تُعد شبكة (الإنترنت) مع ما توفره من خدمات، كالنسيج العالمي (WWW) و البريد الإلكتروني، إحدى أبرز سمات التقدم التقاني. و تأثير هذه الشبكة على حياتنا و سلوكنا الحاضرين تجارتنا وبحثنا العلمي وعلاقاتنا الشخصية واضح لا ينكر.
أما والحال كذلك، فإن التغيرات و التطورات التي ستصيب تلك الشبكة العالمية لا بد و أن تنعكس على مجريات حياتنا اليومية التي باتت مقترنة بالتقانة أكثر فأكثر. و عليه، فإن الاهتمام بالشكل الذي قد تتطور إليه (الإنترنت) ربما يعد تخطيطاً مستقبلياً أكثر من مجرد كونه ترفاً معرفياً!
وتغيير شكل (الإنترنت) سيكون عبر عدة مسارات. فإما أن يتم تحسين هيأتها الحالية، فتتضاعف سرعة وقدرة الاتصال عبرها باستبدال بنيتها التحتية القائمة على خطوط الهاتف بأخرى أكثر اعتمادية، ويزداد عدد مستخدميها بتوفير المزيد من الأجهزة الرخيصة السعر والمتخصصة لدعم الاتصالات و المنتشرة في كل مكان كما مكائن بيع المرطبات، وإما أن تتغير طبيعة استخدامها من كونها خيارا مفتوحا ومتاحا لتصبح فرضاً حتمياً لتحصيل الخدمات الحكومية و تبادل النقود و شراء البضائع و التعلم و الترفيه والاتصال على نحو ربما يجعل العالم بأسره أسيراً للإنترنت، بالمعنى الحرفي للعبارة، وعلى نحو يفوق ما نعايشه حاليا،ً بحيث لا يمكن لأي كان أن يتجاهل خدمات الشبكة كما هو الحال مع السيارة والمصباح الكهربائي حالياً.
المسار الثالث للتغيير يستهدف جوهر (الإنترنت) بأكثر مما يفعل مع أسلوب عرضها أو حلتها الخارجية. ستظل (الإنترنت) وسيلة اتصال و مستودعا للمعلومات هو الأكبر من صنع بشر، لكن طرق ترابط المواقع و البحث عن المعلومة بواسطة محركات البحث (Search Engines) سوف لن يعتمدان على ما يحدده مديرو الشبكات تحت عناوين النسيج العالمي، و لن يقف حد جودة المواقع و تنوعها على كفاءة الكمبيوتر المستعرض و لا على مهارة المصممين، بل على بنىً أكثر ذكاءاً يُتوقع اعتمادها كنظم لإنترنت المستقبل تحاكي في عملها أسلوب ترابط الخلايا العصبية في الدماغ!
هذا النظام الثوري يسمى (الدماغ العالمي) (Global Brain)، وفكرته تعتمد على دمج نواتج البحث و الاستعراض لأكبر عدد من مستخدمي (الإنترنت) على نحو ديناميكي بحيث تتحدد أهمية موقع ما وارتباطاته بالمواقع الأخرى تبعا لمدى استخدامه من قبل زوار (الإنترنت). هذا التطبيق لمخطط مشابه لطريقة (الارتباط و فسخ الارتباط) التي تتم في دماغ الإنسان يقود للتطرق للدور الذي يلعبه التكوين الطبيعي للدماغ وللخلايا العصبية البشرية في نظرية الحوسبة عموماً وفي تطبيقات الشبكات على وجه الخصوص. فمع نجاح بدايات توصيل الخلايا العصبية البدائية مع الرقاقات الإلكترونية المستخدمة في الحاسبات، فإنه من غير المستبعد -إطلاقاً- توقع إمكانية توصيل الأدمغة البشرية بشبكات تتيح التواصل وتبادل المعلومات، و الأفكار، وحتى التعابير النفسية (كحالات الفرح أو الغضب) وكشف الأسرار عبر شبكة لن تحمل اسم (الإنترنت) هذه المرة، وتَعِد بمخزون معلومات ووحدات ذكاء يعادل قدرات كل الأدمغة المتصلة!
ثمة أطروحات تفتح آفاقاً لا نهائية للأفكار والتخيلات حول مدى قابلية حضارتنا لأن تغرق في اعتمادها على التقانة، وأن تنبني أكثر على فكرة الشبكة. وهي كأحلام مستقبلية مبنية على دراسات واقعية، تبدو مثيرة للتفاؤل.. وللرهبة في آن معاً.
تِم برنرز لي: سير www
بالرغم من أن الإنترنت بدأت كتطبيق عسكري صرف مول الجيش الأميركي أبحاثه. إلا أن تطبيقات (الشبكة) والجهود التي أدت لتعميمها وتطبيقاتها كخدمات تغمر أركان الأرض اليوم قد كانت بفضل نظريات وابتكارات مجموعة باهرة من المفكرين والمهندسين الذين ساهم كل منهم بلبنة في صرح الإنترنت الذي يُلقي بظله على حضارتنا التقنية اليوم*. من ضمن هؤلاء، اخترنا الإشادة بالرجل الذي يتفرد بكونه مبتكر الشبكة العنكبوتية (the Web) ومالك حقوق الأحرف الثلاث www.. تِم برنرز- لي (Tim Berners-Lee).
وقبل الاستطراد في سيرة برنرز-لي، لابد من الإشارة إلى الفرق ما بين الشبكة الترابطية (the Internet) ، وشبكة النسيج العالمي (World Wide Web). فالأولى عبارة عن شبكة أساسية كبيرة مصممة لربط مجموعات أصغر من شبكات الحاسبات الآلية عبر بروتوكولات معينة وتوفير خدماتها لمن يمتلك التصريح باستخدام أي من الحواسيب على الشبكة. وقد ظهرت الإنترنت في صورتها الأولى عام 1969م. أما الشبكة النسيجية العنكبوتية، أو الويب، فهي نظام يعتمد الإنترنت كبنية تحتية ويقوم في الأساس على وجود نظام نصي تفاعلي يتيح ربط البيانات الموزعة على الملفات المختلفة عبر وصلات معينة في كلمات النص وصوره، كما نفعل اليوم بالنقر على الرابط في أي موقع إنترنت لنقفز منه لموقع آخر. وهذه الفكرة هي التي جاء بها رجلنا عام 1989م.
ولد تم برنرز-لي في لندن عام 1955م. وحصل على درجة في الفيزياء من جامعة أوكسفورد قبل أن ينتقل للعمل في المختبر الأوروبي لفيزياء الجزيئات (CERN) في جنيف عام 1980م. ولما كان المختبر موقع عمل برنرز-لي نقطة تواصل للبحاثة الأوروبيين من شتى أرجاء القارة، فقد كان الجميع هناك يعانون من صعوبة تبادل البيانات فيما بينهم حتى مع وجود شبكة الإنترنت بشكل محدود في ذلك الوقت. وكان مرد العناء هو الحاجة لتغيير نمط تشفير البيانات لتتناسب مع نظم التشغيل المعتمدة لدى (CERN). وقد اهتم بيرنرز-لي بالمسألة لحاجته لتبادل نتائج الأبحاث مع أقرانه في (CERN) وحول العالم، ولكونه ذا خبرة في نظم البرمجة وتصميم الحاسبات كذلك. فقام بتصميم مستعرض بسيط يتيح لزملائه (القفز) إلى قاعدة بياناته للاطلاع على ما فيها عبر ملفات خاصة تحوي روابط لها، ويتيح له هو النفاذ لبياناتهم بذات الطريقة بعد موافقتهم. وقد كانت التجربة ناجحة لدرجة أن الرجل قد تقدم بطلب رسمي لإدارة (CERN) لتأسيس شبكة مفتوحة مماثلة لتبادل البيانات على مستوى عالمي.
ومع أن طلبه هذا ضاع بين دهاليز البيروقراطية الإدارية، إلا أنه مضي قدماً في فكرته فصمم عام 1990م بروتوكول نقل النصوص التفاعلية (HTTP) كلغة لتبادل البيانات بين الحواسيب. وأتبع ذلك بابتكار طريقة لإعطاء كل وثيقة على الشبكة الوليدة عنواناً محدداً عُرف لاحقاً بالـ (URL)، ولم تكد السنة تمضي حتى كان الرجل قد صمم أول مستعرض للتنقل بين الوثائق المترابطة في الشبكة التي أعطاها اسماً طموحاً هو ( الشبكة العنكبوتية العالمية – World Wide Web). وزود برنرز-لي مستعرضه بلغة لكتابة الوثائق التفاعلية هي لغة (HTML) وكتب لها أول برنامج خادم (server) يقوم بالبحث عن الوثائق المطلوبة ويخزنها لحين الحاجة لها مرة أخرى.
وبالرغم من كل جهوده تلك، إلا أن المختبر الأوروبي لم يعر فكرته عظيم اهتمام، فما كان منه إلا أن توجه نحو مجتمع الإنترنت الذي كان مقتصراً على المؤسسات التعليمية والعلمية آنئذ ليعلن عن شبكته العنكبوتبة عبره عام 1991م. عندها فقط ذاع صيت الرمز WWW مع تهافت العلماء والمؤسسات الحكومية على الشبكة الجديدة. وضاق بريد برنرز-لي الألكتروني بطلبات الحصول على روابط للمواقع عبر هذه (الويب). ومع ظهور مستعرضات لللشبكة العنكبوتبة متناسبة مع أنظمة التشغيل الأكثر شعبية عبر الطلبة والمبرمجبن حول العالم، بدأت بعض الشركات تسعى لشراء حقوق الشبكة من برنرز-لي لاحتكارها تجارياً، ليبدأ الرجل نضاله نحو الحفاظ على الشبكة مفتوحة للجميع دون قيود حكومية أو تجارية.
وقد توجت جهوده تلك بتأسيس (مجموعة الشبكة العنكبوتية العالمية – W3C) عام 1994م بمقرين في معهد ماساتشوستس للتقنية وفي معهد فرنسا لأبحاث الحاسبات والتحكم والتي يرأسها هو حتى اليوم ويراقب من خلالها انتشار الشبكة كوسط حر لتبادل البيانات.
وبالرغم من أن الشبكة العالمية قد نمت وتطورت بشكل هائل عن الحد الذي بدأها به تِم برنرز-لي ليؤول أمر إدارتها إلى جهات أخرى فنية وأكاديمية، إلا أن الرجل الذي يعد أسطورة تقنية حية وهو لما يبلغ الخمسين، لا يزال يتلقى الإطراء والتقدير كونه قد تمكن لوحده متفرداً، وبالاعتماد على مجموعة من التقنيات السابقة الظهور، من ابتكار وتصميم نظام متكامل للتبادل المفتوح للبيانات يستخدمه اليوم مئات الملايين من البشر، وأعاد رسم الخارطة التقانية للعالم بأسره خلال عقد واحد من الزمان. وهو منح لقب فارس (سير) عام 2003، وتم اختياره من قبل مجلة TIME كأحد أبرز عشرين مفكراً عرفتهم البشرية خلال القرن العشرين.
الإنترنت الجديدة.. تجتاز حدود الأرض
لعل تقنية لم تحول وجه الحياة بالسرعة والقوة التي حولت بها (الإنترنت) مجريات حياتنا. فهذا الشبكة الترابطية (Interconnected-Network) بكل ما تضمه من خدمات تبادل البيانات والاتصال، كالشبكة النسيجية العالمية (World Wide Web)، والبريد الإلكتروني، وبروتوكولات نقل البيانات، قد صبغت تسعينات القرن الماضي وبدايات القرن الحادي والعشرين بصبغتها ونقلت مسيرة الحضارة من مرحلة (عصر المعلومات) إلى ما يمكن الإشارة إليه اليوم بعصر (الشبكة). ولا تزال تقنيات (التشبيك) هذه تتطور وتنتشر لتزودنا بشبكات أعظم سرعة وكفاءة في نقلها للبيانات، ولتضم تحت مظلتها لا الحاسبات الآلية فحسب بل وكل ابتكار مزود برقيقة إلكترونية من الهواتف المحمولة انتهاءاً بالسيارات والطائرات ومروراً بالثلاجات وغسالات الملابس.
وتنمو الإنترنت اليوم بسرعة رهيبة حتى ليبدو أنها تتجاوز الغاية الأولى التي حدت ببنائها والمتمثلة في إيجاد قناة تواصل سريعة بين أركان العالم لتصبح هي العالم الوهمي الذي قد يجد أبناؤنا أنفسهم أسرى جدرانه الافتراضية التي يشيدها علماء اليوم بكل همة ونشاط. وسنستعرض في زاوية هذا الشهر بعون الله بعض أهم ملامح شبكة المستقبل حسب ما أعلنته مختبرات الأبحاث العالمية مؤخراً.
الإنترنت.. الجزء الثاني!
ثمة مشروع طموح اسمه (الإنترنت 2) يهدف لتطوير شبكات حاسوبية ذات سرعات أعظم في نقل البيانات ويعد المرحلة الأولى لإنترنت المستقبل. وقد أُطلِق هذا المشروع عام 1999 تحت رعاية عدة مؤسسات أكاديمية.
وتعمل أكثر من 200 جامعة حالياً على تطوير وتنفيذ ما تتطلَّبه الإنترنت 2 من تطبيقات وتقنيات شبكية متقدمة، وذلك بالاشتراك مع الحكومة الأمريكية، ومع أكثر من 60شركة رائدة في قطاع تقنية المعلومات. ولن تقتصر استخدامات هذه التطبيقات والتقنيات على الأبحاث والتعليم، بل ستشمل أيضاً أغراضاً تجارية. وجدير بالذكر أن شبكة الإنترنت الثانية لن تكون منفصِلة عن الإنترنت الأولى، ولن تكون بديلاً عنها. وقد أصبح العمود الفقري للإنترنت 2 وهو يتكون من ألياف ضوئية ذات مذهلة على نقل البيانات الرقمية فعّالاً منذ عام 1999م. ويتوقع أن تؤدي الإنترنت 2 إلى تسريع نشر التطبيقات والخدمات الشبكية إلى المزيد من جمهور الإنترنت، كما ستشجع تطوير تطبيقات ثورية للإنترنت.
هناك مشروع آخر باسم إنترنت الجيل المُقبل (Next Generation Internet) أو (NGI) اختصاراً أطلق عام1997 م. وهو يمثل مبادرة تشترك فيها عدة هيئات ومؤسسات سعياً لمضاعفة السرعة الحالية للإنترنت لألف مرة، ولإيجاد تقنيات تشبيك أقوى من تلك الموجودة حالياً.
ومن الإدارات الفيدرالية الأمريكية المشاركة في هذا المشروع: وكالة NASA ، ووكالة أبحاث مشاريع الدفاع المتقدمة (DARPA)، ومؤسسة العلوم الوطنية (NSF)، إضافة إلى وزارة الطاقة الأمريكية.
وهكذا فبخلاف ما الحال عليه في مشروع إنترنت2 الذي تقوده الجامعات، فإن الحكومة الأمريكية هي التي تقود وتموِّل مشروع إنترنت الجيل المُقبل (NGI). وعلى كل فالمشروعان يتقدَّمان بشكل متوازٍ ويكمِّل كل منهما الآخر. ويهدف مشروع إنترنت الجيل المقبل إلى تطوير تقنيات تشبيك شاملة (end-to-end) لخدمة تطبيقات المكتبات الرقمية (Digital Libraries) والتعليم، والرعاية الصحية، والخصوصية وأمن الشبكات (privacy and security)، إضافةً إلى تطبيقات صناعية وبيئية أخرى.
الإنترنت عبر أسلاك الكهرباء
على صعيد آخر، توجد توجهات لتغيير الصيغة التي تعمل بها الإنترنت حالياً عبر العبث في مكوناتها المادية بغية تطوير قدراتها. وقد اعتُبرت شبكة الأسلاك الكهربائية العتيدة بديلاً جيداً لخطوط الهاتف منذ عقود، كون الشبكة الكهربائية موجودة أصلاً ومتصلة بكل منزل. وقد ساد الاعتقاد يوماً بأن شركات الكهرباء ستتهافت على الفكرة للحصول على مصدر عائد مالي جديد.
لكن الفكرة أثارت الشكوك لدى التقانيين الذين جادلوا بأن شبكة الكهرباء تعتبر بيئة صعبة لبث المعلومات الرقمية، بالإضافة إلى أن ميدان الكهرباء كان متقاعسا في تبنيه للتكنولوجيا. ولكن هذه الفكرة ما لبثت أن حظيت باهتمام مفاجئ استجابة لعدة تجارب جديدة تمت في أميركا وغيرها من الدول. عليه، فقد قامت هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية بمنح رخص لسبع شركات للقيام بتجارب ميدانية في حوالي اثنتي عشرة منطقة سكانية.
وتتطلب هذه التقنية تركيب معدات تعمل كمحولات معلومات بين أسلاك الكهرباء وأسلاك الألياف الضوئية التي تحمل بيانات الإنترنت. وهي تتطلب كذلك نصب أجهزة تعمل كمفاتيح للبيانات بين خطوط الكهرباء وبين خطوط الألياف البصرية. وتوجد حالياً عدة أساليب متنافسة، حيث تطور بعض الشركات تقنية لبث المعلومات عبر كابلات الألياف البصرية الحالية المتصلة بأعمدة الهاتف التي تخدم المناطق السكنية، حيث يتم تحويل المعلومات إلى الأسلاك الكهربائية.
وتقوم تقنيات أخرى بمحاولة بث معلومات الإنترنت مباشرة من محطات الكهرباء الفرعية التي تخدم بضع مئات من المنازل والمصالح التجارية في الأحياء. وتحاول شركة واحدة على الأقل خفض التكاليف المتعلقة بالتركيب المنزلي بالاعتماد على معدات رخيصة ومتوفرة الآن لاستخدام الأسلاك الكهربائية داخل المنازل. ويزعم المعتمون بهذه التقنيات أنه يمكنها أن توفر وصلات بضعف سرعة خطوط المشترك الرقمية (DSL).
نقل أسرع للبيانات.. والإحاسيس
بوسع القارئ أن يتصور نفسه مرتدياً مجسات مستقبلية، تمكنه من الإحساس بشعور الشخص الماشي على سطح المريخ، أو مشاهدة ابن أخيه المقيم في اليابان من خلال بث فيديوي حي على شاشة الكومبيوتر، وهو يركض عبر حقل، مع قدرته على لمس الطفل وتحسس ملامحه الحقيقية على راحة يده من خلال القفازات المجهزة بمجسات خاصة. هذا الخيال الجميل هو ما يعمل العلماء بهدف تحويله لواقع بتوفير استخدامات قد تُخرج الإنترنت من هذا العالم، وتجعلها (ملموسة) أكثر.. أي أكثر تفاعلاً مع مستخدميها من خلال حاسة اللمس.
وقد طور علماء في جامعة (بافُلو) في ولاية (نيويورك)، قفازاً تجريبياً يمكنه بث الإحساس باللمس عبر الإنترنت. وبينما لا تزال وظيفته محدودة، فان مصمميه يأملون انه قد يكون بوسع فريق من المبتكرين والنحاتين والأطباء التعاون يوماً ما لتحقيق هذا الإنجاز. ويفخر القائون على تطوير هذه التقنية بكونها الوحيدة التي يمكنها أن تربط بين شخص وآخر باللمس. و قد نجح الفريق النيويوركي العلمي في نقل الإحساس بلين جسم ما وصلابته، وكذا بمحيطه، وذلك عن طريق قفازات خاصة مزودة في نهاية أطرافها بمستشعرات دقيقة تنقل نبض الإحساس للأنامل. وأطلقوا على هذه التقنية اسم اللمس التعاطفي (Sympathetic Haptics). وتنقل هذه القفازات الشعور عبر قنوات الإنترنت باستخدام برامج وعتاد خاص، ثم يتم تحليله وتحويله لبيانات قابلة للإرسال والاستقبال بواسطة خوارزميات رياضية بالغة التعقيد.
والحديث عن تطبيقات هذه التقنية لا ينتهي. ومثال ذلك تعليم الأطفال الكتابةº فنحن نعلم أطفالنا الكتابة عن طريق جر يد طفل الممسكة قلماً على الورق. ويعيب هذا الأسلوب التقييد الذي يحسه الطفل، وعدم مطاوعة يده أحياناً. لكن بالتقنية الجديدة ستتحرر يد المعلم ويد الطفل المتعلم، وعلاوة على إرشاد الطفل لاتجاهات كتابة الحروف صعودا وهبوطا أو يمنة ويسرة، فإنها سترشده كذلك لمقدار الضغط الذي يجب أن يطبقه على الورق أثناء كتابة الحرف، فهو يخف مثلا أثناء الاستدارة ويزيد أثناء الاستقامة، وهكذا. ويتوقع أن ترى الأسواق خلال السنوات الثلاث أو الأربع التاليات تطبيقات بسيطة لهذه التقنية، خاصة في مجال الألعاب الإلكترونية.
إنترنت أرضية.. وفضائية
وفي الوقت ذاته يوسع العلماء في وكالة الطيران والفضاء الاميركية "ناسا" شبكة لتقنيات الاستشعار تمكن المقيمن على الكواكب وشتى الأجهزة في الفضاء من الاتصال ببعضها البعض، كما تتصل مع علماء الفلك على الأرض وحتى مع المواطنين من خلال البرامج التعليمية والترفيهية.
ويتبنى الدكتور (أدريان هوك)، وهو عالم متخصص في معمل الدفع النفاث لوكالة الفضاء الأمريكية فكرة نقل الإحساس باللمس عبر الإنترنت، لأجل غرض آخر أكثر طموحاً. فالدكتور (أدريان) يرأس فريقا يبذل جهوداً لتطوير معايير قياسية يمكن من خلالها بناء شبكة إنترنت بين الكواكب (Galaxy Wide Web) تربط الأقمار الصناعية السابحة حول الكواكب، وكل إنسان يدب فوقها، وسفن الفضاء، وأي مُعدة فضائية أخرى.
ويقول الدكتور هوك بأن مفهوم التواجد في الفضاء سوف يسود خلال الـ15 عاما المقبلة، لنستقبل حينها بيانات بشكل ما من إنسان يدب فوق المريخ مثلاً. لكن تقنية اللمس التعاطفي ستنتقل بنا لآفاق أخرى. فبدلاً من الصورة التي ينقلها (الروبوت) أو حتى التعليق الصوتي لرائد الفضاء، سيمكننا أن نحس إحساساً ونحن فوق الأرض بجولاته فوق سطح المريخ وبالتربة المريخية تخت نعليه في بيئة تقترب من الخيال الافتراضي، وهي خبرة لها فوائدها العلمية الجمة والمادية. إذ قد يدفع البعض مالاً ليمسك بحجر من المريخ هو ((على سطح المريخ)) ينما الرجل ذاته يقف بقدميه على الأرض.
ويشكل عامل زمن النقل أهم التحديات التي تواجهها هذه التقنية. وللتقريب، فإن البيانات التي يتم تبادلها على الأرض بشكل آني سوف تحتاج لما يقترب من ثمن ثانية للوصول للقمر، وقد تأخذ دقائق للوصول لكواكب أخرى، وقد تستغرق ساعات كلما بعدت هذه الكواكب وهذا الوضع يخلق فرصاً متزايدة لحدوث أخطاء عديدة أثناء انتقال البيانات. إلا أن هذه ال المشاكل ربما تقل حدتها مع تطوير الجيل الثاني من شبكة الإنترنت.
(الانغمار) في بحر الإنترنت
لإن كانت القدرة على الإحساس بالملمس عبر الإنترنت تبدو شيقة، فإن تقنية أخرى تعد (بغمر) مستخدمها في عالم إنترنتي افتراضي ثلاثي الأبعاد هي على وشك التعميم! وهي كسابقتها تنتظر تكامل الإنترنت 2 لتعلن عن توافرها لجمهور المستخدمين فضلاً عن العلماء حول العالم.
ظهرت بوادر هذه التكنولوجيا للوجود حين لفت نظر مديري الشبكات، الذين يراقبون مداخل وخوادم شبكة الإنترنت في جامعة (شمال كارولينا) الأمريكية في 9 مارس 2000م، أن معدلات التدفق الإلكتروني قد ارتفعت فجأة إلى أكثر من أربعة أضعاف المستويات الطبيعية، وبدأت الإنذارات تتوالى ويَضطربُ النظام الإلكتروني، مما شكَّل ضغطًا غير مسبوق كان من الممكن أن يؤدي إلى تلف بالشبكة.
وبعد إجراء تحقيق سريع اكتشف المراقبون أن (هنري فوتشس) و(غريغ ويلتش)، مديرا برامج الحاسبات بالجامعة قد فَتَحا زوجًا من البوابات الإلكترونية الموصلة إلى ولايتي (فيلاديلفيا) و(نيويورك)، ومكنتهم هذه البوابات من الدخول لمكاتب زملائهم هناك على بعد مئات الأميال، بصورة حقيقية واقعية آنية، ثلاثية الأبعاد.
وقد كانت تلك هي التجربة الأولى لنظام الرؤية الغامرة الانغماسية عن بعد، والذي يُمكن أَنْ يُغيِّر نظم الاتصال عبر المسافات الطّويلة بشكل جذري. وقد رَبطَ الاختبار بين ثلاثة من أعضاء المجموعة المشاركة من جامعة (كارولينا الشمالية)، وجامعة (بينسلفانيا في فيلاديلفيا)، ومنظمة غير ربحية تدَعمْ شبكة الإنترنت وتُقدِّم خدمات الحاسوب في (آرمونك) بنيويورك.
سمي النظام الجديد بنظام (الانغماس أو الغمر عن بُعْد - Tele-immersion). وتعتمد هذه التقنية المستقبلية على نظام (الواقع الافتراضي - Virtual Reality) التفاعلي الآني، وهو نظام لنقل المناظر المجسَّمة المركبة والتي يتم توليدها وإعادة عرضها عن طريق الحاسوب، ومن الممكن نقلها عبر شبكة الإنترنت، ومن ثَمّ يشعر المستخدم أنه داخل الحدث نفسه، وأنه انتقل إلى عوالم أخرى تبعد عنه آلاف الأميال. وستسمح هذه التقنية للناس في الأجزاء المختلفة من العالم أَنْ تنغمس في واقع الآخرين وتَشْعرهمَ كما لو أنهم يُشاركون نفس الفضاء الفيزيائي.
ويتكون النظام في المُختبَر من شاشتين كبيرتين، عَلّقتا بزاوية قائمة فوق منضدة، وكاميرات إسقاط وأداة تحريك تشبه عصا قيادة السيارة وعصا الألعاب الإلكترونية. وظهرت الشّاشات كنوافذ حقيقية، مكّنت الحضور بجامعة شمال كارولينا من رؤية زملاء لهم في فيلاديلفيا كما لو أنهم كانوا يجلسون على منضدة واحدة. وبتحريك الوجه تتغير الصور تباعًا، وإذا مال أحدهم للداخل تصبح الصّور أكبر، وإذا اتّكأَ للخارج تصبح أصغر كما في الرؤية الطبيعية المباشرة تمامًا. واعتمدت هذه التكنولوجيا الجديدة على التصوير بصفوف من الكاميرات الرّقمية التي تغطي جميع زوايا المكانº لتجمّع معلومات وصور واقعية ثلاثية الأبعاد، تقوم الحاسبات بتحويلها إلى معلومات هندسية وترسلها عبر الإنترنت إلى أي مكان في العالم، حيث تعيد هذه الحاسبات بناء الصّور، وتقوم أجهزة الإسقاط الضوئية ببث الأشعة إلى الشّاشات باستخدام تقنيات الليزر.
وقد كانت التجربة الأولى مثل أول مكالمة هاتفية في التاريخ، رديئة النّوعية، غير تامة السطوع والوضوح، وتعثرت في نقل مجموعة التعابير الوجهية الكاملة، وكانت تعمل في اتجاه واحد فقط. وتختلف تكنولوجيا الغمر عن بعد عن تلك المستخدمة في المؤتمرات الإلكترونية الفديوية المتداولة الآن (video conferencing) حيث تولّد الأولى إحساسًا غامرًا بالحيوية والتفاعلية الآنية أكثر بكثير من الأخيرة، إذ تُظهر صورًا حية غامرة لبيئة بعيدة وتظهر الأشخاص بالحجم الحقيقي ثلاثي الأبعاد، ومن الممكن أن يقوم المشاركون بالنظر حولهم، وخلفهم، كأنهم متواجدون في نفس المكان والزمان. وبتطوير المحاكيات الحسية الرقمية لتضيف حواس أخرى مثل اللمس والشم والتذوق، يمكن لامرأة في الخليج العربي مثلاً.. أَنْ تَمدّ يدها وتَلمس حفيدها حديث الولادة في مستشفى بالولايات المتحدة، وتذوق طراوة خده، وتشم رائحة الورود المتناثرة في حجرة المستشفي في الوقت نفسه.
ويصعب تطبيق هذه التقنية الآن، حيث لا يُمكنُ لشبكة الإنترنت بإمكاناتها الحالية أن تشحن وتنقل بيانات كافية وسريعة لمثل هذا النظام الذي يحتاج لقوة نقل وتبادل للبيانات تقارب الـ 60 ميجابايت بالثانية الواحدة، وقد تحتاج النوعية العالية من هذا النظام الغمري أكثر من 1,2 جيجابايت في الثانية. وسيتطلب هذا النظام بالإضافة إلى الشّبكات السريعة وجود حاسبات فائقة (Super Computers) لتُؤدّي التريليونات من الحسابات التي يَحتاجُها النظام لرسم البيئات في المجال الثلاثي الأبعاد.
وبالرغم من كل الفوائد المرجوة من إنترنت المستقبل لا سيما مع السرعات الفائقة التي تعد بها في نقل البيانات، إلا أن هذه السرعة ذاتها تنذر ببوادر شر وبيل كذلك.
ويذكر العالم السرعات التي انتشرت بها فيروسات مثل (Melissa) و (Red Code)وغيرها، خاصة تلك التي أرهقت الجميع في أعوام 2000 و2001 و2003م، حكومات وأفراداً وشركات خاصة تكبدت المليارات، وخسرت معلومات وبيانات لا حصر لها ولا تقدر بمال.
ومع توافر السرعات الخرافية لأجيال الإنترنت الجديدة، فإن مخاطر فيروسات وديدان الإنترنت، والمواقع الإباحية العشوائية، وقدرات المخربين من مخترقي الشبكات ستزداد دون شك، مما يستدعي إقرار تشريعات أشد صرامة والتركيز على تقنيات أكثر فاعلية لضمان خصوصية وسلامة شبكة الإنترنت التي باتت تعد بتغطية الأرض بأسرها.. وما حولها.. بنسيج من بيانات وأرقام.. وما هو أكثر من ذلك. |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
ساحة النقاش