الويب الدلالي
الويب الدلالي.. ثورة المعلومات الحقيقية
من الرؤى والأهداف التي يسعى العلماء إلى تحقيقيها في المستقبل المنظور مفهوم الويب الدلالي
(Semantic Web) وهو مفهوم جديد يطمح العلماء من خلاله إلى تحويل الويب من مجرد حاوية أو مستودع كبير للمعلومات المبعثرة والمتناثرة إلى قاعدة بيانات عالمية ضخمة تكون المعلومات فيها مترابطة جيدا ومعرَفة بشكل تفهمه الآلة ويمكن لها معه إدراك العلاقات الترابطية بين المعلومات وتحليل وفهرسة أصناف المعرفة لتجعل من عملية البحث عن المعلومة عملية تقوم الآ لة بجزء كبير منها وليس على الإنسان إلا استقبال النتائج شبه جاهزة والاستفادة منها.
هذا المفهوم الذي يعتبره المهتمون عنصراً مهماً في الجيل الجديد من الويب web 3.0، أن تحقق على أرض الواقع بالشكل الذي يخطط له العلماء حالياً فإنه بلا شك سيحدث تغييراً هاماً في نظرة المستخدم وتعامله مع شبكة الويب، وسيكون له الأثر الإيجابي الكبير على محركات البحث بصفتها البوابة الرئيسية للحصول على المعلومة حيث سيكون من السهل على محرك البحث أن يعي الجملة أو مفردة البحث التي يبحث عنها ولا يتعامل معها كمجموعة كلمات أو أحرف غامضة بالنسبة له - كما هو الحال اليوم - بل معاني تقوم أنت كمستخدم بشرحها له وفق دلالات ومعطيات محددة ومفهومة من قبله كأن تحدد مثلا أنك تبحث عن اسم شخص، مكان، مصطلح علمي، عنوان كتاب، أو برنامج حاسوبي..إلخ.
وربما تحدد بشكل أدق أيضاً العديد من المعطيات الأخرى التي تساعد على دقة النتائج وعدم التباسها على محرك البحث مثلاً توضح أن ما تبحث عنه هو الاسم الأول لعالم عاش في القرن الثاني عشر، عنوان كتاب ألفه فلان، أو برنامج متعلق بالحماية وهكذا، حسب المعلومة المرادة، وحسب المعطيات أو "المعالم" التي تحددها.
وقد تؤول الأمور إلى أبعد من ذلك وتزول ببساطة محركات البحث بشكلها الحالي.. ليحل محلها جيل جديد من محركات البحث التخصصية والتي يهتم كل منها بموضوع معين أو فن أو علم من العلوم، وتكون بالأحرى واجهات برمجية ذكية ومتكاملة يكون البحث من خلالها وفق أساليب منظمة تضمن سهولة العثور على المعلومة المطلوبة بكل يسر وسهولة.
هذا التطور الجديد من شأنه أيضاً أن يوكل مهمة التحليل والاستنباط التي يقوم بها المستخدم حالياً للوصول إلى ما يبحث عنه في الويب يوكلها إلى جهاز الحاسوب الذي يقوم بكل كفاءة وسرعة بإجراء العمليات الحسابية والمنطقية المعقدة على البيانات والمعلومات المختلفة ليوفر عليك الكثير من المشقة في استخلاص النتائج المطلوبة والتدقيق فيها.
ولك أن تتخيل عندئذ أمام هذا الكم الهائل من المعلومات المتوفرة على الشبكة كم يمكن لبرنامج أو محرك بحث معين أن ينتج من إحصائيات معقدة واستنتاجات وتحليلات دقيقة ومذهلة وحسب الطلب، تستمد تنوعها وقوتها من تنوع المعلومات الموجودة على الويب وتخفف الكثير من العبء عن الباحث الذي يصعب عليه وربما يستحيل أن يقوم بهذه الأعمال بشكل ذاتي.
ولجعل هذه الصور أو الطموحات ممكنة التحقق بالصورة الأفضل يطور العلماء حالياً تحت إشراف منظمة (W3C) - وهي المنظمة المعنية بتطوير تقنيات شبكة الويب - العديد من الأدوات والحلول التي تمهد الطريق للمواقع الالكترونية - بصفتها هدف هذا المفهوم - لتحويلها إلى مواقع تتماشى مع مفهوم الويب الدلالي وتحقق معاييره في صيانة المعلومات وتنظيمها الأمثل.
أبرز هذه الأدوات بإيجاز شديد:
1لغة RDF: وهي قواعد عامة تطبق لوصف المعلومات على الويب وإعطاء الدلالات لها حتى تكون تلك المعلومات ذات معنى وذات خصائص تسهل تصنيفها وتوزيعها بشكل سليم، ويمكن تطبيق هذه القواعد واستخدامها في وصف وتمثيل أي شكل من أشكال المعلومات، ويتم كتابة الأوصاف والدلالات بشكل نصي باستخدام لغة XML وهي لغة متعددة الأغراض ولها استخدامات كثيرة ويعتمد عليها هنا أيضا.
2- لغة OWL: وتوفر مزايا أوسع من لغة RDF حيث تركز على ربط المعلومات مع بعضها وتأسيس العلاقات بين المعلومات والمفاهيم التي تجمعها علاقة ما (اعتمادا على قوانين مقتبسة من علوم فلسفية) هذه العلاقات والروابط التي تؤسس بين المعلومات تستفيد منها البرمجيات المختلفة في فهم وبالتالي تحليل ومعالجة المعلومات طبقاً للعلاقات التي تربطها.
- 3لغة الاستعلام SPARQL: وهي لغة معتمدة حديثاً من منظمة (W3C ) تتيح استخلاص المعلومات والاستعلام عنها حسب أوصافها ودلالاتها والعلاقات التي تربطها، وتوفر للمستخدم النهائي أساليب للبحث بشكل مرن جداً.
وباستخدام هذه الأدوات يمكن لمطور الموقع أن يجعل من موقعه مصدراً وهدفاً ليس للقراءة والتصفح التقليدي فحسب بل كتلاً وعناصر من المعلومات التي تتكامل وتتحد مع مثيلاتها في المواقع الأخرى لكي تستفيد منها البرمجيات المختلفة في معالجتها ومن ثم تقديمها للمستخدم النهائي بالشكل الذي يطلبه.
أخيراً ربما تكون بوادر الويب الدلالي قد ظهرت فعلاً منذ فترة عبر عدد من المواقع الالكترونية، ومع ذلك من الصعب التنبؤ بالحال التي ستكون عليها شبكة الويب مستقبلاً وعلى التطبيقات التي ستظهر عندما يتم الاعتماد بشكل واسع على مفهوم الويب الدلالي وعلى تقنياته الواعدة، ولكن ما يمكن قوله!
هنا أن خطوة كبيرة ترفع من مستوى وجودة الويب وتقرب المعلومة لطالبها وتعزز وسائل التفاهم بين الإنسان والآلة تعني بالتأكيد الشيء الكثير
ساحة النقاش