لدى التركستانيين فان اصواتهم لم تسمع، و لم تنجح مساعيهم فى تبديد المخاوف التى ترتبت على الترويج لهذين الادعائين. يتصل بهذه النقطة الاخيرة ان مطالب التركستانيين ليست واضحة لدى الراى العام الاسلامى او العالمى. و الصورة المنطبعة فى الاذهان انهم يرفضون يهمنة الحكومة الصينية، و بعض جماعاتهم تعبر عن ذلك الرفض عن طريق القيام بعمليات مسلحة، لكن ما يقبلون به و يريدونه ليس واضحا بشكل كاف، الامر الذى يفسح المجال واسعا للتسليم بالخطاب الاعلامى الصينى، الذى تتوفر له درجة اكبر من القبول. يضاف الى الصعوبات التى تعترض طموحات التركستانيين ان ثمة عداء للهوية الاسلامية ليس فقط من جانب السلطات الصينية، و لكن ايضا من جانب المحيط الاقليمى، خصوصا فى جمهوريات آسيا الوسطى، التى ما زالت تتحكم فى اغلبها النخب التى كانت مسيطرة فى المرحلة الشيوعية. و هذه النخب ما زالت تخوض صراعا ضد الهوية الاسلامية لمجتمعاتها، و لا يستغرب منها ان تضيق بطموحات شعب تركستان الشرقية الذى يطمح الى استرداد هويته الاسلامية. ( 2) هذه الملابسات لا ينبغى ان تكون باعثة على اليأس، و لا تعنى بالضرورة ان ابواب المستقبل مغلقة تماما، و لكنها تفرض على الناشطين الحريصين على القضية ان يفكروا جيدا فى كيفية التعامل معها بشكل اكثر جدوى. و هناك عدة مبادئ حاكمة فى هذا السياق هى: * ان الذى يضيع القضية حقا لن تكون الحكومة الصينية، و لكن انصراف اصحابها عنها و يأسهم من احتمالات كسبها، و لو فى المستقبل البعيد. * ان الاهداف التى يتعذر تحقيقها لا ينبغى التنازل عنها، ذلك ان ما لا يستطيع ان يحققه الجيل الحالى، لا ينبغى التفريط فيه، و لكن يتعين تركه لاجيال اخرى قادمة قد تتوفر لها ظروف افضل تمكنها من تحقيق ما تعذر على الاجيال السابقة انجازه. * انه يتعين ادراك حقيقة ان الاهداف النهائية فى بعض الصراعات لا تتحقق الا من خلال المرور باهداف مرحلية اولا. و لا غضاضة من الاستغراق فى الاهداف المرحلية لبعض الوقت طالما انه لم يتم التنازل عن الاهداف النهائية. * ان ثمة جهداً ينبغى ان يبذل للابقاء على تركستان الشرقية فى الذاكرة الجمعية، بمعنى انها اذا لم تسترد على ارض الواقع، فينبغى ان تبقى حية فى ذاكرة الاجيال المختلفة و ذلك لا يتأتى الا بتوثيق تاريخ و واقع و خرائط تلك البلاد فى مطبوعات تعمم بمختلف اللغات على اصحاب الارض و على الذين يساندوهم. * ان الاستعجال يضر بالقضية و لا يخدمها، و اذا كانت المراهنة مستمرة على الاجيال القادمة فينبغى الاهتمام بهوية و ذاكرة تلك الاجيال، من خلال توفير فرص التعليم لهم فى جامعات العالم الاسلامى و العربى (ماليزيا - باكستان - الازهر الشريف فى مصر على سبيل المثال) * ان التواصل مع وسائل الاعلام و منظمات حقوق الانسان امر فى غاية الاهمية. ذلك ان هذه هى المنابر التى تثبت الحضور و تنبه الراى العام الى اهمية القضية. * ان جهدا خاصا ينبغى ان يبذل لتوضيح اهداف المدافعين عن القضية التركستانية. و فى الوقت الراهن يتعين التركيز على الامور التالية: احترام حقوق الانسان - الحكم الذاتى- الهوية الدينية - رفض العنف و الارهاب- رفض فكرة الانفصال- التمسك بحق المواطنة الكريمة. (3) هناك اكثر من نقطة قوة يمكن توظيفها لخدمة القضية التركستانية. من هذه النقاط ما يلى: * ان التركستانيين جزء من العالم الاسلامى، بما يعنى انهم لا يقفون وحدهم و لكن هناك بحر كبير من البشر يؤيدهم. * ان حالهم كاقلية مضطهدة لا يختلف كثيراً عن حال اهل «التبت» الذين لهم حضورهم فى الساحة الدولية، رغم قلة عددهم النسبية. * ان جمهوريات وسط آسيا السوفيتية خرجت من الهيمنة السوفيتية، الامر الذى يشكل سابقة تشجع مسلمى تركستان على المطالبة بحقوقهم الانسانية على الاقل، مع حكم ذاتى يحترم خصوصيتهم. * ان الصين لها مصالح اقتصادية كبرى مع العالم العربى، الذى يعد ضمن اهم اسواق بضائعها، و اذا تم الربط بين المصالح الاقتصادية الصينية و بين حسن معاملة المسلمين فى تركستان و الحفاظ على هويتهم الدينية و حقوقهم الانسانية، فان ذلك سيعد انجازاً كبيراً. و استخدام ورقة المصالح هذه فى مواجهة السلطات الصينية لن يتم الا بعد التعبير عن تضامنهم مع اخوانهم فى تركستان. (4) ما العمل؟ نحن نعرف انه ما ضاع حق وراءه مطالب. بمعنى ان الحق لن يضيع اذا ما ظل صاحبه متمسكا به و غير مستعد للتنازل عنه. و لذلك فالمطلوب ان تظل القضية حية فى الذاكرة. ذاكرة الشعب التركستانى اولا، ثم ذاكرة الشعوب العربية و الاسلامية، و فى الساحات الدولية كلما كان ذلك ممكناً. و لا بد من الانتباه هنا ان «الاعلام» يشكل اهم وسائل اثبات الحضور فى الوعى. و لا جدال فى ان التلفزيون اصبح يشكل اهم ادوات التأثير فى الوعى العام، لذلك فان قناة تلفزيونية تتبنى قضية شعب تركستان و تنقل اخبار و وقائع معاناه ذلك الشعب ستكون خطوة هامة فى هذا السبيل. و لا اعرف ان كانت تلك القناة متوفرة الان ام لا، لكننى على الاقل اثق فى انها غائبة عن العالم العربى. و اذا كان عبئ تاسيس تلك القناة مما لا تتحمله الموارد المتاحة، فيكن ذلك عبر برنامج اسبوعى ثابت فى احدى القنوات التركية، شريطة ان يكون البث باللغات الثلاث على الاقل: التركية و الانجليزية و العربية. و ليت القناة التركية العربية الجديدة تتبنى هذه الفكرة بين برامجها. و فى اى عمل دعائى يجب ان يكون الهدف واضحا. حيث المطلوب و المقبول فى الوقت الراهن ان يركز الخطاب الاعلامى التركستانى على «حق المواطنة» فى الصين، الذى يقوم على ثلاثة دعائم هى: احترام الهوية الوطنية و احترام حقوق الانسان- و اقامة الحكم الذاتى. اشدد اخيرا على اربعة امور: اولها الاهتمام بمخاطبة العالم العربى و الاسلامى الذى يشكل الدائرة المرشحة لحمل القضية و الحماس لها من ناحية، و قد سبق ان ذكرت انه يشكل السوق المهمة للبضائع و المصالح الصينية، التى يمكن ان تتأثر سلباً او ايجابياً بموقف الحكومة الصينية من المسلمين فى تركستان. الامر الثانى: الاهتمام بتوثيق القضية من خلال مطبوعات تحفظ لها تاريخها و المراحل التى مرت بها. كما تسجل معالم تركستان الشرقية قبل ان تذوب فى البحر الصينى الكبير. الامر الثالث ان انتهاكات حقوق الانسان التى تحدث فى تركستان يجب ان توثق و تسجل فى كتب سنوية تتضمن تقارير وافية عما يحدث كل عام هناك، و لا ينسى فى هذا الصدد ان غياب التوثيق و ضعف التواصل مع وسائل الاعلام جعل الراى العام فى بلادنا ينسى عمليات القمع القاسية التى تعرض لها التركستانيون قبل اشهر قليلة. كما ان احكام الاعدام التى صدرت و نفذت لم تقابل بالغضب الذى تستحقه فى بلادنا. الامر الرابع ان المطالبة بحق المواطنة الكريمة قد تلتقى مع مطلب الفئات الصينية التى تضم ناشطين يتبنون الدعوة الى الحرية و يدافعون عن حقوق الانسان فى الصين، و هو ما يثير تساؤلا عن امكانية التلاقى مع اولئك الناشطين لتكثيف الضغوط الداعية الي الدفاع عن كرامة مسلمى تركستان. |
ساحة النقاش