إن كل ما شهدته نظم التعليم من تطور على مدى العقود الأخيرة استجابة لدواعي العصر وتغيراته جاء مؤكدًا لأهمية دور المكتبة المدرسية ومعززًا لمكانتها إلى الحد الذي دفع بها إلى موقع القلب من العملية التعليمية، ونستطيع أن نلمس هذا التطور من خلال البعديين الآتيين
البعد الأول:المكتبة المدرسية محور اكتساب مهارات التعلم الذاتي
شهد العالم منذ حوالي منتصف هذا القرن طفرة علمية وتكنولوجية باهرة في انجازاتها ومثيرة في عمق تأثيرها على حياة الفرد والمجتمع
وقد كان لذلك تأثيرات بعيدة المدى على نظم التعليم والمفاهيم التي تعمل في إطارها، ومن بين هذه التأثيرات
إن الكتاب المدرسي المقرر مهما تضخم حجمه لم يعد مصدرًا وحيدًا ومكتفيًا بذاته، في ظل التنامي المطرد في حجم المعرفة البشرية والتدفق الهائل للمعلومات فيما يعرف بظاهرة تفجر المعلومات، كما أن أسلوب التلقين والحفظ والاستظهار لم يعد قادرًا على إعداد المتعلم لمواجهة عالم حافل بالمتغيرات والتحديات
إن فترة التعليم النظامية ليست سوى مرحلة من مراحل الحياة التعليمية للفرد وأصبح من الضروري تزويده وهو بعد في المدرسة بالمهارات التي تعينه على مواصلة التنمية الذاتية والتعليم المستمر على امتداد حياته
واستجابة لهذه التحديات نشأت مفاهيم التعلم الذاتي والتعليم المستمر أو التعلم مدى الحياة لتصبح محور التربية الحديثة وهدفًا من الأهداف الكبرى لأي نظام تعليمي معاصر، وتعني في جوهرها اكتساب مهارات البحث والتعامل مع مصادر المعلومات، واكتساب القدرة على النقد والتقييم، ومهارات عرض المعلومات والتعبير عنها بمختلف وسائل وأدوات التعبير فيما يسمى بمهارات الاتصال
واكتساب هذه المهارات لن يتم دون ممارستها ودون اعتماد المتعلم على جهده الشخصي في تحصيلها، وفي جملة واحدة فإن هذه المفاهيم تعني أن يتعلم الفرد كيف يتعلم بنفسه
وفي إطار هذه المفاهيم اكتسب دور المكتبة المدرسية أبعادًا جديدة، فهي المجال الطبيعي للتدرب على هذه المهارات وممارستها، وقد وصل بعضهم في تقديره لهذا الدور إلى حد القول بأن الطالب الذي يتخرج من المدرسة دون ان يكتسب مهارات البحث، والرغبة الدائمة في الحصول على المعرفة، والقدرة على تناول المعلومات وتقييمها يكون تعليمه قد فشل
البعد الثاني: المكتبة مركز مصادر التعلم بالمدرسة
إن وضع المكتبة في ظل المفاهيم التقليدية للتعليم أدى إلى الحد من فاعليتها، ومن الاستخدام الفعال لوسائل الاتصال الحديثة بوصفها مصادر للمعلومات وادوات تتكامل مع مجموعات الكتب والمواد المطبوعة الأخرى
وتمشيًا مع المفاهيم التربوية الحديثة فقد برزت صيغة مركز مصادر التعلم التي تدمج معًا المصادر التعليمية بكل أشكالها المطبوعة والمسموعة والمرئية في مركز تضم فيه هذه المواد على نحو يساعد على الاستفادة منها ووضعها في متناول الطلاب والمعلمين على حد السواء
ولا يقف التحول بالمكتبة التقليدية إلى مركز للمصادر التعليمية عند مجرد جمع المواد التعليمية بأشكالها المتنوعة في مكان واحد، بل يتضمن أعمالاً عديدة من بينها
إعداة تشكيل المساحات المتوفرة لتؤدي وظائف المركز المتعددة، فلا يكفي أن تكون هناك قاعدة للقراءة بل يجب أن تكون هناك مساحات للاستماع والمشاهدة والمناقشة، وأماكن للاطلاع الفردي، وأماكن للعمل في مجموعات
افساح المجال لمشاركة أوسع من جانب الهيئة التعليمية وتوجيه الطلاب إلى بناء مهاراتهم وتطوير قدراتهم على التعلم الذاتي من خلال مشروعات تنجزها مجموعات عمل، أو من خلال التكليفات بالعمل الفردي ضمن أنشطة مواصلة التعلم باستخدام مصادر المركز
تدعيم فكرة الاستخدام في مقابل الحفظ حيث يتيح مركز المصادر التعليمية الفرصة للاستخدام المكثف للكتب والمواد الأخرى، ويحفز على الاستفادة منها وتداولها عملاً بمبدأ أنه خير للكتب والمواد التعليمية أن تبلى من كثرة الاستخدام من أن تتقادم وتبلى وهي مخزنة أو محفوظة بعيدًا عن متناول المستهدفين بالاستفادة منها
على هذا النحو فإن مركز مصادر التعلم حينما يتم تنظيمه وفقًا للمفهوم الذي تم عرضه يتحول إلى قلب المدرسة، ويصبح خلية نحل حافلة بالنشاط، ليس مجرد مكان تخزن فيه الأفكار والحقائق في أشكال مطبوعة أو مسجلة أو موضحة، بل مكانًا مفتوحًا لاستخدام الطلاب والمعلمين، يستخدمه الطلاب لمواصلة التعلم، ويستخدمه المدرسون لتصميم وتطوير خبرات التعليم
ساحة النقاش