حذّرتها من إن ده حرام وربنا هيعاقبها

 

السلام عليكم ورحمة الله بركاته.. أتمنى من الله إني ألاقي حل للمشكلة دي.. أنا أكبر إخواتي البنات ومن عيلة مبسوطة ماديا، وأبي وأمي ملتزمان وكلنا والحمد لله.. المشكلة بقى في أصغر إخواتي البنات، لسه عندها 12 سنة، بس مع الأسف بتمدّ إيدها وبتسرق فلوس مني ومن بابا، وحصل بسبب الموضوع ده مشكلات كتير في البيت بس ماكانش حد يعرف إنها اللي كانت بتسرق من فترة.

 

أنا اكتشفت الموضوع وكلّمتها كتير وحذّرتها من إن ده حرام وربنا هيعاقبها، وإنها هتدخل النار على أساس إن عقلها لسه صغير، وفعلا وعدتني إنها مش هتعمل كده تاني.. بس مع الأسف رجعت وسرقت من بابا مبلغ كبير، وللعلم إنها بتسرق الفلوس دي ومش بتعمل بيها أي حاجة، يعني بتشيلها معاها وخلاص، والموضوع ده اتكرر كثير.

 

وطبعا لإن السرقة بتكون محصورة بيني وبين إخواتي؛ اضطريت أقول لبابا بس من غير ما إخواتي يعرفوا إنها اللي بتعمل كده حتى ماما ماعرفتش، بس أنا قلقانة إنها تعمل كده تاني، لدرجة إني فكّرت أستشير دكتور نفسي.. بجد ساعدوني قولوا لي أعمل معاها إيه تاني؟

 

صديقتي العزيزة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لا شك أن السرقة في الأطفال أمر يفزع الأسرة ويقلقها إلى أبعد الحدود؛ لأنهم دوما ينظرون لهذا الطفل على أنه لص صغير أو مشروع لص محترف فيما بعد؛ لكن في الواقع لا بد أن نعي أن للسرقة لدى الأطفال دوافع كثيرة قد تختلف كثيرا عن السرقة لدى الكبار؛ لكن هذا  بالطبع لا يعني مطلقا ألا نفكر في الأمر ونبحث في أسبابه وطرق علاجه؛ لأننا لو تركناه فإنه يعني استمرار الدوافع والتي قد ينتج عنها سلوكيات أخرى غير محمودة، كالعنف والكذب والمراوغة وانتهاك حقوق الغير بوجه عام؛ أي الوصول للشكل الكامل للشخصية "السيكوباتية" أو الشخصية ضد المجتمع، أو ربما لا يتطور الأمر للوصول لهذه الشخصية.

 

لكن قد تستمر السرقة فقط كسلوك قائم بذاته بلا أعراض أخرى فيما يسمى بـ"الكليبتومانيا" أو داء السرقة غير المبرر، والذي يحدث غالبا بين الميسرين أي السرقة دون احتياج مادي أو الحاجة إلى الشيء المسروق، وبما أن شقيقتك تسرق كما يتضح لي دون حاجة مادية؛ لأنك كما ذكرت من عائلة مقتدرة من الناحية المادية ولم تشيري مطلقا إلى وجود نوع من الحرمان للطفلة، كما أنها تحتفظ بالمال الذي تسرقه دون أن تفعل به شيئا؛ فالسرقة هنا بدافع معنوي نفسي بحت، لا بد أن نصل إليه، وقد يكون الدافع بسيطا وطفوليا للغاية؛ كأن تريد الطفلة أن تشعر بأن لها كيانا في الأسرة مثل شقيقاتها الكبار اللاتي يعملن ويتربحن -أو أن لديهن مصروفا أكبر- حيث ذكرت أنها أصغركن، وأنها تسرق منكن؛ وهو ما يجعلني أظن بأن لكل منكن مصدر دخل من عمل أو من مصروف كبير من الأسرة.

 

فإذا كان الأمر هكذا؛ فيمكن علاجه بشكل غير مباشر بأن نجعل الطفلة تعمل بأجر في بعض الأعمال المنزلية التي تلائم سنها، مع تشجيعها على الادّخار؛ لأنها من الواضح أنها تحب اقتناء المال؛ فهي تسرق ولا تنفق مثلا من أجل التظاهر والتكبر على صديقاتها، ثم نساعدها بعد ذلك على أن تنفق في أمور مهمة كأن تشتري كتابا مفيدا أو لعبة تنمي الذكاء... إلخ، على أن تنفق جزءا من المال مع الإبقاء على جزء منه، ثم تعوّضه من خلال العمل في المنزل، مع رصد مكافآت لها بشكل مفاجئ كلما أتقنت عملها وأنجزته في وقت معقول.

 

هكذا ستشعر بأن لها كيانا، وتتعلم كيف أن لها القدرة على الكسب مع تذكيرها بحلاوة هذا المكسب الحلال، وإذا تكررت السرقة -برغم هذا- فيمكن حرمانها من المقابل المادي لعملها في المنزل كنوع من العقاب، ومواجهتها بالسرقة بشكل مباشر وفوري وتذكيرها ببشاعة السرقة، وحدّ السرقة في الإسلام الذي يعلّمنا كيف أن السرقة أمر فظيع ويستحق أقصى عقوبة لفرط بشاعته.

 

لكن هناك احتمال آخر للسرقة في حالة شقيقتك لا بد أن نضعه في الاعتبار، وهو السرقة بدافع نفسي لا شعوري؛ من أجل إثبات الذات، وفرض الوجود على الآخرين، ولفت الانتباه... أو أكثر من ذلك، وهو التعويض عن مشاعر حب مفقودة أو غير كافية من الوالدين.

 

إن الطفل هنا قد يسرق وكأنه يقول: "أنا أسرق إذن أنا موجود"، فشقيقتك هي الصغرى وربما تشعر بنقص الاهتمام من الوالدين، فقد يحدث أحيانا أن يتناقص اهتمام الوالدين بالأبناء الصغار دون قصد منهم؛ بعد أن أنفقوا جزءا كبيرا من طاقتهم العاطفية مع الأبناء الكبار، فتتضاءل مشاعر الاهتمام كما ذكرت دون قصد، ويُدرك الطفل الأصغر أنه مهمل عاطفيا، ولا يحظى بنفس الاهتمام الذي يحظى به الأشقّاء الكبار.

 

ونظرا لأن هذا الشعور شديد الإيلام؛ فلا يواجهه الطفل بل يتم كبته في عقله الباطن، ويشعر دوما بأن هناك شيئا ينقصه؛ ولكنه لا يُدرك ماهيته فيكون للسرقة هنا مدلول رمزي؛ إذ إنه يسرق بحثا عن إشباع ما يفتقده معنويا من الحب والاهتمام، إنه يتمنى أن يجد ما يفتقده فيما يسرق ويقتني من أغراض الآخرين، أو كنوع من الانتقام والعدوان على من يسرق منهم، فلا بد من أن نراجع أنفسنا في أمر هذه الطفلة وما يصلها من العطاء العاطفي من الوالدين؛ لأن هذا النوع من السرقة لا يُعالج إلا بالحب الحقيقي للطفل، وقد يصعب أحيانا أن تعالج الأسرة هذه المشكلة بمفردها دون تدخل المعالج النفسي؛ للوقوف على السبب الحقيقي اللا شعوري للسرقة.

 

لذلك أرجو أن تناقشي الأمر مع والديك، وضرورة اللجوء للعلاج النفسي إذا لزم الأمر، وأذكّرك بأن تكوني صادقة في تحليلك للأمر ووالداك أيضا؛ إذ إن الأسرة أحيانا قد تقف موقف المدافع الرافض تماما لفكرة أن يكون هناك تقصير في حق الطفل المعنوي من الحب والمشاعر؛ لأن كل أسرة غالبا ترى في نفسها أنها تعطي ما لم يعطه أحد؛ لكن التقصير يحدث بلا قصد أو نية مبيتة، فما دام أن هناك عرضا سلوكيا في الطفل فلا بد أن نعترف بأن هناك تقصيرا قد حدث، فلنتدارك الأمر ونعالجه مبكرا.. وفقكم الله.

 

د.نهلة نور الدين حافظ

اخصائي الطب النفسي

ومستشار نفسي بالمواقع الألكترونية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 450 مشاهدة
نشرت فى 27 سبتمبر 2013 بواسطة se7anafsiaatfal

وحدة الطب النفسي والإدمان للاطفال والمراهقين م.حلوان

se7anafsiaatfal
تنمية الطفل من الناحية العقلية والنفسية جانب أساسي في مفهوم الصحة الجيدة. هدفنا هو الوصول لحياة صحية سليمة ومليئة بالحيوية، وليس فقط الخلو من الأمراض.ونظرا لأهمية الطفولة كحجر أساس لبناء شخصية الإنسان مستقبلا وبما أن لها دور كبير في توافق الإنسان في مرحلة المراهقة والرشد فقد أدرك علماء الصحة النفسية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

173,345