الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

أشعار الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

مدن لها قلوب (2)

صنعاء . .

يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن

                                       بقلم: حلمي سالم

مجلة المصور العدد 4543  2 نوفمبر 2011

 

في عام 1988 كانت أول زيارة لي إلى اليمن. كنا وفدا شعريا ضم فاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبو سنة وحسن طلب وأنا . . كانت الزيارة بترتيب ودعوه من الشاعر اليمني الكبير د.عبد العزيز المقالح  (وكان رئيس جامعة صنعاء حينئذ) في أثناء هذه الزيارة سمعنا خبر حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل. وكانت فرحة اليمنيين كفرحتنا غامرة . . وهناك التقينا بزميلنا وابن جيلنا الشاعر والناقد المصري د. محمد بدوي الذي كان معاراً لجامعة صنعاء, والتقينا بالزميل والصديق د.علاء حمروش, أحد قادة الحركة الطلابية المصرية في بداية السبعينيات, وكان معارا أيضا لتدريس الفلسفة بجامعة صنعاء.

وقد رحل علاء حمروش مبكراً, بعد ذلك بسنوات قليلة, وكان قد عاد إلى مصر, وظل بضع سنوات لا يجد له مكانا في جامعات مصر, بذريعة أنه حصل على دكتوراه الفلسفة من موسكو, إلى أن وجد مكانا بعد معاناة هزلية حزينة استغرقت زمنا طويلا, في جامعة بنها. 

 

كانت هذه الذريعة حجة مفضوحة وكاذبة, والحقيقة هي إن الإدارات الرسمية الجامعية لم تنس لعلاء حمروش أنه كان قائدا من قادة الحركة الطلابية, وأنه يساري منتم للفلسفة المادية الجدلية. وأنه ابن أحمد حمروش (الذي رحل منذ أيام قليلة) أحد الضباط الأحرار, والمثقف اليساري الكبير, وصاحب أكبر وأوفى تاريخ لثورة يوليو, عبر كتابه الضخم ذي الأجزاء الستة "قصة ثورة يوليو". وقد تأثر الجيل كله بالرحيل المفاجئ المبكر لعلاء حمروش, بعد أزمة قلبية مباغتة, وهو في أوج فتونه وشبابه, وكان واعدا بباحث متميز عميق.

وقد أشرت إلى هذا الانخطاف المبكر لعلاء في قصيدة لي بعنوان "بورتريه الضباط الأحرار" ضمن ديوان "يوجد هنا عميان" وفيها:

 

"مهمتك الوحيدة وصل الحي بالحي عن طريق علاء حمروش:

حين كان يعلم الحواريين كيف يصبح الناس تكنيكين كلما أقبل المساء.

كان يعرف أن ذبحة الصدر سوف تفسد الخطط,

فلما وافته الجرأة على مجافاة تاريخ الأدب

حيث بورتريه الضباط الأحرار فوق كل هامة,

أدرك أن الأطفال وحدهم قد يفلتون من غسيل المخ إذا صار المدرسون غير بكباشيين".

 

كان عبد العزيز المقالح وحسن اللوزي صديقين قديمين لي ولحسن طلب منذ منتصف السبعينيات في القرن الماضي, لأنهما درسا بالقاهرة في تلك السنوات. كان المقالح (الذي يعتبر والد الحداثة الشعرية اليمنية) يعد للدكتوراه في الأدب بجامعة عين شمس وحصل عليها بتفوق.

وكان بيته بشارع مصدق بالدقي موئلا للقاء أسبوعي للأدباء والشعراء المصريين واليمنيين والعرب.

وقد استفدنا كثيرا, نحن شباب الشعراء المصريين, من ملاحظات وتوجيهات المقالح الشعرية والنقدية لتجاربنا المبكرة. كما نذكر تشجيعه لنا في إصدار مجلتنا الشعرية الحداثية المستقلة "إضاءة 77" تشجيعا معنويا وماديا, فضلا عن المساعدة بالكتابة في أعدادها الأولى قبل عودته إلى صنعاء.

 

كان المقالح حينئذ, رائد الشعر الحديث في اليمن, وظل كذلك, حتى بعد أن نشأت وراءه أجيال وأجيال من مبدعي الكتابة الشعرية الحديثة وما بعد الحديثة. من تلاميذ له ومتابعين, ومتمردين, وقد ظل المقالح يتعهد هذه الأجيال برعايته ودعمه وتقديمه لها بسماحة الأب وتفهم المبدع, كما ظهر في كتابه القيم "الكتابة الجديدة والكتابة الأجد".

 

في الجلسة الأسبوعية ببيت المقالح, كنا نستمع إليه بصوته الخفيض الهادئ يتحدث بصوت اليمن في قصيدة "مأرب تتكلم", حيث سد مأرب يناجي نفسه. مشيرا إلى أن معظم البلاد العربية تحررت وانطلقت إلا اليمن. ويدعو نفسه وأهله إلى الاستيقاظ  والصحوة. وهي الدعوة التي استمع إليها ولباها شباب الثورة اليمنية الواقفون منذ شهور في "ساحة التغيير" مطالبين بالحياة الجديدة:

 

"أهرام مصر بعد رحلة الصمت الحزين
ثارت
تكلمت على شواطئ السنين
حتى أبو (الهول) الصموت
آثر أن يمزق الستار
تدحرجت من فمه الأحجار
ألقى بصمته للرمل والرياح
أطلق للحنجرة السجينة الجناح
وحوله
تكلمت أحجار بعلبك
وصوت أوراس العظيم
يهز جدران النجوم
يدق أبواب الفلك
"
وتدمر" الصامتة الرمال والأحجار
تذبح صمتها
تطعمه للنار
تنشب في جدرانه الأظفار
و "نينوى"
وكل صامت ، تكلما
لم يبق غيري صامتا
على طريق العصر واجما
جذور صمتي اللعين
أنبتت السجون والجماجما
وها أنا
بموجة النيران والدماء
غسلت وجهي الحزين
مزقت وجه الصمت والعدم
أطلقتها من قبضة الألم
أرسلتها حزينة النغم
هل تسمعين : هذه الصخور
صوت الذي يثور
صوت الذي يغادر القبور
صوت الذي يعبر جسر الصمت والوجوم
يجرب التحليق والكلام
يزرع في الخرائب الشاحبة الرسوم
بعض زهور الحب والسلام".

 

أما حسن اللوزي , فكان طالبا في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر, ويسكن في مدينة البعوث الإسلامية, وأصدر ديوانه الأول "أوراق اعتماد لدي المقصلة", بالاشتراك مع الشاعر الفلسطيني المقيم بمصر آنذاك, عبد الرؤوف يوسف في نفس الفترة التي صدرت فيها دواويننا الأولى كذلك أي عام 1973 و 1974.

كان كلا الشاعرين, المقالح واللوزي, رجلين مستنيرين عقلانيين, يؤمنان بحرية الوطن والمواطن, وحرية الرأي والاعتقاد, ويؤمنان بالعدالة الاجتماعية. كل ذلك في إطار "قومي" ذي مسحة ناصرية خفيفة, وذي مسحة يسارية خفيفة.

 

اليمني الثالث الذي عرفته منذ ذلك الزمن البعيد هو محمد الشامي, كان زميلي بكلية الآداب قسم صحافة بجامعة القاهرة, في تلك السبعينيات الأولى من القرن الماضي ماركسي عميق, لكنه شخصية ساحرة, بوهيمي كأنه واحد من صعاليك العصر الجاهلي, وجمعت بيننا صداقة حميمة ظلت متواصلة مستمرة. ومثلما عمل المقالح بعد عودته لصنعاء بقليل رئيسا لجامعة صنعاء, ومثلما عمل اللوزي بعد عودته لصنعاء بقليل وزيرا للثقافة, عمل الشامي وكيلا لنقابة الصحفيين اليمنيين بعد عودته لصنعاء بقليل, لكن كان له مسار مختلف بسبب ميوله الماركسية الواضحة, فسرعان ما تم اعتقاله –وهو وكيل نقابة الصحفيين- لمدة عام, بتهمة اليسارية, والاقتراب من فكر اليمن الاشتراكي الجنوبي. ولما خرج من السجن وجدوا له عملا هامشيا في وزارة الثقافة, كمستشار لا يستشار!.

 

في هذه الزيارة الأولي إلى صنعاء, جعلوا لكل اثنين من الوفد المصري مرافقا يمنيا يصاحبهما في سيارة خاصة في كل التنقلات. وقد اختار محمد الشامي أن يكون مرافقا لصديقيه المصريين القديمين حسن طلب وأنا. وكان ذلك مثارا للمعابثات والفكاهات بين ثلاثي الأصدقاء القدماء. أمنا أمسيات وندوات في جامعة صنعاء و في مقر اتحاد الكتاب وفي مدينة تعز. كنا في الطريق إلى تعز حينما أطلق أبو سنة جملته اللطيفة "تعز كلها الحياة" المستندة إلى بيت أبو العلاء المعري "تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد". كما شاركنا في جلسات "المقيل" في بيت عبد العزيز المقالح وبعض بيوت الأدباء اليمنيين, حيث جلسة "القات" والحوارات الثقافية والفكرية والقهوة اليمنية الشهيرة و بمناسبة القهوة اليمنية الشهيرة. كنا منذ طفولتنا نتعلم في المدرسة أن البرازيل واليمن تشتهران بأكبر إنتاج للبن في العالم. وفي زيارتنا الأدبية لليمن شربنا قهوة كان طعمها غريبا ولونها غريبا: طعم الفول المطحون ولون الحلبة الصفراء, وظللنا نستفهم: أين البن اليمني الشهير الذي قرأنا عنه منذ الطفولة؟ إلى أن حل لنا اللغز أحد الأصدقاء: اليمنيون يقشرون ثمرة البن, فيصدرون الحبة الداخلية للخارج, ويستبقون قشرتها للطحن والاستهلاك المحلي.

 

في زيارة قريبة عام 2006, أثناء مؤتمر شعر الشباب العربي في صنعاء, الذي انعقد بمبادرة ورعاية من وزير الثقافة اليمنية حينئذ: خالد الرويشان, تعرفت على العديد من شعراء اليمن الشباب, منهم: نبيلة الزبير, وهدى قبلان, ومحمد حسين هيثم (الذي اختطفه الموت مبكرا وهو في ريعان شبابه) وغيرهم. وازداد تعمق العلاقة بالأصدقاء السابقين (عدا المقالح واللوزي والشامي) مثل: عبد الكريم الرازحي وقادري حيدري واسماعيل الوريث ومحمد منصور وعبد الباري طاهر وأنور العنسي وغيرهم. ذهبنا إلى عدن, وأقمنا صباحية شعرية في جامعتها, وكان ذلك متزامنا مع تأبين الشيخ أحمد ياسين, القائد الإسلامي الفلسطيني, الذي اغتالته إسرائيل وهوعلى مقعده المتحرك. كان مهرجانا ساخنا مشتعلا بالحماس والوطنية والشعر, وأذكر أنني في هذه الصباحية قرأت بعض قصائد ديواني "تحيات الحجر الكريم" الذي يحتوي على قصائد كتبتها أثناء انتفاضة الحجارة الفلسطينية أوائل الألفية الثالثة. ومنها مثلا القصيدة التي اتكأت فيها على قصيدة "فلسطين" لعلي محمود طه, التي غناها محمد عبد الوهاب, حيث "أخي جاوز الظالمون المدى / خنعنا فصالوا / خضعنا فجالوا / وجف على الغصن قطر الندى / أخي جاوز الظالمون المدى / وماتت هدى".

 

اليمنيون يعشقون عبد الناصر عشقا جنونيا, فهم يحفظون له , بامتنان لا يزول, دوره في تحرير اليمن من حكم "الإمام أحمد" والدفع باليمن إلى مشارف المعاصرة والتحديث ولذلك فقد أخذونا ذات يوم إلى جبل بين صنعاء ومأرب يقولون أنه قمته منحوته بطريقة إلهية على هيئة وجه جمال عبد الناصر, وحينما شاهدنا الجبل لم يكن الأمر كذلك, وإنما صور لهم ذلك لحبهم الغامر لعبد الناصر , الذي جعلهم يرون في تضاريس قمة الجبل ملامح وجه المحبوب.

 

في هذه الزيارة تعرفنا على الناقد العربي الكبير د.كمال أبو ديب. وكان وقتها يدرس في جامعة صنعاء , بدعوة من المقالح رئيس الجامعة آنذاك. د. أبو ديب هو أصلا أستاذ الأدب المقارن بجامعة لندن, وهو صاحب النظرية البنيوية في النقد العربي (بدون أن ننسى صلاح فضل أول من أدخلها إلى ثقافتنا العربية) وقد تجلت هذه النظرية عند أبي ديب في كتابه الضخم والمهم "جدلية الخفاء والتجلي" , وهو مترجم كتاب "الاستشراق والاستشراق معكوسا" لإدوار سعيد إلى العربية , وصاحب كتاب "شعرية اللحظة الراهنة" الذي درس فيه تجارب قصيدة النثر مابعد الحداثة في كتابات الأجيال العربية الشابة.

 

في الدورة الثانية بمهرجان الشعر العربي الجديد , برعاية الرويشان كذلك (2006) , اعتبروني (مع قاسم حداد الشاعر البحريني الصديق) ضيف المهرجان بوصفنا من الجيل السابق على الشباب الجديد أصحاب المهرجان الأصليين.  وقام صديقي القديم الجديد محمد الشامي باستئجار غرفة على نفقته الخاصة في الفندق الذي نقيم فيه لكي يكون قريبا مني لمساعدتي وقضاء حاجاتي. وقد نهض بذلك على خير ما تقتضيه الصداقة العميقة الدائمة وعلى خير ما تقتضيه الروح اليمنية الغامرة ورافقني كذلك طوال الأيام القليلة التي قضيتها باليمن بعد الانتهاء الرسمي للمهرجان. كانت والدته قد توفيت قبل أسابيع قليلة من زيارتنا. وكان حزيناً, وانطفأت كثيرا روحه المرحة العابثة. وطبيعته الضاحكة المنطلقة. ليحل محل كل ذلك كآبة أسيانه و ألم داخلي دفين.

 

تقاسم مع الشامي رعايتي وإكرامي الصديق قادري حيدري, المثقف السياسي ذو النزعة الاشتراكية. الذي يعمل مع د. المقالح في مركز البحوث والدراسات بصنعاء والذي يزور القاهرة كل فترة لإجراء فحوصات طبية وكان آخر هذه الزيارات زيارة جاءت بعد أسابيع من ثورة يناير في مصر, سلمنا فيها قصيدة للمقالح عن الإسكندرية نشرناها في عدد الشهر التالي من "أدب ونقد" الذي خصصناه لنصوص ومقالات عن الثورة المصرية.

 

أما حسن اللوزي فمسيرته مع نظام على عبد الله صالح مسيرة حافلة: في البدء وكيلا لوزارة الإعلام , ثم وزيرا للإعلام , ثم وزيرا للثقافة والإعلام ثم اختلف مع صالح فأرسله سفيرا لليمن في الأردن (وقد زرته في هذه الفترة, أثناء زيارة لي إلى الأردن, في بيته بعمان) , ثم عاد إلى اليمن وكيلا لمجلس الشورى, ثم وزيرا للإعلام حتى الآن.

 

في هذه الزيارة (2006) , أرسل لي اللوزي سيارة ومرافقا أخذني إلى وزارة الإعلام, وجلسنا جلسة ود طويلة لم أتخلص فيها من مناداتي له أمام مرؤوسيه , وموظفيه ب (أبو علي) أو "حسونه" كما كنا نناديه طوال صداقتنا القديمة بالقاهرة في الزمن القديم, وأرسل معي إلى لميس إبنتي هدية ذهبية رقيقة , حينما علم أن لميس حينها كانت على أهبة الزواج.

 

وشعر حسن اللوزي شعر حر, شعر تفعيلة كما نقول, حافل بالرومانسية الإنسانية والرومانسية الثورية. ونابض بالعاطفة الحارة , الذاتية والوطنية على السواء. وقد كتبت عن شعره مقالة بجريدة "الحياة" قبل بضع سنوات بعنوان "الدرويش والمقصلة" ذكرت فيها أن هناك ثلاثة مدارات يدور حولها شعر اللوزي: الأول هو العشق وما يلف لفه من معاني الحب و المرأة والقلب والوجدان. الثاني هو الرغبة وما يلف لفها من حسية وملموسية وجدانية وسخونة. الثالث هو التصوف وما يلف لفع من اتحاد وعرفانية و رؤيا  وحلول. وأن هذه المدارات الثلاثة تدور في فلك شامل وسيع من الغنائية العذبة ذات الرواء.

 

ثم أشرت إلى ظاهرة "الوزير الشاعر" في تاريخ العرب, حيث هي ظاهرة غير جديدة على مجتمعنا العربي, فهي موجودة متوافرة فيه, بدءا من المعتمد ابن عباد وابن زيدون مرورا بمحمود سامي البارودي وبشارة الخوري, وصولا إلى مرحلتنا الراهنه, حيث محمد الأشعري في المغرب, وحسن اللوزي في اليمن. وموقع "الوزير الشاعر" موقع ضروري للحكومات العربية المعاصرة, تحرص عليه هذه الحكومات, كلما توافر ذلك من وجهة نظرها الرسمية. لأنه يضفي على السلطة السياسية مسحة من بياض الوجه, ومسحة من المظهر الديمقراطي, ومسحة من البراءة والشاعرية والحضارة . . وفوق ذلك فإن نموذج اللوزي كان يمثل "رمانة الميزان" للنظام السياسي بخصائصه المعتدلة الناضجة: قومي في غير عنصرية, ناصري في غير مزايدة, متدين في غير إرهاب, ثم هو – كشاعر – الضمير اليقظ في كل حين.

 

في مايو 2011 زارتنا في مجلة "أدب ونقد" الشاعرة اليمنية الشابة نبيلة الزبير, بعد ثورة يناير بمصر, وأثناء اندلاع الثورة اليمنية في مدن اليمن بأسرها. سألتها عن حسن اللوزي , فقالت إنه للأسف جزء صميم من نظام علي عبد الله صالح, وأنه كوزير إعلام يقوم بتبرير كل إجراءات السلطة في قمعها القاسي للثوار المنتفضين في شوارع اليمن, حزنت كثيرا, وتمنيت أن ينقذ اللوزي نفسه بالاصطفاف إلى جوار الثائرين. كما فعل وزراء ومسئولون يمنيون عديدون, وهو أولى بهذا الموقف السليم وهو الشاعر المستنير والمثقف المتفتح. ثم تمنيت – على الأقل – أن ينفصل عن هذا النظام الوحشي الذي أسال دماء الشهداء, المطالبين – سلمياً – بالعدل والحرية والكرامة والإنسانية.

 

ويبد أن أمنياتي ذهبت أدراج الرياح فقد سمعنا مؤخرا أن اللوزي يقوم بأعمال رئيس الوزراء (بوصفه أقدم وزير في الحكومة) بعد محاولة اغتيال صالح. التي أصابت ضمن من أصابت رئيس الوزراء, حينئذ تذكرت قول اللوزي في فصيدة قديمة:

 

"وأسأل عنك موج البحر

ألقي جسمي المكدود في عينيه أغتسل

يذوب الملح في جلدي

ولكني أظل بعشقك المجنون أشتعل

وأكتب آخر الأبيات في بوابة الآتي

غدا تصل

لتمسح جرح أشعاري

فيندمل

ووجه العشق يكتمل"

 

في جلسات "المقبل" جربنا مع اليمنيين مضغ "القات" لم نستمتع به, لكن معظم اليمنيين يستمتعون به, وهناك فترة ما بعد الظهر , يكون فيها أغلب اليمنيين واضعين "القات" في أشداقهم, سواء كانوا في البيوت أو في الشوارع أو في السيارات أو في العمل.

 

لكن هذا الشعب اليمني الذي كنا نتعجب من "غرامه المميت" بالقات بهذه الطريقة المرعبة, انفجر عن معجزة غير منتظرة , حينما خرجت كل طوائفه في ربيع 2011 تنتفض في ثورة عارمة. ظلوا خلالها يتظاهرون في الشوارع ويعتصمون في الميادين لستة شهور متواصلة, حتى الآن, وما تزال الانتفاضة الثورية مشتعلة.

 

في قصيدة لي بعنوان "ربيع العرب"  أحي فيها الثورات العربية , في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها, خصصت الثورة اليمنية بمقطع يقول:

 

وهنا صنعاءُ تقوم من الغفوة،
وتجيء علي السّعف القحطاني،
علي سدٍّ من مأربَ،
وعلي مطرقةِ شيوعيينَ بعدن،
وعلي الخط المسماري، وأهداب بناتْ
وضاّحُ الحلو وقد حملَ الروحَ علي كفين وهجرَ القاتْ
زرّاع البن،
وشعراء كفيفون أذاعوا أن اليمنيين بمنفي،
أن المنفي في اليمنيين،
فيحمل واحدهم بعضَ شهيدٍ أو بعضَ رفاتْ.
ميدانُ التحرير تناسلَ:
فأناشيدُ مشابهةٌ لأناشيدَ،
وشهداءُ قرينونَ لشهداءَ،
حياةٌ من رحم الحيواتْ
الحرية واحدةٌ، والقضبانُ السجّانةُ واحدةٌ،
بينهما مشوارٌ من جثثٍ، وسماءٌ من عَصْف مأكولٍ،
نيام نهضوا من طول سباتْ
".

 

                                                     حلمي سالم

 

 

 

 

 

 

 

saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 190 مشاهدة
نشرت فى 19 أكتوبر 2013 بواسطة saydsalem

الطبيب الشاعر/ السيد عبد الله سالم

saydsalem
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

111,707