أقدام نساء في بحور الشّعر والأدب
**************************
الشاعرة الدكتورة عصمت طلعت:
------------------------------------
من الشاعرات التي نبض شعرها بالنضال والايمان بالعروبة ففي مؤتمر للسّلام برمنغهام (أحد مدن أنقلترا ) أبهرت الحاضرين وأحدثت عاصفة مدوّية عندما دافعت عن انتمائها العربي في خطابها الموسوم بالحماسة :
” لقد ورد في خطاب الافتتاح أن استقبالكم لنا في قلب انكلترا دليل على محبتكم لنا والمرء يستقبل من يحب في قلبه فانظروا أين تقع القدس ، إنها في قلب العالم العربي فاعذروا الجسد الذي لا يعيش بدون قلب ”
شاعرة من قلب الوطن العربي الكبير ومن قلب الوطن الصّغير دمشق سوريانا لقّنتها أن العروبة وطن في جسدها .
من عائلة ذات أصول هاشميّة نتسب إلى أسرة هاشمية يرتقي نسبها إلى سيدي احمد الرفاعي أحد الأئمة الصوفية الأربعة .
تلقت دراستها التحضيرية والابتدائية والثانوية بمدارس سوريا ، وأحبّت منذ صغرها قراءة الشعر العربي قديمه وحديثه، وبدأت منذ صباها المبكّر ومنذ أن كانت في التاسعة من عمرها تنظم الشعر. وبعد أن حصلت على شهادة الدراسة الثانوية، استكملت دراستها الجامعية وحصلت على درجة الليسانس في العلوم السياسية من جامعة دمشق ثمّ التحقت الى مدينة الأضواء باريس لتكمل دراستها العالية فتحصّلت على الدكتوراه ومن دمشق انتقلت لتدرّس بجامعات القاهرة ثمّ عينت بإدارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالجامعة العربيّة.
تلك المناصب لم تلهيها على حبّ الشّعر وكتابته بين العاطفة المتأجّجة فيها والقوميّة العربيّة الثائرة .
فقد صورّت في إحدى قصائدها حالة الطّفلة الشّاردة التائهة لتعبّر عن تمزّقها الوجداني بين بلدين (سوريا ومصر بين سنتي 1958 و1961 ) اختارا أن تنفصم وحدتهما.
***********************
وزمجر البحر بعد الصحو واضطرمت
وأسـكـرتـني وجوهٌ طالما هتفت
وإنـي وإني على عهدي إذا اخترقتْ
وإن أسـاء أخـي يبقى لديّ أخي
يـبقى الصفاء وتمضي السحب لأ
أمـواجـه فـوق مجدٍ في تصدعه
لـلـحق في صرختي الدنيا تُرجّعه
صـدري السهام فجفني ليس تدمعه
ومـوطـنـي إن يضيعني لا أضيعه
نـها، لن يغير اندفاع البحر ضفدعه
*************************
ثمّ تلتها قصيدتها على قمّة الألفين التي عكست مدى إيمانها بعروبتها وقوميتها وحبّها لمصر.
***************************
.
على شرفة الألفين أهدى أحبتي
أقـول لهم يا أجمل الناس حبكم
أقول لكم يا أهل مصر غرامكم
ولا تـحسبوا أن الفراق بقادرٍ
سـلالاً بـها ورد شهيٌّ وزنبقُ
على الدهر في قلبي سلاف مُعتّقُ
كـمـا كان سيل عارم يتدفّقُ
على محو ما بين الضلوع معشّقُ
**************************
من شعرها الوجداني ظهرت قصيدتها أغنية حبّ متّسمة بصمة ابداعيّة مفرطة في أغراء القارء بالسّماع .
***********************
لهفي..
أيوجد من يعاني حرقة الأشواق
مثلي..
أنا... ما عرفتُ الحبّ قبلكَ
هل عرفتَ الحبَّ
قبلي..
قلْ لي.. بربّكَ..
كيف تقضي الليلَ، في مَسراكَ
قل لي..
هَبني بظلّكَ غفوةً
فأريكَ، كيف أمدُّ ظلّي
وأكونُ طفلتَكَ التي ترعى الهوى
وتكونُ..
طفلي
***********************
في هذه الأبيات أبرزت الشّاعرة المفارقة في أسلوب خطابي يعتمد على ردّ الصّدر على العجز فـ (الأنا ) يقابله ( الأنت) في الضمير المتّصل (الكاف)
يذكر الأستاذ عيسى فتّوح أن قصيدة (أغنية للحبّ) تتحدث فيها عن نزهة في ضوء القمر، ويشير إلى أن القصيدة لها تتمّة هي:
أنا في انتظارك قد بسطـ
ـتُ على عِذار النهرِ زندي
ووضعت في رفق النسيـ
ـم على خدود الوردِ خدّي
وأشعّة القمر المتيّـ
ـم في الهوى تخفي وتبدي
أغمضتُ طرفي كي أرا
كَ فثارَ في مثواهُ وجدي
وبقيتُ في ليلي أعا
ني لوعة الأشواق وحدي
*************************
من خلال ما كتبته الشاعرة يتّضح صدق مشاعرها المفعمة بالعاطفة المتوهّجة بحبّ العروبة والوطن
وإن القصيدة حين تمثل شاعرها فإنّها تكون أبلغ من الصّدق حيث تمارس ذاتيّة الشّاعر من خلال ذاته.. جاء في مقدّمة الدكتورة الشاعرة التي عنونتها بـ (إليك) في ديوانها الأول (مهرجان الشروق)قولها: "فما زلت أرى أنه من الصعب الفصل بين الشعر والشاعر بقدر ما يصعب الفصل بين الشعاع ومنبعه".
الشاعرة طلعت ، إلى جانب كونها الشاعرة الدمشقية الأولى التي استطاعت أن
تتخذ لها مكاناً بارزاً بين شعراء دمشق المعاصرين وعلى رأسهم نزار قباني ونذير
العظمة فإنّ صوتها الشّعري وأدواتها الفنيّة وأسلوبها الايقاعي ألفت لها نظر القرّاء والمعجبين فيما قرأوه بين بواكير سطور دواوينها
فهي كالطائر المغرّد على غصنه مواويلا تحلو له فيرى فيها ذاته...وفي هذا الباب تقول رغم تمكّنها من بحور الشّعر والقافية:
**********************
.
ما لي وللشعر العمودِ "وحرّهِ"
إن صاغ عَمْرو أو شدا زيدانُ
غرّد بروضكَ مثلما يهوى الهوى
لك فيه أغصانٌ ولي أغصانُ
وإرادة الإبداع كلٌّ واحدٌ
بنقائه يتعملق العمرانُ
عارٌ على الكتّاب إن غاب السنا
والنجم فوق أجيجه سهرانُ
و"النقد" هل يوماً تفقّدَ غابةً
إن كانَ يحمي الغابةَ السرحان
درّ "الأصالة والحداثة" واحدٌ
إن صحَّ فيه الومض واللمعان
والشعر إن لم يشتعل حمماً فلا
كانت به الأقوال والأوزانُ
************************
ساحة النقاش