نشانا نحن جيل الستينات على اصوات امهاتنا (بصوت متهدج) عندما كنا نبكي او نشاغب:( اسكت يامّه لحسن يجيك اليهودي). وطبعا كنا نسكت ونرتعب , ونجلس نتخيل اليهودي هذا !! تنين له راس كبيرة وعينان تقدحان شررا واذنان يفترش احداهما ويتغطى بالأخرى . وما هي الا سنوات قليلة حتى وقعت نكسة 1967واحتل اليهود الضفة الغربية . ارتعبنا يومها خاصة عندما دخل اليهود القرية , وطلبوا من الرجال فوق سن الخامسة عشرة التجمع في ساحة القرية , يومها كنا صغارا لم نحضر التجمع , ولكن سمعنا من ابائنا الذين عادوا (وكان على رؤوسهم الطير ) , انهم جردوا القرية من كل سلاح او اداة حادة حتى الخناجر وسكاكين الجزارين . وفي يوم لا ينسى من ايام عام 1968 , دارت رحى معركة ضروس على اطراف القرية بين اليهود ورجال المقاومة , ورايت يومها طائرة الهليوكبتر وهي تحوم على ارتفاع منخفض فوق القرية , ثم تنزل في ساحتها وينادي المنادي: ممنوع التجول وكل الرجال من سن الخامسة عشرة التجمع في الساحة ولم احضر ايضا ولكن يومها رأيت اليهودي وجها لوجه , فقد قام اليهود بتفتيش القرية زنقة زنقة ودار دار) بحثا عن المقاومين . يومها رايته: جندي مدجج بالسلاح . قلت في نفسي : عجيب هذا بشر مثل بقية الناس, صحصح انه يحمل وجها كدرا لا يضحك (للرغيف السخن) حسب المثل الفلسطيني ولكنه بشر. قلت: ربما هو عفريت يتشكل ويتلون حسب الموقف , فتارة يكون مثل البشر وتارة مثل البقر . ودارت الايام وكبرنا واصبح لابد لنا من رؤية اليهودي والتعامل معه مباشرة , لعمل الهويات وشهادات الميلاد والتصاريح , وكان ذلك يتم في مركز امني محاط باسلاك شائكة وعلى ارتفاعات شاهقة , وكان احدنا يصطف بالطابور بالساعات حتى يتكرم ذلك العسكور بفتح البوابة, والسماح لنا بالدخول . وحتى ذلك الوقت كان الرعب ما يزال يدب في اوصالنا كلما شاهدنا احد المجندين . واعتدنا بعد ذلك الاحتكاك بهم على الجسور ذهابا وايابا في رحلة المتاعب التي ذكرتها مقال (قهر الرجال ) . ثم وقعت الانتفاضة الاولى واخذنا نألف صور الجنود وهم يتراكضون خلف اطفال الحجارة ويركض الاطفال خلفهم . وبدأت صورة المارد تهتز شيئا فشيئا حتى محيت من الذاكرة , وعرفنا انه مثل باقي البشر لكن قلبه مليء حقدا وفكره ضلل تضليلا كبيرا . ووقع العدوان على غزة , وشاهدنا بأم اعيننا ما تعرضت له اسطورة الجيش صاحب الاذرع الطويلة الذي لا يقهر . وراينا وسمعنا مكالمة حبيب امه وهو يناديها : ماما الحقيني انا في الجحيم نحن لا نرى بشرا وانما اشباح .
شكرا غزة وانصر لا هل العزة , طابت اوقاتكم