سنـــــــــــاءٌ عربىٌّ مبيـــــن
الحلقةُ الثانية
الجزء الثانى من المقدمة
نعود إلى الأصـواتِ اللغوية التى بعلاقــاتها داخل الكلمــة الواحدة يتشـكّل معنى الكلمة،
و هذه العلاقاتُ أوّلُ ما يُعْنَى بها هو "عِلمُ الصرف" ، و يتميَّزُ الصرفُ العـــــــربىُّ بالبناءِ
العقلىِّ و المنطقىّ و نكادُ نقولُ الفِطرىّ ، المنسجمِ مع النواميــــس الفيزيائية و الحيوية لدى الإنسان حيثُ :
1ـ تُبنَى الكلمات على أصـــوات أصلية التى تشكِّلُ الجـذور ، ثم تُلْحَقُ الزيادةُ المرادةُ على
الجذر حسبَ نسقٍ راقٍ بلغَ من الدقة و النضج سماواتِ بديعة .
2ـ الأسمىَ فى العربية و الذى يُذرِى على معظمِ اللغات هو : علاقاتُ ترتيبِ الأصــــواتِ ببعضها من ناحيةٍ ،ثم علاقةُ هذه العلاقات بالزمن والتى أدتْ إلى تناســـقٍ بديـــع لا يلتقى فيه
الساكنانِ،هذا التناسقُ بينَ الزمنِ التكوينىّ للأصوات و الزمن الكونى يعملُ على :
أ ـ إعطاء الصوت الراحة ليعمل على مخرجه بشكلٍ صحيح فيخرجُ مُبِينًا .
ب ـ راحةِ تيّارِ الهواء الخاص بإحداثِ الصوت الفيزيائى اللازم ليُسمَعَ الصوتُ اللغوى .
ج ـ التنظيمُ الإيقاعىُّ الدقيقُ و الذى خرجتْ منه ـ بعد ذلك ـ إيقاعاتٌ منتظمةٌ تربَّتْ عليها
الأذنُ العربيةُ و استخدمها الشعراءُ فى نظم جواهرهمُ الشعريةِ و التى اكتشفها "الخليلُ بن
أحمد" و وضعَ لها ما ينسِّقُها و ذا "عِلْمُ العروض" .
إنَّ عدمَ التِقاءِ الساكنينِ فى العربية يجعلُ لكُلِّ صوتٍ زمنه التكوينىّ الخاص به داخلَ الزمنِ الكونى و لا يسمحُ بحشْرِ الأصوات فى بعضها مما يؤدى إلى تضاؤلِ الزمنِ التكوينى لبعضِ الأصوات المحشورةِ بحيث نجد صعوبةً فى إدراكِه ، كذلكَ يؤدى هذا الانحشارُ إلى عدم خروج الصوت بشكلٍ فصيحٍ "مبين" والذى سنفصلهُ في فصلٍ قادم بإذن الله .
3ـ البناءُ الصرفى و الاشتقاقُ الراقى مع استخدامِ صور "الإبدال" و تنظيم صور الصوتِ فى الإدغام و التخفيف و غيرِها يصل باللغة السانية إلى أسمى درجات الفصاحة و عدم التنافرِ بين الأصوات تبعا للمخارج .
4ـ علاقاتُ الأصواتِ و صفاتِها بالمعنى : حيث نجد الكلمةَ ذات الأصوات الرقيقةِ" المهموسة و الخفيفة مثلاً" تُعبِّرُ عن المعنى الرقيقِ ، و الأخرى ذات الأصوات القوية الشديدة تعبِّرُ عن معنى القوة و الشدة .
إنّ العددَ الهائلَ من الجذور و الذى يسمح بوجودِ عدد كبـيرِ من الكلمات التى تدلُّ على شىءٍ واحدٍ و ليست متساوياتٍ فى المعنى و لكن تختلف فى الدرجة أو التوصيف الدقيق للشىء ، و خير أمثلةٍ هُنا أسماءُ الحيوانات كالأسدِ و الكلب و الإبلِ ؛ فكلُّ اسمٍ لها يصف الحيوان بصفةٍ معينة تتعلق بشكله أو مراحل عمره أو حالتهِ أو وضعهِ أو حركته ، كذا وصفُ المعانى و درجاتها ، و ايضا علاقةُ الألفاظ بالأوقات و الأزمنة .
آخر نقاط هذه المقدمة هو العلاقةُ بين الكلمة و الكلمة داخل الجملةِ ، و المَعْنِىُّ الأول بها هو "علم النحو" ؛ فهذه العلاقات تُبْنَى على أسمى درجات العقلانية و الفطرية و التى تتناغمُ مع الواقع الحيوى و الفيزيائى للإنسان خاصة تيّار الهواء من الرئتين إلى الشفاه و الذى يسبِّبُ حدوثَ الصوت الفيزيائى .
كلُّ لمحة من هذه النقاط سنفرد لها حلقة و بحثا خاصا بإذن الله تعالى .
ساحة النقاش