تعرفون ايها السادة الكرام ان الغالبية العظمى من الاسر في مجتمعاتنا , هي اما تحت او حول او فوق خط الفقر بقليل . تفرح يوم يكون الشهر ثلاثين يوما , وتحتفل في شهر شباط لأنه سيوفر عليها وجبات ثلاثة ايام . اما البقية فهي اسر لا تعرفنا ولا نعرفها , لا يهتمون بشؤوننا اولا نهتم بشؤونهم ولا يوجعهم وجعنا ولا يوجعنا وجعهم , وان كانت اغلب مقدراتنا بين ايدهم . ولكن نقول الله غالب على امره , وما طار طير وارتفع الا كما طار وقع . خلاصة الحديث ‘ اريد ان احدثكم عن اسرة من اسر الفئة الاولى , تعرفونها جيدا فهي تمثل الاسر جميعها ,انها اسرة (ابو فرج) , فأقول واجري على الله فيما اقول :
اليوم حفل تخرج فرج من الجامعة , عاد الى البيت يتأبط شهادته ولا تكاد الدنيا تسعه من شدة الفرح . فوجد مظاهر الاحتفال تنبعث من كل ركن من اركان البيت . استقبله الوالدان واحتضناه بدموع الفرح , فهو اول حلم يتحقق في حياتهم , والامل معقود عليه للنهوض بالأسرة وتلبية البسيط من متطلباتها الحياتية . تحلق حولهم بقية الابناء , ودارت اكواب المرطبات والعصائر ابتهاجا بهذه المناسبة , فالكل ساهم في انجاح هذا المشروع حتى حصالات الاطفال على قلة ما فيها من قروش فُتحَت , وجمعت مع ما ادخرت العائلة لتسديد الاقساط الجامعية , التي احسب ان الله سيحاسب الحكومات والمسؤولين عن الاعباء التي اثقلوا بها كاهل هذه الاسر, زيادة على ما بها من ضنك عيش وضيق ذات يد , بينما يتنعم اولادهم على شواطئ لندن وباريس وميامي .
انتهت مراسيم الفرح , دخل فرج غرفته يحتضن شهادته , واستلقى على سريره وفتحها واخذ يتمعن في كل حرف من حروفها ( قرر مجلس امناء الجامعة منحك درجة البكالوريوس في....) وسرح فكره في الايام الخوالي من اليوم الاول لدخوله المدرسة , مرورا بمراحلها المتعددة وقوفا عند بعض المواقف والمشاهد مع الاصحاب ورفقاء الطفولة والشباب فيبتسم و يمر ببعض المواقف المحرجة فينكمش . ثم مرحلة الجامعة وذكرياته فيها , وابتسم وهو يتذكر احدى زميلاته التي اعجب بها وربما احبها , وربما تواعدا على الزواج .... ولكن الافكار اذا انطلقت لا تقف عند حد وفجأة قفز الى فكره السؤال الكبيييييير الاتي : الان حصحص الحق , وجد الجد , فماذا بعد؟؟؟؟ غدا سيذهب بأوراقه ويقدمها الى الدوائر المعنية , ولكن هل سيتم تعيينه في اليوم التالي , لربما تطلب الامر وقتا طويلا يعد بالأشهر , فماذا سيعمل هل سيتمطط في بيت ابيه وامه يبقى نائما , وهل تقبل الاسرة ان تبقى تنفق عليه من قوت الاولاد الاخرين , فاليوم شيء وغدا شيء اخر . هل سيذهب للعمل في احد المطاعم او المقاهي او المولات , او يجر عربة امام المدارس ليبيع الترمس والفول والذرة . وهل مركزه الان وشهادته يسمحان له بذلك , ثم عندما يتوظف فسينفق جزءا من راتبه مساعدة للعائلة التي تكاتفت حتى وصل الى ما هو عليه , ومرت به( صور شندويشات الزيت والزعتر التي عاش عليها اخوته اياما كثيرة , وكانت السندوشات عبارة عن رغيف في وسطه خيط رفيع من خليط الزيت والزعتر لا يكاد يرى , ثم يُلَفُ الرغيف ليأخذ النكهة ). وهو ايضا بحاجة الى سكن ليتأهل , فبنات اليوم لا يقبلن الا بمنزل مستقل . طيب !! اذا استأجر شقة طار ما تبقى من الراتب , واذا اراد ان يبني شقة فوق سطح منزلهم , سيتكلف مبالغ كبيرة , ثم الاثاث بعد ذلك , ثم المهر وتواعه . وبحسبة بسيطة وجد نفسه انه بحاجة على الاقل الى عشر سنوات ليكون جاهزا للزواج . هل ستنتظره صديقته هذه السنوات الكبيسة العصيبة ؟ ثم كم سيكون عمر كل منهما ؟ انا لا ادري ولكن هذا ما سنساله عنه , وننقله لكم في المقال القادم ان كان في العمر بقية , وان تماسك صاحبنا ولم يراجع عيادات الامراض النفسية . طبتم وطابت اوقاتكم.