الشقاوة أدب
طاهر البهي
أحن كثيرا إلى أجواء الحارة المصرية فى نهايات الستينيات من القرن العشرين، وأرى فيها ـ بكل سلبياتها ـ عبقرية لم تنجح السينما المصرية، ولا حتى فن الرواية العربية ـ مع الأسف ومن دون تجنى ـ فى تصويره تصويرا دقيقا، يحاكى الواقع، دون الوقوع فى فخ التبريرـ تبعا لنظرية الخير لازم ينتصر والبطل لازم يتجوز البطلةـ والتفسير... والتنظير (يعنى الإرهاب مش لازم يكون مصدره العشوائيات).
فجمال الواقع في خصوصيته؛ وبك ل تأكيد فان حارة نجيب محفوظ ليست كحارة اسماعيل ولى الدين، وليست هى حارةكمال سليم فى رائعة العزيمة، ولا صلاح أبو سيف فى الفتوة وشباب امرأة، ولا ـ طبعا هى حارة خالد يوسف فى حين ميسرة ... وكلمني شكرا العفو!
ولكني أستطيع القول مطمئنا ـ وكأنى شارب اتنين لمون سكر مكنة ـ كل ما ذكرت من أعمال فنية وأدبية، هى جزء من الحارة المصرية، ولكنها لا تلخصه ولا تستغرقه ـ العبد لله دارس منطق... ولكنه ليس المنطق المشوى بتاع سعيد صالح ـ، فحارة العباسية مختلفة عن حارة الشرابية ـ الأولى أخرجت لنا نجيب محفوظ ومواهب أخرى أدبية وفنية، فيما الثانية انتجت لنا الفنانة نجوم كورة ومواهب أخرى ـ فيما كان من مميزات حارة باب الشعرية أن أهدت الينا الموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب... وآخرين ـ ولكل طعمه المميز.
هناك سمات مشتركة..نعم (أيوه يعنى)، ولكن تستوقفني مشاهد الصياعة ـ ولامؤاخذة ـ واذا أردت أن تبحث عن مرادف لهذه الكلمة التى ربما لا تعجبك؛ فقل أنها... "الشقاوة" وان كنا جميعا نتفق على رفضها.
والشقاوة في الحارة ـ فى تلك الفترة ـ كانت لها أصول وقواعد، وبروتوكولات ومعاهدات غير مكتوبة ـ معظم الصيع لا يكتبون ـ، ولكنها كنصل سكين حاد مسنون، يفصل بين المسموح وغير المسموح، بين الأدب وقلة الأدب، حتى أن المراقب يندهش من أن الولد الصايع من دول، يقوم بأفعال خاطئة ـ وحشة ـ مثل من يسرق منهم؛ فهو لا يسرق من حارته ولا من الحى كله الذى ينتمى إليه، ومن يصطاد النسوان ـ لغة عربية فصحى ـ لا يقترب من نسوان حتته، بل هو يحميهن داخل وخارج المنطقة، اذا وجدها تتعرض للمعاكسة، ساعتها ليس أقل من مطواة قرن غزال للدفاع عن شرف صاحبة الصون والعفاف.
ودور الحماية هنا مختلف عن حماية الفتوة فى بدايات القرن الماضى، فالصايع لا مؤاخذة، لا يتقاضى إتاوة بل يفعلها محبة وأخوة وجدعنة. والى الحلقة القادمة
ساحة النقاش