التخطيط
التخطيط هو كيفية حل المشكلات , ووضع مستقبلك بين يديك عن طريق خطة لها أهدافها , وهو عمل متواصل من أجل تحقيق نماء وتقدم فى كل المجالات الثقافية والعلمية والاجتماعية والسياسية والحياتية , وهو كالشطرنج كيف تصل بقواتك الى بر الأمان على أن تحقق المراد منها بأقل خسائر وفى وقت محدد ومعلوم , والتخطيط متطلب حياتى لايمكن الإستغناء عنه وإلا سادت الفوضى , وانتكست المجالات الحياتية للخلف , وانتفت صفة التقدم والتحديث والتطوير , بل وإن شئت تسربت من أيدينا الحضارة والمدنية مع إنتفاء أسبابها , فالتخطيط يبدأ من الفرد ثم الاسرة ثم القرية ثم المدينة وهكذا الى أن نصل الى الانسانية وما يوافقها وينميها ويطورها , فنجد الفرد الذى لديه طموح محددا هدفه وغايته , والطريق المؤدى الى أهدافه بخطة تصل به اليها ولذلك نحتاج فى التخطيط الى :
1- المخطط : ويشترط فيه العقل الراجح والمستنبط والواعى والفراسة والعلم والاحاطة بثقافات وخبرات الآخرين , يلتقط منها ما يناسب واقعه ويحث على التقدم والابداع ,مع خلق دمث وفهم عال , ونضج كبير , وسعة صدر , ووطنية وانتماء , واحتواء الآخر .
2- زمن للتخطيط : تحديد وقت قريب أو بعيد على إنجاز ما خطط له بحيث أن لا يعتمد على إمالة القلوب اليه بالكلام دون التحقيق والانجاز على أرض الواقع , فكم رأينا من سياسيين وضعوا أنفسهم فى مأزق لانهم لم يقدروا زمن التحطيط فطاحت بهم شعوبهم لعدم مصداقية ما يقولون لشعوبهم , وهذا لسوء فهم عن التخطيط والانجازات المترتبة عليه وزمنه المقدر من الخبراء , مثل الخطط قصيرة المدى , والخطط طويلة المدى .
3- الموارد الذى يعتمد عليها التخطيط وزمنه , فكيف تنجز مخططك وأنت لا تملك مواردك , هذا عبث يستخدمه من يريد المناصب بالثرثرة , وأنه قادر على أن يحول الفسيخ الى شربات ,أو عنده عصا سحرية كعصاة موسى "ع" , والموارد منها طبعا ما تمتلكه ومنها من تحاول أن يمدك بها غيرك على قدر علاقتك به , ومن الموارد ما هو مادى ومنها ماهو يعتمد على القدرة البشرية .
4- السياسة : وجود نظام سياسى يحث على العمل والتقدم ويفهم معنى احترام البشر وقدراتهم وتهيئة المناخ لذلك , فلا إقصاء ولا تهميش , وانفتاح كامل مع الآخرين لتوسيع الخبرة والمساعدات إن أمكن ماديا وعلميا ومعنويا , وهذا يتطلب منا روح الديمقراطية فى إختيار الحاكم والنظام الشورى بعيدا عن الديكتاتوريات والعصبية والقبلية والشطط الدينى الغير واعى لدينه وما يطلب منه .
5- الإعلام الهادف : فضائيات, جرائد ,مجلات, كتب ,مثقفون ,خطط إعلامية للتوعية بالخطط المطلوبة لتقدم بلادهم وتقدمهم هم , فمن الإعلام ما يثبط للاختلاف مع طرف ما يريد إسقاطه , ومنه من يريد أن يكون لشخص ما أو لفئة ما التواجد وإلا فالمصير المحتوم من الفوضى والتقهقر للخلف , بمعنى ياأنا فيها يا أخفيها .. ولقد وجدنا هذا محقق على أرض الواقع .
6- عدم التسرع فى المطالب الفئوية : بل نترك للخطة أن تأخذ وقتها ولنتحمل من أجل أبنائنا , خاصة اذا كان الحمل ثقيل , فلقد رأينا أن كثرة المطالب الفئوية يعجز ولا يحقق المطلوب , ويحدث التناحر والتوقف عن العمل , وبدلا من أن تنتفض الحياة يسودها التوقف والشلل , فلتكن المطالب مرتبطة بتحقيقها على فترات زمنية .
7- المتابعة : يحتاج التخطيط لقلوب وعقول تأمل فى مستقبل جميل ورخاء دائم , عندها حمية وشجاعة , لا تسكت على خلل رأته , ولا تداهن أو تمارى , فالمستقبل لا يفارقها أبدا , تسد خلل هنا , وتفتح طاقة نجاة هناك .. وهكذا .
8- التقييم : بعد إنقضاء زمن أو مدة الخطة يكون التقييم من أناس شرفاء , يقدرون أن مجرد التعامى عن فشل فى الانجاز يرجع بنا الى الوراء .. فالنسبة المئوية تحدد لنا ما مدى ما وصلنا اليه من إنجاز محقق على أرض الواقع .
9- عدم السير فى أنظمة أخفقت قبل ذلك , وإلا فالعجلة ستدور عليك كما دارت على من قبلك , وأخس شىء فى التخطيط اللجوء الى الفرد المطحون لتأخذ من دخله المتواضع بحجة التقشف .. فليتقشف الموثرون هم من يتحكمون فى حركة التجارة الداخلية الخارجية وكذلك الصناعات .. ومن دخلهم بالملايين .. أحذر من يخطط أن يلجأ للفقراء أن يفقرهم أكثر تحت بند مساعدة الوطن .. كيف يساعد الوطن وهو نفسه محتاج لمساعدة ليعيش .. ولله در الشيخ الشعراوى حين حكم على الموظف المصرى [انه يحتاج الى زكاة ليعيش .
وسأضرب لك نموذج تحقق على أرض الواقع :
نموذج التخطيط لهجرة رسول الله محمد"ص" من مكة الى المدينة ,ليجد منفذا ومتسعا لرسالته , وكذلك ابتعادا عن العذاب الفادح الواقع على صحابته , عندما سدت كل الطرق أمام دعوته , وساد التعذيب اللا إنسانى من أهل مكة لمحمد وأتباعه .. وجاء خبر السماء بالهجرة , وترك التنفيذ لمحمد"ص" , فكان التخطيط هكذا :
1- السرية : الا على أصحابه المقربين كأبى بكر الصديق وعلى بن أبى طالب ومن سيكونون فى مخطط الهجرة .
2- تحديد من ستقع عليهم مسئولية الهجرة : كأبى بكر رفيق وصاحب ملازم له
( إيمانه يعدل إيمان الأمة ) وعلى ابن بى طالب ابن عمه سينام فى فراشه للتعمية ولكى يؤدى الأمانات التى عند محمد"ص" ( فتى جريئا شجاعا مؤمنا ) , أسماء ابنة أبى بكر ستحضر الطعام لهما ( جريئة مؤمنة شجاعة شقت نطاقها نصفين لتضع فى جزء منه الطعام وتتمنطق بالجزء الآخر ) , دليل يعرف الطريق حتى ولو كان على غير الديانة ولكن يعرف بالامانة وعدم الخيانة مثل عبد الله ابن أريقط وكان يهوديا , ماحى لأثر الاقدام حتى لا يتتبعوا من قريش وهو راعى الغنم عامر ابن فهيرة .
3- تمهيد المدينة لانتقال الدعوة اليها عن طريق من آمن فى البيعة الاولى والثانية من الأنصار فى الخفاء بمكة وعادوا للمدينة , وعن طريق إرسال الرسل المعلمين والصادقين فى إيمانهم كمصعب بن عمير .
4- تغيير فى الطريق المتبع كتمويه أثناء الهجرة .
5- قبل كل ذلك الايمان بالله أنه معهما ولو انقطعت الاسباب وقد حدث بالفعل : فعندما وصلوا الى غار حراء واستطاعت بعد كل هذا أن تصل قريش الى الغار فكانت المعجزة وجنود الله المرئية والغير مرئية فرجعت قريش مخذولة , ولما مر رسول الله بخيمة أم معبد ولم يجد عندها طعاما الا عنزات غير مدرة للبن فمسح عليها النبى "ص" فدرت اللبن , ولما عرف طريقهما سراقة وكانت قريش وضعت جائزة لمن يعرف طريقهما فهم سراقة لذلك ولما قرب من النيى "ص" حفظه الله فساخت أقدام حصان سراقة فى الرمل وبعض الروايات لا أعرف مدى صحتها تقول أنه خرج عليه ثعبان فاستجار بالنبى على أن لا يعرف أحدا طريقه وينجو هو , وحدث ذلك بالفعل .
أما نحن كعرب نسىء التخطيط , ولا نجتمع ولا نتوحد , وذلك رغبة فى الدنيا أو الامارة أو الاهواء ولذات النفس أو علو الأنا والأنانية , فغيرنا مثل اليابان رغم ماحدث لهم بعد قنبلتى نجازاكى وهيروشيما , ورغم قلة الموارد , وكذلك النمور الأسيوية وأخيرا بعض دول الخليج .. هؤلاء خططوا واستطاعوا ينتقلوا من الفقر الشديد الى الرخاء الشديد , وما زلنا نرسف فى قيود التخلف والفرقة والحروب الأهلية بسبب وبغير سبب , مما أوصلنا الى ما يسموننا بالعالم الثالث ,أى عالم الفقراء والشحاتين .
الشاعر وحيد راغب/ عضو اتحاد كتاب مصر