لقد شغلت قضية الديمقراطية المفكرين السياسيين في العالم العربي منذ فجر النهضة العربية المعاصرة، أي منذ ما يقرب من قرنين من الزمان. وقد تغير مفهوم الديمقراطية وتعدل منذ ذلك الوقت تحت تأثير مجموعة متنوعة من التطورات الاجتماعية والسياسية.[ii] ولعل أول من أثار حوارا حول الفكرة الديمقراطية في العالم العربي هو الشيخ رفاعة الطهطاوي، الذي كان لويس عوض يطلق عليه لقب أبو الديمقراطية المصرية.[iii] وكان الطهطاوي (1801-1873) بعد تخرجه من الأزهر قد أرسل إلى فرنسا إماما مرافقا لفرقة عسكرية ابتعثها محمد علي إلى هناك للتعلم والتدريب، فأحسن استغلال وجوده بالإقبال على تعلم العلوم الغربية بحماسة منقطعة النظير، فأتقن اللغة الفرنسية ودرس الفلسفة اليونانية والجغرافيا والمنطق، وقرأ مؤلفات رواد الفكر الفرنسي مثل فولتير وروسو. وما أن عاد إلى القاهرة حتى ألف في عام 1834 كتاباً بعنوان 'تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز' دو ن فيه مشاهداته حول عادات ومسالك أهل فرنسا،[iv] وكال المديح للنظام الديمقراطي الذي نشأ فيها ووصف مشاعره تجاه انتفاض الأمة الفرنسية للدفاع عن الديمقراطية من خلال ثورة 01830 ضد الملك تشارل العاشر.[v] وحرص الطهطاوي على إثبات أن النظام الديمقراطي الذي كان شهده في فرنسا ينسجم انسجاما تاما مع تعاليم الإسلامي ومبادئه.
ومن الأعلام الذين كان لهم السبق في هذا المجال خير الدين التونسي، رائد حركة الإصلاح التونسية في القرن التاسع عشر، والذي كان عام 1827 قد وضع خطة شاملة للإصلاح ضمنها كتابه 'أقوم المسالك في تقويم الممالك'. وبينما توجه خير الدين التونسي من خلال كتابه إلي سياسيي وعلماء عصره حاثاً إياهم على انتهاج كل السبل الممكنة من أجل تحسين أوضاع الأمة والارتقاء بها، فقد حذر من مغبة رفض تجارب الأمم الأخرى انطلاقاً من الظن الخاطئ بأنه ينبغي نبذ كل الكتابات أو الاختراعات أو التجارب أو التصرفات الناشئة عن غير المسلمين. وطالب التونسي بإنهاء الحكم المطلق المضطهد للشعوب والمدمر للحضارات.[vi] وسعياً منه لإنفاذ خطته الإصلاحية، أنشأ خير الدين التونسي المدرسة الصادقية لتعليم الفنون والعلوم الحديثة ضمن إطار القيم الإسلامية. وقد جاء في إعلان تأسيس المدرسة أن الهدف منها هو تدريس القرآن والكتابة والمعارف المفيدة، أي العلوم الشرعية واللغات الأجنبية والعلوم العقلانية التي قد يستفيد منها المسلمون شريطة ألا تكون مناقضة للعقيدة. وجاء فيه أيضا إنه يتوجب على الأساتذة أن ينموا في الطلاب حب العقيدة عبر إبراز محاسنها وتميزها، وعبر إخبارهم بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم والمعجزات التي تحققت على يديه، وتذكيرهم بصفات الصالحين.[vii]
أما جمال الدين الأفغاني (1838-1897) فقد توصل بعد تقص لأسباب انحطاط المسلمين أن مرجع ذلك هو غياب العدل والشورى وعدم تقيد الحكومة بالدستور. ولذلك فقد رفع لواء المطالبة بأن يعاد للشعب حق ممارسة دوره السياسي والاجتماعي عبر المشاركة في الحكم من خلال الشورى والانتخابات.[viii]
وقد سار على نهج الأفغاني تلميذه محمد عبده (1849-1905) الذي رأى بأن أهم تحد يواجه الأمة الإسلامية هو نظرتها إلى العلاقة بين الإسلام والعصر. وفي محاولة للتوفيق بين المبادئ الإسلامية وبعض الأفكار الغربية اقترح عبده بأن مصطلح المصلحة عند المسلمين يقابل المنفعة عند الغربيين، وبأن الشورى تقابل الديمقراطية وأن الإجماع يقابل رأي الأغلبية. ولدى معالجته إشكالية السلطة، أكد عبده بأنه لا يوجد حكم ديني (ثيوقراطية) في الإسلام، معتبرا أن مناصب الحاكم أو القاضي أو المفتي مناصب مدنية وليست دينية. ودعا في هذا المجال إلى إعادة إحياء الاجتهاد للتعامل مع الأولويات والمسائل الطارئة والمستجدة على الفكر الإسلامي.[ix]
في نفس الفترة تقريباً، تألق نجم عبد الرحمن الكواكبي (1849-1903) الذي ألف كتابين حول هذه القضايا، الأول بعنوان 'طبائع الاستبداد' والآخر بعنوان 'أم القرى'. في كتابه الثاني، تصور الكواكبي حواراً بين عدد من المفكرين ينحدرون من مدن مختلفة في العالم الإسلامي جمعهم في مكة المكرمة مؤتمر عقد خلال موسم الحج لتبادل الرأي حول أسباب انحطاط الأمة الإسلامية. ومن الأفكار التي حرص الكواكبي على طرحها ما جاء على لسان البليغ القدسي: 'يخيل إلى أن سبب الفتور هو تحول نوع السياسة الإسلامية، حيث كانت نيابية اشتراكية، أي ديمقراطية تماماً، فصارت بعد الراشدين بسبب تمادي المحاربات الداخلية ملكية مقيدة بقواعد الشرع الأساسية، ثم صارت أشبه بالمطلقة'، وما جاء على لسان الرومي: 'إن البلية أن فقدنا الحرية'. ويخلص الكواكبي في النهاية إلى أن التقدم مرتبط بالمحاسبة بينما التخلف مرتبط بالاستبداد.[x]
أما محمد رشيد رضا (1856-1935) فرأى أن سبب تخلف الأمة يكمن في أن المسلمين فقدوا حقيقة دينهم، وأن ذلك مما شجعه الحكام الفاسدون، لأن الإسلام الحقيقي يقوم على أمرين: الإقرار بوحدانية الله، والشورى في شؤون الدولة. واعتبر أن الحكام المستبدين حاولوا حمل المسلمين على نسيان الأمر الثاني بتشجيعهم على التخلي عن الأمر الأول.[xi] وأكد أن أعظم درس يمكن أن يستفيده أهل الشرق من الأوروبيين هو معرفة ما يجب أن تكون عليه الحكومة.[xii]
لقد حاول مفكرو القرن التاسع عشر - الذين تأثروا ولاشك بفكر وممارسة الديمقراطية الأوروبية - إثبات وجود تشابه بين الديمقراطية والمفهوم الإسلامي للشورى، وسعوا في مواجهة أزمة الحكم الخانقة والفساد والسلوك المستبد للحكام في العالم الإسلامي إلى تبرير اقتباس جوانب من النموذج الغربي اعتقدوا بتوافقها مع الإسلام وقدرتها على إخراج المجتمعات العربية من أزمتها السياسية. يرى الشيخ راشد الغنوشي بأن هؤلاء الرواد ابتداء من الطهطاوي ومروراً بخير الدين التونسي وانتهاء برشيد رضا لم يكن أحد منهم ليفكر قط في وضع الدين أو جزء منه موضع اتهام أو شبهة أو يستهدف تغييره أو تبديله، وإنما كان سعيهم يستهدف تجديد في فهم الدين وطرائق تطبيقه والاستناد إلى علماء مجددين قدامى ومحدثين لتبرير الاقتباس من الغرب على اعتبار أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وأن الدين إنما جاء لتحقيق مصالح العباد، وأنه حيث المصلحة فثم شرع الله.[xiii]
الإخوان المسلمون
إلا أن تحولا طرأ على هذه النزعة بعيد الحرب العالمية الأولى، وخاصة بعد الإعلان رسميا عن سقوط نظام الخلافة الإسلامية عام 1924، ذلك الحدث الذي فجع به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بالرغم من أن كثيرين منهم تكبدوا كثيرا من المعاناة في أواخر عهد الدولة العثمانية بسبب استشراء الفساد وانتشار المظالم. فرغم كل ذلك كانت الخلافة الإسلامية تراثا تنظيمياً ارتبط بمشاعر المسلمين لقرون طويلة، وكانت رمزاً لوحدتهم ودرعاً لدينهم وكيانهم الدولي.[xiv] وإثر سقوط الخلافة، لم يعد التحدي الذي يواجه المسلمين هو الاستبداد، بل ضياع رمز الوحدة الإسلامية التي كان الإصلاحيون يبذلون كل ما في وسعهم لإصلاحه والحفاظ عليه من الزوال. في تلك الحقبة، تحولت النظرة إلى الديمقراطيات الأوروبية التي طالما أعجب بها الإصلاحيون، فأصبحت السمة الغالبة عليها أنها قوى إمبريالية مزقت الخلافة وتقاسمت تركتها وتداعت على المسلمين كما تداعى الأكلة على قصعتها. وأصبح مصدر الخطر هو مخطط التغريب الذي بذل فيه المستعمرون جل جهدهم، والذي ما اقتصر على سلب الخيرات وشل الإرادات بل بات يهدد هوية الأمة المستمدة من عقيدتها ولغتها. وبذلك تبدلت الأولويات وأصبح رأس الأمر هو الكفاح لتحرير ديار العروبة والإسلام وحماية الثقافة من الطمس والتبديل، وتحولت دعوة الإصلاح السياسي إلى دعوة للتجديد.
ولعل أبرز مظاهر هذا الموقف ما مثلته جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تأسست عام 1928 كرد فعل على إسقاط الخلافة، كما ورد على لسان مصطفى مشهور، المرشد الخامس للجماعة، والذي أكد أن حسن البنا، مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، قام ليعلن أن إعادة الخلافة فرض عين على كل مسلم ومسلمة.[xv] وكان حسن البنا قد وجه رسالة إلى رؤساء وملوك الدول الإسلامية في حزيران (يونيو) 1947 طالبهم فيها بتحمل مسؤولياتهم والقيام بمهمة خدمة الأمة، وهي المهمة التي قال إنها تنقسم إلى شقين: الأول تخليص الأمة من القيود السياسية حتى تنال حريتها ويرجع إليها ما فقدت من استقلالها وسيادتها، والثاني بناؤها من جديد لتسلك طريقها بين الأمم وتنافس غيرها في درجات الكمال الاجتماعي.[xvi]
لم يكن حسن البنا منظراً سياسياً بقدر ما كان زعيماً وطنياً ملهماً استحوذ على اهتمامه استنفار الأمة ضد الاستعمار والتنبيه إلى آثاره السلبية على المجتمع. دعا البنا إلى استعادة الحكم الإسلامي على قواعد ثلاث هي مسؤولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها.[xvii] وفي معرض تحليله لأسباب النجاح الأوروبي، رأى البنا حتمية انهيار الحضارة الغربية بسبب ما تفشى فيها من ضعف الأخلاق والربا واضطراب النظم السياسية. كما اعتبر الأحزاب السياسية أحد العوامل المؤذنة بأفول نجم أوروبا.[xviii] ومع أن البنا ترشح للانتخابات النيابية في مصر مرتين، ورغم حرصه على التأكيد على أن النظام البرلماني والدستوري ينسجم من حيث المبدأ مع نظام الحكم الإسلامي، إلا أنه كان يعارض التعددية الحزبية، ويرى أن الأحزاب السياسية تهدد الوحدة الإسلامية، التي اعتبرها أساسية لاستعادة نظام الخلافة. وفي ذلك قال البنا: 'لقد انعقد الإجماع على أن الأحزاب المصرية هي سيئة هذا الوطن الكبرى، وهي أساس الفساد الاجتماعي الذي نصطلي بناره الآن، وأنها ليست أحزاباً حقيقية بالمعنى الذي تعرف به الأحزاب في أي بلد من بلاد الدنيا، فهي ليست أكثر من سلسلة انشقاقات أحدثتها خلافات شخصية بين نفر من أبناء هذه الأمة اقتضت الظروف في يوم ما أن يتحدثوا باسمها وأن يطالبوا بحقوقها القومية.... ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعاً ، وتجمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها، ويضع أصول الإصلاح الداخلي العام...'[xix]
في نفس الوقت، وفيما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، استمر منتسبو التيار الليبرالي في العالم العربي، كأسلافهم من رواد العلمنة في القرن التاسع عشر،[xx] في الدعوة إلى التغريب، ونادوا بصياغة دساتير وأنظمة قانونية حديثة تحاكي التجربة الأوروبية في استبعاد الدين من شؤون الحياة العامة. ورفعوا شعار 'فصل الدين عن الدولة' معتبرين أن الإسلام كان السبب وراء تخلف العرب.[xxi] ويذكر في هذا المجال أن إلغاء الخلافة عام 1924 كان قد أثار جدلًا في أوساط المفكرين آنذاك حول أهمية الخلافة وحول رد فعل المسلمين على سقوطها. وكانت أخطر مساهمة في هذا الجدل للشيخ علي عبد الرازق (1888-1966)، الذي كان بعد تخرجه من الأزهر قد قضى بضع سنين في أكسفورد ببريطانيا متابعاً للدراسات العليا. تمثلت مساهمة علي عبد الرازق في كتاب مثير بعنوان 'الأسلام وأصول الحكم' ادعى فيه أن الإسلام دين لا دولة، ونفى وجود نظام سياسي في الإسلام وأنكر الدور السياسي للنبي صلى الله عليه وسلم بحجة أن ولايته على قومه كانت ولاية روحية.[xxii]
الاستقلال والإرث الاستعماري
استثار الاستعمار شعوب المسلمين، فنهضوا ثائرين يناضلون لاستعادة الاستقلال. إلا أن زعامة الحركات التحررية - التي كان منشؤ كثير منها إسلامياً - آلت إلى النخب المتغربة التي تحولت فيما بعد إلى أنظمة مستبدة حلت محل المستعمر لتقوم نيابة عنه بكافة مهامه. ولذلك تعرض الإسلام، دينا وثقافة، خلال فترة ما بعد الاستقلال لهجوم شرس باسم الحداثة والتحديث. فلقد حول الأزهر إلى جامعة علمانية وأغلقت أبواب جامعة الزيتونة في تونس، وأممت الأوقاف وحلت المحاكم الشرعية أو همش دورها تماماً ، وحظرت الأحزاب والتجمعات السياسية. ووجهت للإخوان المسلمين خلال الحقبة الناصرية ضربات متتالية تمخضت عن إعدام مجموعة من رموزها وسجن المئات من أعضائها ودفع ما تبقى منهم للفرار أو العمل السري.
وبذلك تغير نوع التحدي مرة أخرى، ولم يعد النضال من أجل الاستقلال هو المطروح، وإنما الكفاح لمقاومة الهجوم الشرس على الإسلام وعلى الهوية الثقافية للأمة لا من قبل المستعمر بل من قبل أنظمة الحكم التي سادت بعد الاستقلال. منذ ذلك الوقت وحتى مطلع السبعينيات كان الفكر السائد في أوساط الحركة الإسلامية هو فكر أبي الأعلى المودوي وأبي الحسن الندوي وسيد قطب.
منذ منتصف الخمسينيات أصبح سيد قطب (1906-1966)، الذي اعتقل عام 1954 لعشر سنين ثم أعدم عام 1966، المنظر الرئيس للإخوان المسلمين، وصار كتابه 'معالم في الطريق' - الذي صنف ردا على بطش النظام الناصري بالإخوان - من أكثر الكتب انتشارا في العالمين العربي والإسلامي، وخاصة بعد هزيمة العرب في حرب عام 1967. وضع قطب في هذا الكتاب نظريته حول الجاهلية التي جاء الإسلام لينقذ البشرية منها، فقسم الأنظمة الاجتماعية بناء على هذه النظرية إلى نوعين: النظام الإسلام والنظام الجاهلي. واعتبر هذا الأخير فاسداً من النوع الذي ساد في جزيرة العرب قبل الإسلام، والذي خضع الناس بموجبه لا لخالقهم وإنما للطواغيت. وجزم قطب بأن المجتمع الإسلامي نفسه ينقسم إلى قسمين: قسم إسلامي وآخر جاهلي، وبأن الجاهلية الآن لم تعد مقتصرة على الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي، بل وصلت عدواها إلى العالم الإسلامي. فتصورات الناس ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومصادر ثقافتهم وفنونهم وآدابهم وقوانينهم، والفلسفة الإسلامية والفكر الإسلامي، صارت كلها حسب رأيه من صنع الجاهلية ويظنها كثير من الناس ثقافة إسلامية.[xxiii]
رغم تأثر سيد قطب بفكر المودودي حول قضية الجاهلية، إلا أنه خالفه فيما يتعلق بالديمقراطية. فقد كان المودودي يرى أن الإسلام بإرسائه مبدأ الشورى دين ديمقراطي، ولذلك فقد دعى - رغم تحفظه على الممارسة الغربية للديمقراطية الليبرالية - إلى إعطاء الديمقراطية فرصة لتتكيف وتنجح في البلدان الإسلامية.[xxiv] أما سيد قطب فاتخذ موقفاً حازماً ضد أي محاولة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية، وعارض بشدة وصف الإسلام بأنه ديمقراطي، ودعا إلى دكتاتورية عادلة تضمن الحريات السياسية للصالحين فقط. وكان يتساءل إذا كان نظام الحكم الديمقراطي قد أفلس في الغرب، فلماذا نستورده نحن في الشرق؟ مما لاشك فيه أن سيد قطب ومن تأثر بفكره انطلقوا في معالجتهم لموضوع الديمقراطية من موقع مناهض للغرب، ولا يخفى أن خطاباتهم لا تبدى أدنى اهتمام بأصل أو طبيعة أو تطور أو حتى تنوع الفكرة أو الممارسة الديمقراطية، وإنما يغلب عليها التنديد بسياسات ومسالك الحكومات الديمقراطية في الغرب التي كابد العرب والمسلمون بسبب سياساتها الخارجية وبسبب عدوانها على شعوب الأرض، وبالتالي فإن الموقف الرافض للديمقراطية لا يعدو كونه رد فعل.
في هذه الأثناء ظهرت مدرسة فكرية مختلفة في المغرب العربي تعود جذورها إلى ما أرساه خير الدين التونسي في القرن التاسع عشر من أفكار وما تركه محمد عبده من آثار بعد زيارته لتونس مرتين متتاليتين أقام خلالهما علاقات متينة مع عدد من المفكرين هناك وحثهم على تطوير جامع الزيتونة. كما تعود إيضا إلى أعلام من أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس أحد مؤسسي جمعية علماء الجزائر عام 1931، والثعالبي والطاهر الحداد وعلال الفاسي، ثم المفكر الجزائري مالك بن نبي (1905-1973)، الذي جمع بين الثقافتين الإسلامية والفرنسية وكان يرى أن نهضة أوروبا أفادت المسلمين من حيث أنها حفزتهم على القيام من غفلتهم وعلى البحث عن مخرج مما هم فيه من تخلف سب به انعدام القدرة على التفكير وتردي المعنويات وفساد الخلق. ومن أهم المواضيع التي شغلت بن نبي وكتب وحاضر فيها قضايا الحضارة والثقافة والمفاهيم والاستشراق والديمقراطية.
في محاضرة بعنوان الديمقراطية في الإسلام ألقاها في نادي الطلبة المغاربة عام 1960، حاول بن نبي الإجابة على سؤال 'هل في الإسلام ديمقراطية؟' مشيراً إلى أن تعريف مفهومي الإسلام و الديمقراطية بالطريقة التقليدية قد يؤدي إلى استنتاج عدم وجود علاقة بينهما من حيث التاريخ والجغرافيا، منبهاً في ذات الوقت إلى أن تفكيك المصطلح في معزل عن محموله التاريخي وإعادة تعريف الديمقراطية في أبسط أشكالها تحريراً من القيود اللغوية والأيديولوجية قد يوصل إلى استنتاج مختلف. ورأي أنه ينبغي النظر إلى الديمقراطية من ثلاث زوايا: الديمقراطية كشعور نحو ال- (أنا)، والديمقراطية كشعور نحو الآخرين، والديمقراطية كمجموعة من الشروط الاجتماعية والسياسية اللازمة لتكوين وتنمية هذا الشعور في الفرد. فهده الشروط ليست من وضع الطبيعة ولا من مقتضيات النظام الطبيعي، على خلاف ما تتصوره الفلسفة الرومانتيكية في عهد جان جاك روسو، بل هي خلاصة ثقافة معينة وتتويج لحركة الإنسانيات وتقدير جديد لقيمة الإنسان، تقديره لنفسه وتقديره للآخرين. ثم لفت بن نبي النظر إلى أن أصول الديمقراطية الغربية بعيدة وبسيطة، وإلى أن الشعور الديمقراطي تكون ببطء قبل أن يتفجر بالتالي في التصريح بحقوق الإنسان والمواطن. ورأى في المحصلة أن الشعور الديمقراطي سواء في أوروبا أو في أي بلد آخر هو الحد الوسط بين طرفين يمثل كل واحد منهما نقيضاً للآخر، النقيض المعبر عن نفسية وشعور العبد المسكين من ناحية، والنقيض الذي يعبر عن نفسية وشعور المستعبد المستبد من ناحية أخرى. والإنسان الحر الذي تتمثل فيه قيم الديمقراطية والتزاماتها هو الحد الإيجابي بين نافية العبودية ونافية الاستعباد.
ورغم انتقاد بن نبي للنموذج العلماني من الديمقراطية وإبرازه لما فيه من سلبيات إلى أنه سعى إلى التأكيد على أن الإسلام بمعارضته الاستبداد وتحريره للإنسان فإنه ينمي الشعور الديمقراطي، ولذلك فإن بالإمكان التوصل إلى نظام ديمقراطي إسلامي يجمع محاسن الديمقراطية ويتجنب مثالب العلمانية. ورأى أن الجواب على سؤال هل توجد ديمقراطية في الإسلام لا يتعلق ضرورة بنص فقهي مستنبط من السنة والقرآن، بل يتعلق بجوهر الإسلام الذي لا يسوغ أن يعتبر مجرد دستور يعلن سيادة شعب معين، ويصرح بحقوق وحريات هذا الشعب، بل ينبغي أن يعتبر مشروعاً ديمقراطياً تفرزه الممارسة، وترى من خلاله موقع الإنسان المسلم من المجتمع الذي يكون محيطه بينما يسير في الطريق نحو تحقيق القيم والمثل الديمقراطية. ويخلص بن نبي إلى أن في الإسلام ديمقراطية، لا في الزمن الذي تحجرت فيه التقاليد الإسلامية وفقدت فيه إشعاعها، كما هو شأنها اليوم بصورة عامة، ولكن في زمن تخلقها ونموها في المجتمع.[xxv]
لقد كان تحليل بن نبي ثورياً في زمنه لأن التوجه العام لدى منتسبي التيارات الإسلامية في العالم العربي كان لايزال متأثرا بأفكار سيد قطب وتلاميذه الذين اعتبروا الديمقراطية نقيضاً للإسلام دون بذل أدنى جهد لفهمها. ويمكن القول بأن مواقف الإسلاميين بدأت في التحيز نحو الديمقراطية والتعددية منذ أوائل الثمانينيات، لا بمعنى التبني المطلق وإنما بمعنى التمحيص والتمييز، وإدراك أن الديمقراطية شيء بالغ التعقيد لا يمكن بحال مقارنته بالإسلام واعتباره عقيدة نافية له أو نظام قيم مناقض لنظام قيمه. وقد كتب ونظر في هذا الأمر عدد كبير من المفكرين والعلماء. ولعل من المفيد أن يختم هذا الفصل بإيراد ملخص لما ورد في قضية الديمقراطية على لسان رائدين من رواد الفكر الإسلامي المعاصر، الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ راشد الغنوشي.[xxvi]
يقول الشيخ راشد الغنوشي:
'إن مفهوم الديمقراطية مفهوم واسع يتسع لمعان كثيرة ولكنها قد تلتقي عند معنى أنها نظام سياسي يجعل السلطة للشعب ويمنح المحكومين الحق في اختيار حكامهم وفي التأثير فيهم والضغط عليهم وعند الاقتضاء تغييرهم عبر آليات قد تختلف من نظام ديمقراطي إلى آخر ولكنها تلتقي عند آلية الانتخاب الحر. وبالتالي يحقق هذا النظام التداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع ويضمن للناس حريات عامة، كالتعبير وتكوين الأحزاب، كما يضمن استقلال القضاء. وبالتالي فالديمقراطية آلية تضمن للشعب سيادته على النظام السياسي وتحقق جملة من المضامين والقيم التي تصون الحقوق وتحمي الحريات وتحصن الناس ضد الجور والاستبداد.
يتوجس بعض الناس من الديمقراطية لأنها مصطلح أجنبي جاء من الغرب الذي لا يرجو منه البعض خيراً وقد أتانا مستعمراً . هذا مع أن ديننا ليس فيه ما يمنعنا من أن نأخد بكل خير أقره العقل وأثبتت التجربة جدواه. ولعل من أسباب رفض البعض للديمقراطية أننا ورثنا الاستبداد كابراً عن كابر لزمن طويل. فدولة الشورى غابت منذ القرن الأول، وابتلينا بالتقليد - وهو شكل من أشكال الاستبداد - في مجال الفقه والتربية في أزمان ساد فيها التصوف الذي يلغي إرادة الناس. فأصبحنا بذلك مجتمعناً ينتج الاستبداد ويتحرك في إطاره. فلما انفتحت النوافذ وجاء الهواء لم نستطع أن نتعايش مع الفكر الحديث وبادرنا برفضه. ولا أدل على ذلك مما حصل في أفغانستان على سبيل المثال. لقد دمر البلد على يد مجاهدين لو اتفقوا على الديمقراطية كآليات لحسم خلافاتهم ورجعوا إلى الشعب الأفغاني واحتكموا إليه لما حدثت المأساة ولما سفكت الدماء وخربت الديار. ولكن هؤلاء يرفضون الديمقراطية ويقولون إنها حرام ويرون أن الشعب ليس محل ثقة. لقد خرب البلد نتيجة أن أهله - بغض النظر عن صلاحهم أو جهادهم - ورثوا التخلف في فقهنا السياسي فلم يتوفقوا إلى آليات لحسم خلافاتهم. لقد كان الاستبداد السبب الأساسي في انهيار حضارتنا، وما أقر الإسلام مبدأ الشورى إلا ليحول دون انفراد شخص أو مجموعة بالتحكم في مصائر الأمة. ولذلك فإن غياب فكرة المشاركة وإقصاء الأمة عن شأنها واستبداد الأفراد بالمجموع - الذي قال عنه الشيخ محمد عبده بأنه ممنوع - هو الذي أنهك حضارتنا وأسلمها إلى الانهيار على حين توفق الغرب في أن يقتبس مبدأ الشورى العظيم ويطور له آليات جعلت الشورى نظاماً يحقق التداول على السلطة ويحقق الأمن من الجور ويمنح الشعب وسائل الضغط على الحكام ووسائل النصح والتغيير. وبالتالي أمن الغرب من الاستبداد وبقينا نحن لا أمل لنا في نصح حكامنا فضلا عن تغييرهم إلا أن ننتظر زيارة ملك الموت، أو إعلان انقلاب عسكري في الهزيع الأخير من الليل، وتلك كارثة على الحاكم والمحكوم.'
أما الشيخ يوسف القرضاوي فيقول:
'حينما نتحدث عن الديمقراطية لابد أن نتحدث على بصيرة، فكثير من المسلمين الذين يقولون بأن الديمقراطية منكر أو كفر أو إنها ضد الإسلام لم يعرفوا جوهر الديمقراطية، ولم يدركوا هدفها ولا القيم التي تقوم عليها. لقد قال علماؤنا من قديم بأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، بمعنى أننا إذا لم نتصور الشيء فلا يجوز أن نحكم له ولا عليه.
لا أرى أن الديمقراطية بجوهرها تنافي الإسلام، لأنها تقوم على أن يختار الناس من يحكمهم، فلا يقود الناس من يكرهون ولا يفرض عليهم نظام لا يرضون عنه. فإذا كان حكم الإسلام في الإمامة الصغرى أن الذي يؤم الناس في الصلاة والناس يكرهون إمامته لا ترتفع صلاته فوق رأسه، فما بالنا بالإمامة الكبرى، أي قيادة الحياة السياسية للأمة. لقد ورد في الحديث خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم - أي تدعون لهم ويدعون لكم - وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. وإذا كان الإسلام لا يجيز أن يتحكم الأب ولا الجد ولا الأخ بحياة الفتاة يزوجها من يريد هو لا من تريد هي، واعتبر ذلك باطلا ، فمن باب أولى أن يقود الناس من يرضون عنه. وكما شرع للأمة اختيار الحاكم، فإنه شرع لها محاسبته، فلا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل إنسان معرض لأن يخطئ وأن يصيب. ولابد أن يقوم الخطأ وأن يعاد المخطئ إلى الصواب. كان أبو بكر رضي الله عنه يقول أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول على المنبر رحم الله امرأ أهدى إلي عيوب نفسي، مرحبا بالناصح أبد الدهر، مرحبا بالناصح غدواً وعشياً ، من رأى منكم في اعوجاجاً فليقومه.
ومحاسبة الحاكم يعبر عنها أحيانا بالنصيحة في الدين لقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله؟ قال لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. وقد يعبر عنها بالأمر بالعروف والنهي عن المنكر، وهذا من حق كل الأمة. بل إن من حق كل فرد في الرعية مهما صغر شأنه أن يقول للحاكم أخطأت، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وبالرفق. ولقد اعتبر الإسلام مسلك الطغاة المتجبرين الذين يحكمون الناس رغم أنوفهم نوعا من التأله. ولذلك حمل القرآن حملة شعواء على المتألهين في الأرض، مثل نمرود الذي قال لإبراهيم أنا أحيي وأميت، وفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى، ومع فرعون أدان هامان السياسي الوصولي وقارون الرأسمالي الإقطاعي وكلاهما كان سنداً وعوناً للطاغية المتجبر. وندد الإسلام بالشعوب التي تنصاع لهؤلاء وتنقاد لهم، فقال الله عن قوم نوح واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ، وقال عن عاد قوم هود واتبعوا أمر كل جبار عنيد وقال عن فرعون فاستخف قومه فأطاعوه وقال عن قوم فرعون فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد . وحمل الإسلام الأمة تبعات اختيار الحاكم ومساءلته، وحذرها من أن تكون قطيعاً يسوقه الحاكم بعصا.
رفض الإسلام هذا كله وأوجب الشورى على الحاكم وحرم عليه أن يستبد بالرأي. قال الإمام ابن عطية في تفسيره: الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين من الأمراء فعزله واجب وهذا ما لا خلاف فيه.
كل المبادئ والقيم التي قامت عليها الديمقراطية من الحرية والكرامة ورعاية حقوق الإنسان هي مبادئ إسلامية، يعتبرونها هم حقوقاً وهي عندنا فرائض. فما يعتبر في الديمقراطية حقاُ يعتبر في الإسلام فرضاً ، وثمة فرق لأن الحق يجوز للإنسان أن يتنازل عنه. فإذا رأى المرء خطأ قال من حقي أن أقومه أو أتركه. أما في الإسلام فإنه فرض على المسلم أن يقو م الخطأ، بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإلا دخل في الذين لعنوا كما لعن بنوا إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.
يؤسفنا أن هناك تيارات لم تحسن فهم الإسلام، يقول أصحابها إن الديمقراطية كفر، وهؤلاء موقفهم ناتج عن سوء فهم للإسلام وأصوله وقيمه. وترى البعض يعترض على استخدام لفظة الديمقراطية، ولهؤلاء نقول نحن لسنا هواة استيراد المصطلحات الأجنبية، وعندنا من ديننا وشريعتنا وتراثنا ما يغنينا. ولكنا أيضا تعلمنا من ديننا أن الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق الناس بها. وقد استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من مكائد الفرس في الحروب. حينما رأى المشركون الخندق قد حفر حول المدينة قالوا ما كانت هذه مكيدة تكيدها العرب. فقد كان ذلك من تدابير الفرس ووسائلهم في الحصار. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يخطب على جذع نخلة، ثم اقترح بعض الصحابة أن يصنعوا له منبرا ، وكانوا قد رأوا في بلاد الروم مثل هذه المنابر. فجيء بنجار رومي وصنع له منبراً . ثم إن الصحابة اقتبسوا أشياء من البلاد الأخرى مثل تدوين الدواوين. فالاقتباس من الغير ليس ممنوعاً بشرط أن نضفي عليه نحن من روحنا وقيمنا ومبادئنا ما يدخله في المنظومة الإسلامية.
لقد أكد القرآن والسنة - كلاهما - على الشورى وعلى مشاركة الأمة في الحكم، ولكن ميزة ما نأخذه نحن من الديمقراطية أن الديمقراطية وصلت إلى صيغ ووسائل وأساليب وآليات معينة استطاعت بها أن تقلم أظافر الطغاة المستبدين. فالحكم الذي وصف في الحديث بأنه حكم الملك العضود أو ملك الجبرية يرفضه الإسلام. ومن فضائل الإسلام أنه لم يعط لنا أو يفرض علينا صورة معينة في كيفية الشورى وهذا من فضل الله ورحمته وسعة دينه لأنه لو فرض علينا صورة لجمدنا عليها، ولقلنا هذه منصوص عليها ولا خروج لنا عنها. إنما ككثير من الأمور نص الإسلام على المبادئ الكلية وترك التفصيلات لاجتهادات المسلمين التي تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال. فإذا وجدنا الناس الآن يتحدثون عن أهل الحل والعقد، لابد من التساؤل كيف نختار أهل الحل والعقد؟ كان الناس في مجتمع المدينة معروفين ولم يكن يتجاوز تعدادهم تعداد قرية صغيرة. ولكن في المجتمعات الكبيرة ذات التعداد المليوني، كيف نختار أهل الحل والعقد؟ ليس هناك إلا طريقة الانتخاب وتقسيم البلاد إلى مناطق أو دوائر يختار أهل كل دائرة من يمثلهم. نحن بحاجة ولاشك إلى أن ندخل هنا بعض القيم والتعاليم الإسلامية كالشروط التي ينبغي توفرها في الناخب، وهي شروط الشاهد من الأمانة والاستقامة. يقول الله في ذلك أشهدوا ذوي عدل منكم ويقول ممن ترضون من الشهداء فأيما ناخب لا تتوفر فيه هذه الشروط يسقط حقه في الانتخاب. وبذلك ندخل التعاليم الإسلامية ونعدل المنظومة المستوردة إلى أن تصبح إسلامية. إن ما في الديمقراطية من مبادئ أصله عندنا، ولكن الوسائل والأساليب والآليات ليست عندنا، ولا مانع إطلاقا أن نأخذها من عند غيرنا لنحقق بها المبادئ والقيم الأساسية التي جاء بها الإسلام.
هناك من يفهم الديمقراطية على أنها حكم الشعب بينما الإسلام حكم الله، أي أن الديمقراطية ضد حكم الله. هذا غير صحيح، فالذين يقولون بالديمقراطية لا يعارضون بالضرورة حكم الله وإنما يعارضون بها حكم الفرد المطلق، أي أن المعادلة هي حكم الشعب ضد حكم الفرد المتسلط وليس حكم الشعب في مواجهة حكم الله. ونحن المسلمون لا نريد أن يحكم الأمة فرد متسلط يفرض عليها إرادته ويقودها رغم أنوفها. ولذلك نطالب بالديمقراطية في مجتمع مسلم بمعنى أن الدستور ينص على أن دين الدولة الإسلام، وأن الإسلام هو المصدر الأساسي للحكم أو المصدر الوحيد للقوانين. وعلينا ألا نأخذ تجربة الغرب الديمقراطية بعجرها وبجرها وخيرها وشرها وحلوها ومرها كما يقول بعض الناس، بل نأخذها مقيدة بالأصول الإسلامية القطعية. ولذلك ينبغي النص في دستور الدولة الإسلامية على أن الإسلام هو المرجعية العليا وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين، بمعنى أن أي قانون أو نظام أو وضع يخالف قطعيات الإسلام فهو باطل ومردود. وهذا في الحقيقة تأكيد لا تأسيس، إذ يكفي أن نقول إن دين الدولة الإسلام والشريعة مصدر القوانين. نود أن نؤكد على ذلك ليطمئن إخواننا الذين يخافون من الديمقراطية، ويظنون أنها إذا قامت ستلغي الإسلام.
--------------------------------------------------------------------------------
هذا المقال هو ملخص لباب حول نشأة الديمقراطية في الفكر السياسي المعاصر ضمن أطروحة الدكتوراه التي أعد لها بمركز دراسات الديمقراطية بجامعة ويستمنستر في لندن وعنوانها: 'الفكر السياسي للشيخ راشد الغنوشي وموقفة من الديمقراطية'.
[ii] د. أحمد صدقي الدجاني 'تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث' ورقة ضمن كتاب أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، ص. 115، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 1987.
[iii] نفس المرجع، ص. 121.
[iv] ألبرت حوراني 'الفكر العربي في العصر الليبرالي' (النسحة الإنجليزية) ص. 70، كامبردج، 1991.
[v] الدجاني: نفس المرجع في (2) أعلاه، ص. 121.
[vi] نفس المرجع أعلاه، ص. 121-123.
[vii] تشارلز ميكوب، ميون كارل، كليمنت مور 'تونس وسياسة التحديث' (مرجع بالإنجليزية)، ص. .1، الناشر: بول مول بريس، لندن.
[viii] د. رفعت سيد أحمد 'الدين والدولة والثورة'، ص. 44-47، الدار الشرقية، القاهرة، 1989.
[ix] نفس المرجع أعلاه، ص. 48-50.
[x] عبد الرحمن الكواكبي 'أم القرى'، دار الشروق العربي، بيروت، 1991.
[xi] حوراني، نفس المرجع في (4)، ص. 228.
[xii] الدجاني، نفس المرجع في (2)، ص. 124-125.
[xiii] راشد الغنوشي 'الحالة التونسية في سياق علاقة الإسلام بالغرب .. الواقع والآفاق'، محاضرة في المعهد الملكي للشؤن الدولية، شتم هاوس – لندن، 9/5/1995.
[xiv] د. فتحي عثمان'من أصول الفكر السياسي الإسلامي'، ص. 48، الرسالة، بيروت، 1984.
[xv] مصطفى مشهور: من محاضرة ألقاها بدار الرعاية الإسلامية في لندن يوم 26/5/1995.
[xvi] حسن البنا: رسالة نحو النور، الرسائل، ص. 185، مؤسسة الرسالة، بيروت.
[xvii] البنا: 'مشكلانتا الداخلية في ضوء النظام الإسلامي' نفس المرجع أعلاه، ص. 389.
[xviii] البنا: 'بين الأمس واليوم'، نفس المرجع أعلاه، ص. 389.
[xix] البنا: نفس المرجع في (17)، ص. 405-407.
[xx] تشتمل رسالة الدكتوراه على مبحث حول نشأة وإزدهار حركة العلمنة في العالم العربي.
[xxi] الدجاني: نفس المرجع في (2)، ص. 137.
[xxii] د. محمد البهي: 'الفكر السياسي الحديث وصلته باإستعمار'، ص. 206-209، مكتبة وهبة، القاهرة، 1991.
[xxiii] إيلي كيدوري: السياسية في الشرق الأوسط (مرجع إنجليزي)، ص. 332، أكسفورد 1992.
[xxiv] المودودي: 'الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة'، ترجمة خليل الحامدي، ص. 249-252، دار القلم، الكويت، 1971.
[xxv] مالك بن نبي: ' القضايا الكبرى'، 133-164، دار الفكر العربي المعاصر، بيروت، 1991.
[xxvi] في ندوة تلفزيونية بثتها محطة الجزيرة الفضائية ضمن برنامج الشريعة والحياة يوم الأحد 16 شباط (فبراير) 1997
المصدر: م/تامر الملاح
م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"
نشرت فى 11 نوفمبر 2010
بواسطة tamer2011-com
م/ تامر الملاح
باحث فى مجال تكنولوجيا التعليم - والتطور التكنولوجى المعاصر »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
3,918,300
بالـعلــم تـحـلـــو الحـــيـاة
للتواصل مع إدارة الموقع عبر الطرق الأتية:
عبر البريد الإلكتروني:
[email protected] (الأساسي)
عبر الفيس بوك:
إضغط هنا(إني أحبكم في الله)
أصبر قليلاً فبعد العسر تيسير وكل أمر له وقت وتدبير.
ساحة النقاش