الأمبراطورة أوجيني في مصر .. بين الحقيقة والخيال!!

د. سيد علي إسماعيل

ـــــــــــــــ

سمعنا كثيراً عن الخديو إسماعيل وعلاقته بالأمبراطورة أوجيني أمبراطورة فرنسا، وأن غراماً ربط بينهما؛ ظهرت ملامحه في استقبال الخديو الأسطوري لها، عندما زارت مصر عام 1869 للاحتفال بافتتاح قناة السويس؛ حيث جاءت وحدها دون زوجها نابليون الثالث أمبراطور فرنسا، فشيّد الخديو إسماعيل لها ولملوك أوروبا قصوراً للإقامة فيها، وبنى لها دار الأوبرا الخديوية؛ كي تفتتحها وتشاهد فيها التمثيل .. إلخ ما سمعناه من مظاهر البذخ والإسراف من قبل الخديو إسماعيل من أجل عيون الأمبراطورة أوجيني!! عزيزي القارئ .. إن كنت مصدقاً هذا؛ فأرجو أن تقلب الصفحة، ولا تقرأ الموضوع!! وإن كنت على استعداد لتقبل عكس ذلك فأكمل القراءة على بركة الله!!

لماذا لم يحضر زوج أوجيني؟!

الثابت تاريخياً أن الأمبراطورة أوجيني زارت مصر عام 1869 وحدها، ولم يحضر معها زوجها نابليون الثالث أمبراطور فرنسا!! وهذا الأمر ربما يفسره البعض بأنه ترتيب تم بين الأمبراطورة والخديو، بناء على ما أثير حولهما من وجود علاقة غرامية!! وهذا محض افتراء؛ اختلقه كل من له مصلحة في تشويه صورة الخديو إسماعيل؛ لأن نابليون الثالث كان سيأتي بالفعل مع أوجيني إلى مصر؛ ولكن الأزمات السياسية التي كانت في فرنسا في تلك الفترة منعته من المجيء، فأرسل أوجيني وحدها، وفضّل البقاء في فرنسا لإنهاء أزماته السياسية. وقدوم نابليون الثالث إلى مصر مع زوجته أوجيني، كان معروفاً للقيادة السياسية في مصر؛ بدليل هذا الأمر الرسمي – المنشور في تقويم النيل - والمؤرخ في 20/2/1869، والموجه إلى صاحب الدولة عبد الحليم باشا، وجاء فيه:

" كما هو معلوم لدى دولتكم أن صاحب الأصالة البرنس نابليون سيصل قريباً إلى هذا الطرف وأنه سيقوم بسياحة إلى جهة القنال وحيث إنه مطلوب ستة رؤوس من الهجن من أعلى جنس لركوب حضرة المشار إليه وزوجه في سفرهم إلى الجهة المذكورة ولما كان غير موجود في طرف الميري [الحكومة] الهجن المطلوبة فبناء عليه نرجوكم التكرم بفرز ستة من الهجن من الثمانية الهجن الواردة من طرف حضرة صاحب السعادة الشريف وإرسالها إلى ديوان الجهادية وأن تصدروا أمركم وتنبيهكم لطرف أتباعكم بخصوص انتخاب هجن هادئ وملائم الخطوة والحركة لركوب زوج المشار إليه ولذلك قدمت تحريراتي المملوءة إخلاصاً منا لتتكرموا بإجراء محتوياتها". وهذا الأمر الرسمي المنشور؛ يُعدّ أكبر دليل على أن أوجيني كانت قادمة مع زوجها نابليون، ولم تأت وحدها لملاقاة الخديو إسماعيل!!

بناء القصور للأمبراطورة وملوك أوروبا

كما أسلفنا وقلنا: سمعنا إن الخديو بنى قصراً للأمبراطورة أوجيني، وبنى قصوراً لملوك أوروبا، عندما جاءوا إلى مصر للاحتفال بافتتاح قناة السويس .. إلخ ما سمعناه عن البذخ الذي أُلصق بالخديو وتصرفاته المشيئة في هذه الفترة!! والحقيقة أن الخديو لم يبنِ قصراً واحداً من أجل أوجيني ولا من أجل أي ملك من ملوك أوروبا!! وإليكم المفاجأة، التي تكشف عنها وثيقة مؤرخة في 2/6/1869 – أي قبل وصول أوجيني وملوك أوروبا بأربعة أشهر – والوثيقة المنشورة في تقويم النيل؛ عبارة عن أمر إلى ناظر [وزير] المالية، هذا نصه:

" غير خافٍ عليكم أنه بمناسبة افتتاح قنال السويس في اليوم السادس عشر من شهر أكتوبر سيحضر إلى مصر ضيوف وزائرون من ذوي الاعتبار (وبرنسات) كثيرات من كل دولة وحيث إن المنازل الموجودة في يد الميري ليست بكافية لإيواء وإكرام هؤلاء الضيوف فبناء عليه يجب استئجار بعض بيوت مناسبة من الخارج [أي من خارج أملاك ومباني الحكومة] وحيث إن منزل محمد بك نجل المرحوم عاصم باشا الكائن بشارع شبرا موافق لإنزال هؤلاء الضيوف وأن المومأ إليه بالطبع غير ساكن فيه الآن بمناسبة موسم الشتاء فبناء عليه يجب التكلم معه من الآن بخصوص استئجار منزله على حساب الميري في موسم الشتاء وعرض النتيجة علينا".

هذه الوثيقة تثبت أن الخديو لم يُكلف خزانة الدولة أية أموال لبناء القصور، بل كلفها فقط أموال استئجار البيوت من الأهالي لإقامة ملوك أوروبا فيها!! والأمر الذي وجدت فيه إنفاقاً مالياً من قبل الخديو، كان لمكان استقبال الأمبراطورة أوجيني، والأمر كان موجهاً إلى وزير الخارجية، وجاء فيه الآتي: " حيث إنه يلزم تجهيز وفرش ديوان محافظة القنال بالإسماعيلية لمقابلة حضرة صاحبة الحشمة أمبراطورة فرنسا المنتظر حضورها إلى مصر في شهر أكتوبر فبناء عليه يجب إعداد اللوازم الخاصة بفرش الديوان المذكور بمعرفتكم بصورة بديعة".

القاهرة في عيون الأمبراطورة أوجيني

ربما يتساءل القارئ - بعد قراءة ما سبق - ويقول: أيعني هذا أن الخديو لم يهتم بالأمبراطورة أوجيني، وأنها لا تمثل له شيئاً؟! الإجابة يسيرة، وتتلخص في: إن الخديو اهتم اهتماماً خاصاً بأوجيني لا من أجل جمالها أو غرامه بها – كما قيل - بل من أجل إبراز عظمة مصر أمامها؛ حيث إن الخديو إسماعيل تلقى تعليمه في فرنسا، ويعلم جيداً تقدمها وقيمتها ومكانتها وسط دول العالم، لذلك أراد أن ترى أوجيني بنفسها، ما وصلت إليه مصر في عهده، وأن مصر أصبحت مثل فرنسا إن لم تكن أفضل منها؛ حيث إن الخديو نجح في جعل القاهرة قطعة من أوروبا!!

ومن حسن الحظ إنني حصلت على وصف تفصيلي للأيام الأربعة الأولى التي قضتها أوجيني في القاهرة، وهو وصف نادر، ذكرته جريدة الوقائع المصرية في مقالة منشورة يوم 27/10/1869. وهذه المقالة تثبت وبقوة أن الخديو أراد أن يفتخر أمام الأمبراطورة أوجيني بأن مصر من أرقى الدول، وتستحق أن تكون أم الدنيا، وأن المصريين شعب مضياف لا مثيل له!! ولأهمية المقالة سأنقل منها – نصاً وأسلوباً - ما قامت به الأمبراطورة في أيامها الأولى، وسأعلق في ختامها على بعض الأمور الواردة فيها.

قالت الجريدة: " ... توجه حضرة الجناب الخديوي الأعظم من مصر المحمية مشرفاً ثغر الإسكندرية ...... وذلك لاستقبال حضرة أمبراطوريجة [هكذا] فرنسا المحتشمة وإيصالها بنفسه إلى مركز الخديوية الجليلة [قصر رأس التين] وفي شروق اليوم الثاني ..... ركب مع حضرتها زورقاً قد زين بالأعلام الإسلامية والفرنساوية إلى أن خرجا منه بموقف السكة الحديد ..... وركبت عربية سكة الحديد الفاخرة المخصصة إلى مصر المحروسة فشاهدت في مرورها أن جميع الأراضي قد غمرها النيل المبارك [الفيضان] واكتست ببسط الزرع السندسية فحصل لها من ذلك كمال السرور والمحظوظية. وفي الساعة الثالثة الأفرنكية وصلت بالتبجيل إلى المحطة المصرية وكانت مزينة والأعلام الإسلامية والفرنساوية مرونقة من أجل قدومها بأنواع الأزهار والمنسوجات البهية ..... ثم ركبت هي وحضرة الخديو الأعظم العربية المهمة البهية المجرورة بأربعة من الخيول ..... وما من مكان إذ ذاك من بيوت أو شبابيك إلا وهو مغصوص [مزدحم] بما لا يحصى عدده من الناس ذكوراً وإناثاً مؤدين المراسم الاحترامية مزين بأنواع الزينة وأقواس النصر ومرت من ميدان الإسماعيلية [الأوبرا] إلى قصر النيل ومنه ركبت وابور عبرت به إلى جانب النهر الآخر وأوصلت إلى سراية الجزيرة البهيجة البهية المخصصة لإقامة حضرتها السمية وبعد أن استراحت فيها برهة يسيرة حضرت حضرة والدة الجناب الخديوي علية الشأن وأدت رسوم زيارتها ثم عادت إلى القصر العالي وحيث كان الجميع اعتنوا من قبل قدومها إعظاماً لها بترتيب الزينات الخارجة عن حدّ الوصف ركبت عربية هي وحضرة الجناب الخديو المعظم للتفرج عليها فمرّا من جهة ذلك القصر إلى القلعة وطافا الجهات التي داخل البلدة كالغورية وخان الخليلي والسكة الجيدة الموسكي والإسماعيلية وسكة شبرا وعاينت ذلك منشرحة مسرورة مما حصل في حقها من المراسيم التبجيلية الحاصلة في حقها من جميع البرية. ثم عادت إلى السراية وباتت فيها وفي اليوم الثاني ركب كل من حضرتيهما عربية وتفرجت على الجامع الأزهر المعمور وطيلون [جامع ابن طولون] وجامع السلطان حسن وسائر المساجد الشريفة العتيقة اللاتي عليها مدار مفاخرة مصر الأمصار وتوجهت إلى مسجد الإمام الشافعي واتقصت الأماكن الشهيرة فرداً فرداً وقرت عينها بذلك. وفي المساء توجهت إلى القصر العالي وحضرت وليمته وبعد الفراغ والحديث خرجت للتفرج وبالجملة فقد راقها ما عاينته من الزينات وشاهدته من آثار مصر الباهيات. وفي يوم الاثنين الذي هو رابع يوم قدومها أرادت التفرّج على شجرة مريم التي بالمطرية وسراية القبة وحديقتها البهية فركبا لذلك وإذ ذاك كان تلاميذ المدارس الحربية اللاتي بالعباسية مصطفين للقيام بواجب التحية وبعد التفرّج على ما ذكر والاستراحة برهة عادت فصادفتها عروس مزفوفة على العادة البلدية فسرت بذلك".

وملاحظاتي على هذه المقالة، أن الخديو إسماعيل كان يفاخر أمام أوجيني بمصر الإسلامية - لا مصر الخديوية - بدليل أن الأعلام المرفوعة والتي زينت كل مكان بجانب الأعلام الفرنسية، هي الأعلام الإسلامية، وتكررت مرتين في المقالة!! كما أن الأمبراطورة أقامت في سراي الجزيرة، المبنية قبل قدومها بعدة سنوات، ولم يقم الخديو ببنائها خصيصاً من أجلها، كما قيل. أما أهم ملاحظة فتمثلت في أن الخديو كان مرافقاً للأمبراطورة في أول برنامج سياحي رسمي في مصر؛ حيث جعلها تزور القلعة لتشاهد عظمة حكم مصر، والغورية لترى الأصالة المصرية، وخان الخليلي لتستنشق عبق التاريخ، والموسكي لتطلع على تقدم مصر تجارياً واقتصادياً، والأزبكية لتشاهد مصر الحديثة، وسكة شبرا لتشاهد متنزهات مصر الطبيعية، والأزهر الشريف لتتعرف على عظمة العلوم الإسلامية، ومسجد ابن طولون لتشاهد عظمة الفن الإسلامي، ومسجد السلطان حسن لتبهر بالآثار الإسلامية، والإمام الشافعي لتعرف مذهب المصريين، وشجرة مريم لتقدر بنفسها الإخاء والمحبة بين المسلمين والمسيحين في مصر، وحديقة سراي القبة لشهرة تنسيقها. هذا ما تفاخر به الخديو إسماعيل أمام الأمبراطورة أوجيني!! جعلها تشاهد عظمة مصر؛ بوصفه حاكماً مصرياً، ولم يبث لها غرامه؛ بوصفه متيماً في حبها!!

عظمة مصر الفرعونية

ما سبق هو موقف الخديو؛ بوصفه رجلاً وحاكماً لمصر .. أما موقف الأمبراطورة؛ بوصفها امرأة وأمبراطورة لفرنسا؛ فكان أغرب من الخيال!! فالأمبراطورة أوجيني، لم تأتِ إلى مصر من أجل الخديو إسماعيل وحبها له – كما قيل – ولا من أجل افتتاح الأوبرا، التي بنيت لها كما قيل، ولولا التاريخ لقلت إنها لم تأتِ من أجل افتتاح قناة السويس!! بل جاءت من أجل مشاهدة عظمة مصر الحقيقية، المتمثلة في آثارها الفرعونية!! فقد اختتمت الوقائع المصرية مقالتها السابقة عن أوجيني بهذه العبارة: " ... ثم رغبت [أي أوجيني] في التفرّج على الآثار المصرية القديمة والجهات الصعيدية"، وهذا يعني إنها تريد أن تزور الآثار الفرعونية في صعيد مصر، مما يعني إنها سمعت عنها قبل أن تأتي إلى مصر!!

ومن حسن الحظ إنني وجدت وصفاً تفصيلياً لهذه الرحلة، نشرته جريدة الوقائع المصرية يوم 23/12/1869، علمت منه أن الرحلة استغرقت اثنين وعشرين يوماً من 26 أكتوبر إلى 12 نوفمبر 1869، وهذا يعني أن الأمبراطورة لم تحضر افتتاح الأوبرا الخديوية التي افتتحت في الثاني من نوفمبر 1869، تلك الأوبرا التي قيل إن الخديو بناها خصيصاً لها!! كما أن هذه الرحلة الطويلة – 22 يوماً – تُعد أكبر فرصة لبث لواعج الحب والهيام بين الحبيبين – الخديو وأوجيني - لأن القارئ سيظن أن الخديو كان مرافقاً لها في هذه الرحلة؛ كما كان مرافقاً لها في رحلتها السياحية في القاهرة!! والحقيقة أن الخديو تصرف؛ بوصفه حاكماً وليس مراهقاً، فاهتم بضيوفه ملوك وأمراء أوروبا، وأمر ابنه حسين – السلطان حسين كامل فيما بعد – ليكون مرافقاً لها في رحلتها إلى صعيد مصر وآثارها الفرعونية، تلك الرحلة التي وصفتها جريدة الوقائع، قائلة:

" لما أرادت حضرة أمبراطوريجة فرنسا المحتشمة التوجه إلى إقليم الصعيد على ظهر النيل المبارك لمشاهدة الآثار المصرية الغريبة القديمة ومواقعها وسائر مبانيها الجسيمة ومزارعها التي هي المدار في ما لها من الشهرة والافتخار تعينت بمعية حضرتها اثنتا عشرة سفينة بخارية وجميع اللوازم السفرية وجعل حضرة سعادتلو حسين باشا ثاني أنجال الجناب الخديوي المعظم مهمانداراً .... إن التوجه إلى الصعيد كان من سراية الجيزة العالية الساعة الحادية عشر الأفرنجية من السادس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي وأمضى الليل فوق ظهر النيل بدون سير وفي الساعة الثالثة نهاراً من السابع والعشرين منه أخذ في السير وفي الساعة السابعة كان الوقوف على بني سويف لأخذ الفحم اللازم وفي منتصف الساعة السابعة الأفرنكية مساء كان الوصول إلى المنيا وفي الساعة الخامسة من الثامن والعشرين منه نهاراً كان الانتقال منها وفي الساعة التاسعة كان الحلول بالروضة والتفرج على فابريقة السكر الخديوية التي هناك وفي الساعة السابعة كان الوقوف على مدينة آبو وفي الساعة الرابعة نهاراً من التاسع والعشرين منه كان الخروج منها إلى أسيوط ثم الاستراحة فيها ومن بعد استقصاء أسواقها كان السفر منها في الساعة الأولى وفي الساعة التاسعة كان الوقوف بظهر النيل وفي الساعة الخامسة نهاراً من الثلاثين منه كان الانتقال حتى صار الوصول إلى قنا في الساعة السادسة صباحاً وكان التفرّج عليها وفي الحادي والثلاثين منه كان الوصول إلى دندرة والغذاء في المعبد القديم الذي هناك وفي الساعة الأولى مساءً كانت العودة إلى الوابور والأخذ في السير وفي الساعة الرابعة كان الوصول إلى الأقصر وأبي الحجاج وفي صبح أول يوم من شهر نوفمبر كان التفرّج على بلدة الكرنك وأطرافها وبارتفاع النهار شوهد ما ينبغي التفرّج عليه من المحال التي بجهة النيل اليسرى وفي الساعة الخامسة من اليوم الثاني [يوم افتتاح الأوبرا] كان الوصول إلى وادي القبور العتيقة وفي الساعة التاسعة كان العود إلى الوابور ثم السير إلى إدفو وكان الوصول إليها في الساعة السابعة صباحاً وفي الساعة السابعة من اليوم الثالث صباحاً شوهدت آثار معبدها القديم والتفرّج على ألعاب عربان البشاري مع المسرة بذلك وفي الساعة التاسعة كان الخروج منها إلى أسوان وفي منتصف الساعة الثالثة ليلاً كان الوصول إليها والتفرّج عليها ونوّرت بالقناديل وفي اليوم الرابع عوينت جزيرة الفيلة وحصل المرور من الشلالات وفي اليوم الخامس كان التوجه إلى بلاد النوبة وفي الساعة السادسة مساء الوقوف بقلابشة وفي الساعة الخامسة من اليوم السادس كان السير وبارتفاع النهار عصفت الرياح وفي الساعة السادسة مساء كان الرسيان بالساحل وفي الساعة العاشرة من اليوم السابع نهاراً كان الوصول إلى كروسكو وبعد ساعتين كان الرجوع إلى جزيرة الفيلة والوقوف على النيل وفي الساعة الثانية من اليوم الثامن كان الوصول إلى أسوان وفي الساعة الرابعة كان السفر منها وفي السابعة مساء كان الوقوف على النيل وفي الساعة العاشرة من اليوم التاسع نهاراً كان الوصول إلى إسنا وفي الساعة التاسعة من اليوم العاشر نهاراً كانت الإقامة بسوهاج وفي الساعة السادسة ليلاً كانت الاستراحة بمنفلوط وفي الساعة التاسعة من اليوم الحادي عشر كان الوقوف بالمنيا وفي منتصف السابعة نهاراً كان الرسيان بقرب بني سويف وفي التاسعة من اليوم الثاني عشر كان الوصول أمام سقارة والتفرج على الأهرام والقبور القديمة وتناول الطعام بقصر حضرة الجناب الخديوي المسمى (شاله) [شاليه]".

وبعد أيام قليلة، تم افتتاح قناة السويس – كما هو معروف – وحضرت الأمبراطورة الافتتاح مع باقي ملوك وأمراء أوروبا، الذين انبهروا بمصر وما وصلت إليه من تقدم، لدرجة أن جريدة الوقائع المصرية نشرت في 27/11/1869 قول أحد ملوك أوروبا، الذين حضروا الافتتاح - وهو فرانسوا أمبراطور أوستريا - إلى الخديو إسماعيل، قائلاً له: " إن مصر لو كانت في حيازتي لوضعتها بين جفني عيني وأحكمت إغلاقهما عليها حتى لا يراها أحد".

والجدير بالذكر إن الاحتفال بافتتاح قناة السويس تم على رصيف الميناء الذي سُمي باسم (رصيف أوجيني)، كما ذكرت مجلة وادي النيل في 17 نوفمبر 1869!! كما أصدر الخديو أمره بالعفو عن 137 سجيناً من أهالي المناطق التي زارتها أوجيني في الصعيد، إكراماً لها، وفقاً لما نشرة أمين سامي في تقويم النيل بتاريخ 2/12/1869.

الخاتمة

هكذا كانت رحلة أمبراطورة فرنسا أوجيني إلى مصر، وهكذا كانت تصرفاتها، التي تتناسب مع مكانتها؛ بوصفها أمبراطورة زوجة أمبراطور، ولم تتصرف؛ بوصفها امرأة عاشقة للخديو كما يُقال!! وهكذا كان الخديو إسماعيل، وهكذا كانت تصرفاته، التي تتناسب مع مكانته؛ بوصفه حاكماً لمصر أم الدنيا، ولم يتصرف؛ بوصفه مراهقاً وقع في حب أمبراطورة زوجة أمبراطور!!

المصدر: جريدة القاهرة - عدد 951 - بتاريخ 9 أكتوبر 2018
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 581 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

752,443